وسط جهود تقودها الحكومة اليمنية لمواجهة تهاوي العملة المحلية (الريال اليمني)، عاد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى عدن، حيث العاصمة المؤقتة، لمواجهة تفاقم التحديات الاقتصادية بعد وصول الدولار إلى أكثر من ألفي ريال للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
واستهل العليمي لقاءاته، الأربعاء، بالمبعوثة النرويجية الخاصة لليمن، هايدي جوهانسون، حيث ركز اللقاء على دفع الجهود الإقليمية والدولية لردع الهجمات الحوثية واستعادة مسار السلام المبني على المرجعيات المتفق عليها دولياً، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن 2216.
كما استقبل رئيس مجلس الحكم اليمني مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الروسية، ألكسندر كينشاك، حيث تم بحث استئناف عمل السفارة الروسية في عدن وتعزيز العلاقات الثنائية بين اليمن وروسيا. وأعرب العليمي عن تفاؤله بأن يؤدي ذلك إلى تقوية التحالفات الدولية الداعمة لاستعادة مؤسسات الدولة وإعادة الاستقرار للبلاد.
وذكر الإعلام الرسمي أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي سيطلِع أعضاء المجلس الذي يقوده على الإجراءات الحكومية المتخذة لتأمين الخدمات، والسلع الأساسية، والحد من تداعيات التضخم الحاد، والتقلبات السعرية التي فاقمتها الهجمات الحوثية على المنشآت النفطية، والسفن التجارية بدعم من النظام الإيراني.
وطبقاً لوكالة «سبأ»، سيعقد العليمي لقاءات موسعة برئاسة الحكومة، والفريق الاقتصادي، والغرف التجارية ومجتمع الأعمال، والمكونات السياسية والمدنية، والجهات ذات العلاقة، لتشارك الخطط والسياسات، والرؤى الموجهة لتعزيز موقف العملة الوطنية، والإصلاحات الاقتصادية والإدارية المدعومة من تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والمجتمع الدولي.
وأدى تهاوي سعر العملة إلى سخط واسع في الشارع اليمني؛ إذ انعكس ذلك على زيادة الأسعار، وتدني القدرة الشرائية مع ضعف الرواتب التي يتقاضاها الموظفون العموميون.
وبدأت المعضلة الاقتصادية أمام الحكومة اليمنية منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2022، حيث هاجم الحوثيون منشآت تصدير النفط في حضرموت وشبوة؛ ما أدى إلى توقف التصدير وخسارة الحكومة نحو 70 في المائة من مداخيلها.
وكان البنك المركزي اليمني اتخذ في الأشهر الماضية تدابير لمواجهة الحرب الاقتصادية الحوثية، وإنهاء الانقسام النقدي الذي فرضته الجماعة، غير أن تهديد الجماعة بالعودة إلى تفجير الحرب ونسف التهدئة القائمة دفعت المبعوث الأممي هانس غرونبرغ إلى التدخل من أجل وقف هذه التدابير، والتوصل إلى اتفاق لخفض التصعيد الاقتصادي بين الطرفين.
تحرك حكومي
ضمن التحرك الحكومي لمواجهة تداعيات تهاوي سعر العملة اليمنية، اجتمع رئيس مجلس الوزراء أحمد عوض بن مبارك، في عدن، الأربعاء، مع قيادة البنك المركزي لمتابعة التدخلات المنفذة للسيطرة على أسعار صرف العملة، والإجراءات المطلوب القيام بها لإعادة الأوضاع الى طبيعتها ووقف المضاربات وضبط المتلاعبين.
ووفق الإعلام الرسمي أقر الاجتماع، عددا من التدابير والتدخلات على مستوى السياسات النقدية والمالية، في إطار العمل التكاملي الهادف إلى تحقيق الاستقرار في سعر صرف العملة والتحكم بالأسعار واستعادة التوازن لمنظومة الاقتصاد الكلي.
وجدَّد بن مبارك حرص الحكومة على تعزيز التكامل بين السياسة المالية والنقدية بما ينعكس على تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتخفيف معاناة المواطنين المعيشية، مؤكداً دعم الحكومة لعمل وجهود واستقلالية البنك المركزي وفق القوانين والتشريعات النافذة.
