منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، يوصم اليمن على الساحة الدولية باعتباره مركزًا للإرهاب ونشره عبر الحدود الدولية. بالنسبة للكثيرين، بينهم دبلوماسيون أجانب، فإن أول ما يتم تناقله عن هذا البلد يتمثل في تواجد القاعدة، لا سيما بعد أن تمكنت المملكة السعودية من طرد التنظيم الإرهابي خارج أراضيها أواخر 2008 وما تلا ذلك بفترة وجيزة من تأسيس “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” داخل الأراضي اليمنية. لقد استغل تنظيم القاعدة الحالة السياسية الهشة في اليمن وما نتج عنها من فراغ أمني وحالة من عدم الاستقرار المزمن في هذا البلد العربي لتنفيذ هجمات إرهابية متعددة منها تفجير المدمرة “يو إس إس كول” في ميناء عدن عام 2000 والذي قتل 17 جنديًا أمريكيا، والهجوم على ناقلة النفط “إم في ليمبورج” عام 2003 قبالة ساحل اليمن، ومحاولة تفجير طائرة الرحلة 253 التابعة لخطوط” نورث ويست” الجوية المتجهة الى ديترويت عبر انتحاري أخفى متفجرات في ملابسه. في رد فعل على الحضور المتزايد للقاعدة، ضخ الغرب، لاسيما الولايات المتحدة، ميزانيات هائلة لعمليات مكافحة الإرهاب في اليمن. وبالرغم من هذا الدعم، عجزت الحكومة اليمنية عن احتواء هذا الخطر بشكل فعال.
أثناء المرحلة المبكرة لعمليات مكافحة الإرهاب (2002-2010)، كانت اليمن تحت قيادة إدارة الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح شريكُا متعاونا لكنه لم يخل من بعض الإشكالات والتعقيدات في هذا الملف. بجانب عدم الاستقرار السياسي وإمكانيات الدولة المحدودة التي قوضت جهود مكافحة الإرهاب، كان بعض القيادات السياسية التابعة للنظام اليمني ضالعين في استغلال الإرهاب لتأمين مكاسب سياسية وفقا لما تكشفه شهادات جهاديين سابقين. صالح نفسه استخدم المساعدات العسكرية الأمريكية، في تعزيز نظامه وقمع المعارضة الداخلية. نتيجة لذلك، أحدث الدعم الخارجي لنظام صالح الفاسد نتائج عكسية حيث أجج المزيد من مشاعر الاستياء الداخلي. وبدلًا من تقليص الإرهاب، أدت عمليات مكافحته غالبا إلى تقويض الاستقرار والأمن حيث استهدفت دحر القاعدة بأي تكلفة مع تجاهل الحساسيات الداخلية. إن الأخطاء المميتة والأضرار الجانبية المرتفعة التي تسببت فيها تلك العمليات، مثل مجزرة المعجلة عام 2009 التي أطلقت فيها الولايات المتحدة صواريخ توماهوك كروز على تجمع بدوي في محافظة أبين أدت إلى مقتل 41 مدنيًا بينهم نساء وأطفال، أشعلت الاستياء الشعبي ضد أجندة مكافحة الإرهاب في اليمن.
الإرهاب: تعريفات جدلية وقضايا عملية
يعد “الإرهاب” مصطلحا جدليًا غالبًا ما تستخدمه الأطراف السياسية لنزع الشرعية عن خصومهم. قاموس أوكسفورد يعرف الإرهاب بأنه “الاستخدام غير القانوني للعنف والترويع، لا سيما ضد مدنيين، سعيًا وراء تحقيق أهداف سياسية”. ومع ذلك، فإن الخط الفاصل بين الاستخدام غير القانوني والشرعي للعنف يتسم كثيرا بالضبابية، لا سيما في الصراعات التي تشمل سرديات وتبريرات متناقضة لحدود “العنف القانوني” أو “القوة الشرعية”. في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبينما صنفت الولايات المتحدة تنظيم القاعدة كعدوها الرئيسي، اصطفت الأجندة العالمية لمكافحة الإرهاب بشكل متزايد مع الأولويات الأمنية الأمريكية. وغالبا ما يغض هذا النهج البصر عن جماعات راديكالية أخرى معتبرًا إياها متعاونين ذوي فائدة في مواجهة القاعدة بالرغم من أنهم يشتركون في ذات الأيديولوجية المرتبطة بالمشاعر المعادية للولايات المتحدة.