وأكد رئيس الحكومة اليمنية أن الانخفاض غير المبرر في سعر صرف العملة الوطنية يجب التعامل معه على أنه معركة توازي في أهميتها المعركة العسكرية القائمة لاستكمال استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب؛ ما يحتم على الجميع التعامل معها وفق هذا الأساس.
وقال: «إن التقديرات المالية والنقدية المؤكدة تشير إلى أن ما حدث من انخفاض في أسعار الصرف، وتحديداً خلال اليومين الماضيين غير مبرر أو منطقي ولا يتوافق مع حجم الكتلة النقدية المتداولة، وهذا يؤكد أن ما حصل ليس عفوياً ويؤشر إلى مخطط مرسوم نحن مدعوون للتكاتف لمواجهته».
وكان بن مبارك، ترأس الثلاثاء، اجتماعاً طارئاً لقيادة البنك المركزي اليمني ووزارة المالية، لمناقشة تطورات أسعار صرف العملة في ضوء التغيرات الأخيرة، والإجراءات المتبعة للتعامل معها وما تم اتخاذه والنتائج التي انعكست على سعر صرف العملة الوطنية.
ووقف الاجتماع أمام مؤشرات الاقتصاد والمتغيرات الجديدة في وضع العملة الوطنية، على ضوء مستجدات الأوضاع المحلية بما فيها استمرار وقف الصادرات النفطية جراء الهجمات الحوثية، وهجمات الجماعة المستمرة على السفن التجارية والملاحة الدولية، إضافة إلى التطورات الإقليمية والدولية.
وأطلع بن مبارك من محافظ البنك المركزي، أحمد أحمد غالب المعبقي على الإجراءات العاجلة التي أقرّها البنك للتعامل مع التطورات الجارية في أسواق الصرف وعمل القطاع المصرفي، وبينها الإعلان عن مزاد علني لبيع 50 مليون دولار.
ونقل الإعلام الرسمي أن الاجتماع أقرّ «عدداً من المعالجات والمسارات العاجلة للتعامل مع المضاربات السعرية القائمة في الصرف، وآليات تطبيقها بصورة عاجلة».
وأكد بن مبارك أن حكومته تدرك جيداً «التبعات الكارثية» لتراجع سعر صرف العملة الوطنية على معيشة المواطنين اليومية، وأنها تعمل بكل جهد لوضع حد لذلك، مشيراً إلى أهمية العمل التكاملي على مستوى الدولة والحكومة والبنك المركزي وحشد كل الجهود من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمعيشي.
أمل في تدخل دولي
في ضوء أمل الحكومة اليمنية في تدخل دولي لدعم العملة كانت قيادة البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن برئاسة نائب المحافظ، نائب رئيس مجلس الإدارة الدكتور محمد عمر باناجه، ناقشت مع سفراء الدول الأوروبية، عدداً من الموضوعات المتعلقة بمستوى تنفيذ بنود اتفاق يوليو (تموز) 2024، مع الحوثيين (خفض التصعيد الاقتصادي) الذي جرى تحت رعاية المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ.
وتطرق اللقاء في البنك اليمني الذي ضم سفراء الاتحاد الأوروبي: غابرييل مونويرا فينيالس، وفرنسا كاثرين قرم كمون، وهولندا جين سيببن، وألمانيا هيوبرت جاغر، ورومانيا جورج مايور، واليونان أليكس كونستانتوبلوس، والمستشار لويس ميغيل، إلى مناقشة أسباب التقلبات الحادة والمتسارعة في سعر صرف العملة اليمنية مقابل العملات الأجنبية.
وأوضح باناجه أن البنك المركزي اليمني استجاب بالكامل للبنود كافة المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب نظام «السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن، مشيراً إلى أن الطرف الآخر (الحوثيون) لم يتخذ أي خطوات ملموسة ولم يصدر حتى بياناً يعبر عن حسن النوايا.
وفيما يتعلق بالتقلبات الحادة في سعر الصرف، لفت باناجه إلى أن هذه التقلبات تعدّ نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في بلاده والذي يؤثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي، مؤكداً أن إدارة البنك المركزي تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المتاحة.