وكون أن الجماعات الجهادية السنية أصبحت هي التمثيل النمطي للمنظمات “الإرهابية” لا تعني أن الجماعات الأخرى أقل خطورة. ومع ذلك، فقد أدت الاعتبارات السياسية إلى قيام الحكومات الغربية بتجاهل أو التقليل من التهديدات التي تشكلها جماعات راديكالية أخرى ووصفها غالبا بأنها أقليات تسعى جاهدة لتأمين حقوقها التاريخية أو البحث عن تعويض شرعي لمظالمها. يعكس مثل هذا النهج الانتقائي كيف يمكن للأيديولوجية السياسية التعتيم على التقييمات الموضوعية للمخاطر الحقيقية التي تشكلها هذه الجماعات التي قد يؤدي تجاهلها إلى خلق نقاط عمياء في الإستراتيجيات الأمنية العالمية حيث قد تضحى ممارساتهم أشد ضررًا وزعزعة للاستقرار من المنظمات المعترف بها على نطاق واسع كإرهابية. وللأسف، فقد سمح هذا التحيز في تصورات التهديد لبعض الجماعات بممارسة أنشطتها مع الإفلات من العقاب، مما يعقد أكثر جهود مخاطبة التحديات الأمنية العالمية بطريقة متوازنة.
الحوثيون والإرهاب
وللحديث بشكل محدد، يمكن الاستشهاد بحالة الحوثيين (المعروفين رسميًا باسم “أنصار الله”) في اليمن. عندما تولت إدارة بايدن الحكم عام 2021، كان أحد أول قراراتها الخارجية هو حذف الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية. بررت الإدارة الأمريكية هذا القرار باعتباره وسيلة لتخفيف الأزمة الإنسانية في اليمن بدعوى أن تصنيف الحوثيين كإرهابيين من شأنه أن يخلق حواجز مؤسسية لتوصيل المساعدات إلى اليمنيين. ومع ذلك، في أعقاب الأنشطة الحوثية المزعزعة للاستقرار في البحر الأحمر التي تتزامن مع حرب غزة، أعادت الإدارة الأمريكية تصنيف الحوثيين كـ “جماعة إرهابية عالمية مصنفة بشكل خاص” والذي دخل حيز التنفيذ في 16 فبراير 2024. بالإضافة الى إدراج واشنطن العديد من قيادات الحوثيين إلى قائمة العقوبات للأفراد، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شخص وثلاث شركات لضلوعهم في تسهيل تقديم أسلحة للحوثيين. وتستهدف العقوبات الحد من الإمكانيات المالية وإمدادات الأسلحة للجماعة في آخر تحديث لها في 2 أكتوبر 2024.
بالإضافة إلى هذا التصنيف الأمريكي، يتفق العديد من الخبراء والمؤسسات أن الحوثيين ينطبق عليهم التعريف التقليدي للتنظيمات أو الجماعات الإرهابية. وذكر تقرير نشره مجلس الأمن الدولي عام 2022 أن القصف الحوثي الممنهج لمناطق مدنية مأهولة بالسكان بعيدة عن خطوط المواجهة يستهدف نشر الإرهاب بين السكان المدنيين وهو ما يحظره القانون الإنساني الدولي. وسلطت لجنة الخبراء الضوء على أمثلة عديدة لممارسات عنيفة وقمعية ارتكبها الحوثيون أدت إلى ترهيب المدنيين. خبراء آخرون، أمثال جوناثان شانزر وماثيو زويج من “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” يعتقدون أن الحوثيون ينتمون الى قائمة الإرهاب وان إدارة بايدن حذفتهم في محاولة إرضاء ايران.
وعلى المستوى الرسمي، برر مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي السابق في إدارة ترامب، تصنيف الحوثيين كـ “منظمة إرهابية أجنبية” في يناير 2021 قائلًا: لو لم يتصرف انصار الله (الحوثيون) كمنظمة إرهابية، لم نكن لنصنفهم كذلك.” أشار بومبيو أيضا إلى الكيفية التي تسببت بها الحملات الوحشية للحوثيين في العديد من الوفيات، والمساهمة في زعزعة استقرار المنطقة، ومنع اليمنيين من تحقيق حل سلمي للصراع. وحتى عندما قامت إدارة بايدن بإلغاء التصنيف بعد قرار ترامب بأيام، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في بيان: “تظل الولايات المتحدة على بصيرة بأنشطة أنصار الله الخبيثة وعدوانها، بما في ذلك السيطرة بالقوة على مناطق واسعة من اليمن، ومهاجمة شركاء الولايات المتحدة في الخليج، واختطاف وتعذيب مواطني الولايات المتحدة والعديد من حلفائنا، وعرقلة المساعدات الإنسانية والقمع الوحشي لليمنيين في مناطق سيطرتهم، والهجوم المميت في 20 ديسمبر 2020 في عدن ضد أعضاء الحكومة اليمنية الشرعية”.
مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط: إعادة التفكير في إستراتيجية مستنفذة
نظرًا للحقائق الجديدة وتطور التهديدات، ينبغي تحديث الإستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب في اليمن والمنطقة لمخاطبة هذه التغييرات بشكل فعال. لقد فشل النهج الحالي في التعامل مع تطور التهديدات المتعددة، حيث لم تعد أجندة مكافحة الإرهاب التي تأسست بعد عام 2001 بقيادة الولايات المتحدة تتماشى مع التغييرات الملحوظة في التحديات الأمنية العالمية. بعد عقود من عمليات مكافحة إرهاب مكثفة بقيادة واشنطن، فقد تم إضعاف تنظيم القاعدة بشكل ملحوظ، لا سيما في أعقاب القضاء على مؤسسه أسامة بن لادن في مايو 2011 وتصفية قيادات التنظيم في اليمن أمثال ناصر الوحيشي (يونيو 2015)، وقاسم الريمي (يناير 2020)، وخالد باطرفي (مارس 2024). ومع ذلك، أدى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 بغير قصد إلى تمكين جماعات راديكالية شيعية لمجابهة البعثيين وغيرهم من الحركات الإسلامية السنية التي قاومت الاحتلال. القيادة العراقية الجديدة، مثل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، امتلكت روابط وطيدة مع تلك الجماعات. أيضًا، منح القتال ضد تنظيم داعش شرعية لبعض الفصائل المتطرفة المنضوية تحت “قوات الحشد الشعبي” المدعوم من الدولة العراقية والتحالف الدولي. في اليمن، يصطف الحوثيون مع ما يسمى “محور المقاومة” الذي تقوده إيران والذي يتشارك نفس الأيدولوجية المعادية للولايات المتحدة مع تنظيمات إرهابية أخرى أمثال القاعدة و”داعش” و “الشباب” و”بوكو حرام”. وللأسف، يغض المجتمع الأمني الدولي البصر عن تلك المؤشرات الخطرة، ربما بسبب التركيز على الجماعات الإرهابية النمطية ممن سبق تحديدهم كأعداء.
وبينما لا يزال تنظيم القاعدة يشكل تهديدا لليمن والعالم، تتوارى قدراته التدميرية إذا قورنت بما يملكه الحوثيون اليوم. بعبارة أخرى، فإن التأثير الذي يحدثه تنظيم القاعدة ضئيل مقارنة بالسيطرة القوية للحوثيين في صنعاء ومناطق اخرى في شمال اليمن التي يشكلون فيها سلطة الأمر الواقع منذ بداية الحرب الأهلية أواخر عام 2014. لقد استطاع الحوثيون، نتيجة لذلك، تعزيز قوتهم وتنفيذ سياسات ترسخ حكمهم بشكل متزايد وتتحدى الجهود المحلية والدولية لاستقرار المنطقة. إن الإرهاب الداخلي للحوثيين وعنفهم وانتهاكاتهم ضد الشعب اليمني يفوق ما فعله تنظيم القاعدة بمراحل. على سبيل المثال، يعد الحوثيون الجماعة الوحيدة في شمال اليمن التي قصفت منازل سكنية لمناهضيها. وعلى المستوى الدولي، فقد استهدف الحوثيون أيضا مدنيين في كلا من المملكة السعودية والإمارات. علاوة على ذلك، كشفت مصادر استخباريةأمريكية أن الحوثيين يتعاونون مع جماعات إرهابية مثل “الشباب” في الصومال.
الشعار المعروف الذي يتبناه الحوثيون “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام” يعكس بوضوح أيديولوجيتهم العنيفة. ورغم ذلك، ما يجعل الحوثيين خطيرين على وجه الخصوص حقيقة أن خطابهم ليس مجرد تهديدات جوفاء، بل أنهم غالبا يفعلون ما يهددون به. ولأن الحوثيين يزدهرون فقط في خضم الصراعات والعنف، تستثمر الجماعة في تطوير قدراتهم العسكرية حيث يمتلكون حاليا أسلحة بالستية، ومتفجرات، وألغام بحرية، وطائرات بدون طيار مما يمكنهم من استهداف منشآت خارجية، بما في ذلك مصافي النفط في الخليج وخارجه. هذا المزج بين هذه الإمكانيات والأيديولوجيا العنيفة يجعل الحوثيين أحد أخطر التهديدات الأمنية لليمن والمنطقة والمجتمع الدولي.
نحو نهج متعدد الجنسيات لمكافحة الإرهاب
لقد هيمنت الأحادية الأمريكية على النهج الحالي لمكافحة الإرهاب مما يقلص دور الحكومات المتعاونة إلى مجرد منفذ لسياسات وضعت في واشنطن. نتيجة لذلك، لم تُعامَل هذه الحكومات كشركاء على قدم المساواة يضعون بشكل مشترك أجندة لمكافحة الإرهاب في بلدانهم. تقوم الولايات المتحدة بتعريف أساسي لما يشكل التهديد الإرهابي الأكثر إلحاحًا بالنسبة لها وتتجاهل غالبًا الأولويات الأمنية للدولة الشريكة. لقد ظهرت الكثير من العيوب في هذا النهج حيث تنفذ واشنطن كل ما يضمن لها التدمير الكلي للقاعدة رغم أن ذلك يؤدي إلى أضرار جانبية كبيرة بالإضافة إلى دعمها للنخب السياسية الفاسدة وانتهاك السيادة الوطنية. لقد تسببت هذه الممارسات أيضا في تأجيج الغضب الشعبي ومنحت الجماعات الراديكالية مبررًا للتوسع. بالرغم من التحسن الأخير في إقامة شراكات أفضل مع أطراف محلية في عمليات مكافحة الإرهاب، تحتاج هذه الجهود إلى مزيد من التعزيز. إن تمكين أطراف معنية محلية من الاضطلاع بدور نشط في تشكيل أجندة مكافحة الإرهاب وليس مجرد تنفيذ الأولويات الأمريكية أمر ضروري من أجل ضمان أمن أفضل للجميع. بعبارة أخرى، لن تكون مكافحة الإرهاب فعالة بدون وجود مصلحة مشتركة حقيقة بين الولايات المتحدة والقوى الإقليمية (السعودية والإمارات) والسلطات اليمنية والسكان المحليين.
لقد بزغ جنوب اليمن على مدار العقد الماضي كساحة معركة هامة في الحرب ضد الإرهاب، حيث استطاعت القوات الجنوبية تحقيق تقدم ملحوظ في عمليات مكافحة الإرهاب في أبين وشبوة وحضرموت. وعلاوة على ذلك، تمكنت “قوات النخبة الحضرمية” من تحرير المكلا، عاصمة حضرموت، بعد استيلاء القاعدة عليها لفترة وجيزة في بداية الحرب الأهلية. أحدث هذه العمليات هي “سهام الشرق” التي طهرت المعاقل الباقية للقاعدة في ابين عام 2022. في تغريدة على موقع “إكس”(تويتر سابقا)، قال سالم ثابت العولقي المتحدث الرسمي لـ “المجلس الانتقالي الجنوبي” إن التهديدات الإرهابية للقاعدة مساوية للحوثيين. وتابع: “أمن الجنوب واحد لا يتجزأ، ولا يمكن التهاون مع أي تهديدات أو اختراقات حوثية أو إرهابية في أي محافظة من محافظات الجنوب”. لقد تكللت هذه الجهود بالنجاح إلى حد كبير لأنها وضعت في اعتبارها الحاجة المحلية للقضاء على التنظيمات الإرهابية المارقة. اعترفت تقارير الخارجية الأمريكية عن الإرهاب في 2022 بهذه الإنجازات قائلة إن “القوات الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي ما تزال تلعب دورا ملحوظا في جهود مكافحة الإرهاب وتسيطر على أجزاء كبيرة من عدن وأبين”. يقدم هذا النجاح بعض الأدلة المشجعة على أن مواءمة الاحتياجات المحلية مع أهداف مكافحة الإرهاب العالمية يؤدي إلى نتائج أكثر فاعلية.
خاتمة
لنتخيل سيناريو يقوم فيه تنظيم إرهابي بالهيمنة على دولة بالقوة على غرار استيلاء الحوثيين على صنعاء وأجزاء كبيرة من شمال اليمن عام 2014 والبدء في ممارسة انتهاكات ضد مدنيين باستخدام عنف مفرط. كيف كان سيصبح رد فعل العالم لو كان هذا الطرف المحتل هو القاعدة؟ المرجح أن ائتلافًا دوليًا كبيرًا كان سيتشكل على الفور لدحر التنظيم واستعادة الأرض المسلوبة مثلما كان رد الفعل في العراق وسوريا بعد صعود داعش. بينما حاولت المملكة السعودية فعل المثل في اليمن عام 2015، أصيب التحالف فيما بعد بالضعف لأن العديد من الدول نظرت إلى الحوثيين كمنافسين سياسيين أكثر من كونهم إرهابيين. بالرغم من أن أزمة البحر الأحمر المستمرة قد دفعت إلى إعادة النظر في هذا الصدد، ما تزال هناك نقص في الإرادة السياسية القوية للتعامل مع الحوثيين كتهديد إرهابي خطير بالرغم من قدرتهم العملياتية على إحداث الضرر التي تتفوق بفارق شاسع مقارنة بالقاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية العابرة للحدود. وللأسف، لا يضع المجتمع الدولي الحوثيين في نفس مستوى الجماعات الإرهابية الأخرى، وهو ما تجلى في حذف تصنيفهم الإرهابي دون رؤية أي تغيير سلوكي إيجابي.
في النهاية، يجب أن نضع في أذهاننا أن مكافحة الإرهاب ليست مجرد مسألة فنية وحسب لكنها تنفذ في سياق سياسي-اجتماعي إما أن ييسر أو يعرقل فاعليتها. لقد انخرطت اليمن في دوامة صراع عنيفة منذ استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء ومحاولتهم توسيع سيطرتهم في أرجاء البلد. وبالرغم من النوايا الحسنة وجهود إنهاء الصراع سلميًا، لم تنجح أي منها في تعديل سلوكيات الحوثيين. ولذلك، إذا استمر الحوثيون في التصرف كتنظيم إرهابي، من الضروري معاملتهم على هذا المنوال. الإرهاب في جوهره يتعلق بممارسات تهدد أرواح المدنيين وتزعزع الاستقرار. لم يشهد تاريخ اليمن الحديث مثل هذا الصراع الحالي الطويل والمدمر والذي يرتبط دافعه بشكل كبير بسعي الحوثيين للسلطة وعدم اكتراثهم بأرواح المدنيين وأمنهم ومعيشتهم. ينبغي على المجتمع الدولي الاعتراف بحجم هذا التهديد ومواءمة إستراتيجيته وفقا لذلك. لهذا، يجب أن تضع جهود مكافحة إرهاب في أولويتها بالشكل الملائم تكريس أكبر قدر من الموارد والجهود لمواجهة أخطر التهديدات أولًا. اقتصار عمليات مكافحة الإرهاب على محاربة تنظيم القاعدة مع تجاهل الخطر الحوثي أشبه بمعالجة مرض ثانوي مع السماح بداء أكثر خطورة على التوغل دون مقاومة. south24