منذ ظهور حركة الحوثيين في اليمن للمرة الأولى في تسعينيات القرن المنصرم، مرت بتحول جذري من مجرد كيان سياسي معارض صغير إلى جماعة معروفة عالميًا مصنفة إرهابية ضالعة في صراع مع أعداء متعددين، على المستويين الداخلي والخارجي.
ويُقدر قوام [مليشيا الحوثيين] بنحو 150 ألف مقاتل يسيطرون على نسبة تتراوح بين 70-80% من سكان اليمن، ويمتلكون ترسانة كبيرة من صواريخ وطائرات مسيرة وأسلحة ثقيلة متنوعة. على مدار العام المنصرم، تحول الحوثيون إلى لاعب إقليمي معروف عالميا بسبب هجماتهم المدانة دوليًا على الملاحة البحرية وتبادل إطلاق الصواريخ المستمر مع إسرائيل تحت ذريعة التضامن مع الفلسطينيين. ولكن كيف ينظر العالم بالتحديد إلى الحوثيين؟ وهل تضامنهم مع الفلسطينيين شرعي أم مجرد لعبة قوة؟ في هذا التحليل، سوف نناقش كيف تغيرت وجهات النظر الغربية تجاه الحوثيين على مدار العام الماضي، وأهداف الجماعة المسلحة، وماذا تشي تحركاتهم على المسرح العالمي.
كيف استطاع الحوثيون حشد كل هذه القوة؟
في محاولة لسبر أغوار الكيفية التي استطاع الحوثيون الوصول إلى ما هم عليه الآن، من المهم تغطية بعض الخلفيات المتعلقة بهم.
بعد تأسيس الحوثيين عام 1992 على يد الزعيم الديني الزيدي حسين الحوثي، بدأوا في حشد أتباع لهم من خلال معارضتهم للرئيس اليمني آنذاك علي عبد الله صالح، واستعانوا كذلك بمحاضرات زعيمهم المناهضة للامساواة الاقتصادية والفساد. تزايدت درجة تطرف الحوثيين في أوائل الألفية الثالثة، لا سيما في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وهجمات الطائرات المسيرة الأمريكية في 2002 و2003. واتخذ الحوثيون حزب الله مصدر إلهام بالنسبة لهم وأعادوا تسمية أنفسهم تحت مسمى “أنصار الله”، وتبنوا شعار “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود”.
وأطلق الحوثيون تمردهم المسلح الأول عام 2004 في صراع استمر ستة أعوام. وبعد ذلك، استغلوا ثورات الربيع العربي عام 2011 لتوسيع نطاق نفوذهم ثم الاستيلاء على العاصمة صنعاء عام 2014 مما أشعل حربًا عام 2015 ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا. قام تحالف تقوده السعودية ويسلحه الغرب بالتدخل عسكريًا في اليمن وشنَّ ما يزيد عن 25000 غارة جوية على مدار 7 أعوام تسببت في مقتل 15 ألف مدني على الأقل في صراع أودى حتى الآن بـ 377 ألف يمني ماتوا لأسباب مباشرة أو غير مباشرة.
إبان ذلك، بدأ الإعلام الغربي ومنظمات حقوق الإنسان في تسليط الضوء على الأزمة الإنسانية التي يئن منها اليمن، وتصوير الحوثيين بشكل غير مباشر كضحايا لعمليات القصف التي ينفذها التحالف، بينما اتُهمت إيران بتسليح الجماعة. خلال الأعوام من 2016-2021، تنامت الدعوات لإنهاء مبيعات الأسلحة إلى المملكة السعودية مما أدى إلى تعليق مؤقت لها من الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما ثم الرئيس الحالي جو بايدن مما أدى إلى تقويض جهود التحالف لمحاربة الحوثيين. [1]
وفي خضم جدل داخلي بين السياسيين الغربيين حول كيفية التعامل مع الحوثيين والحد في ذات الوقت من الانتهاكات السعودية لحقوق الإنسان، قام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في يناير 2021 في آخر أيامه بالسلطة بتصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية. بيد أن هذا التصنيف سرعان ما تم إلغاؤه في فبراير من خلال إدارة بايدن بعد وقت وجيز من توليه سدة الحكم. واستند قرار الإلغاء إلى الرغبة في تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن. وبحلول أبريل 2022، تم التوصل إلى هدنة برعاية الأمم المتحدة سمحت للحوثيين بتعزيز قوتهم وتجنيد وتدريب المزيد من المقاتلين ومد نطاق سيطرتهم.
وكان بإمكان الحوثيين استغلال إلغاء تصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية وهدنة 2022 كفرصة لتطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي وشرعنة أنفسهم، بيد أنهم، مثلما شهد العالم على مدار العام الأخير، آثروا خيار الصراع. إن السلام النسبي الذي استفاد منه الحوثيون في أعقاب الهدنة ربما كان أحد الأسباب الرئيسية لقدرتهم على مد نطاق [تهديداتهم] للمستويات التي نشاهدها اليوم.
شرارة تشعل نارًا في الشرق الأوسط
الآن، بات معظم العالم على دراية بأحداث 7 أكتوبر 2023 حينما شنت حركة حماس الفلسطينية المدعومة من إيران هجوما داخل إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة، مما أدى إلى مقتل 1200 شخص بالإضافة إلى احتجاز 240 رهينة. في ذلك اليوم، أعلنت تل أبيب الحرب على غزة، هذا القطاع الصغير الذي تحكمه حماس والذي ظل تحت درجات متنوعة من الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، وتحت وطأة حصار عسكري منذ 2007.
في الثامن من أكتوبر، بدأت جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة إطلاق صواريخ عبر الحدود الإسرائيلية بداعي التضامن مع الفلسطينيين. في 14 أكتوبر، وفي إطار تحالف جماعات مسلحة تدعمه إيران تحت مسمى “محور المقاومة”، أعلن الحوثيون تأييدهم لهجوم السابع من أكتوبر، وهددوا بشن صواريخ على تل أبيب. في 19 أكتوبر، نفذوا بالفعل تهديدهم وأطلقوا صواريخ وطائرات مسيرة على إسرائيل.
وقوبل تصعيد الحوثيين المستمر منذ تلك اللحظة باعتراف عالمي يمثل مزيجًا من الإدانة الدولية والغضب الغربي من ناحية والدعم الشعبي من ناحية أخرى.
تصعيد الحوثيين والصعود إلى الشهرة
بينما كانت أنظار العالم متجهة بالفعل صوب الشرق الأوسط في أعقاب السابع من أكتوبر، كان الحوثيون في وضع جيد لاستغلال تعاطف العالم مع الفلسطينيين وإبراز أنفسهم في صورة “المدافعين عن فلسطين”. قبل هذا الشهر، لم يكن معظم العالم يعرف شيئا البتة عن تلك الجماعة اليمنية.
في 31 أكتوبر، أطلق الحوثيون صواريخ باليستية على إسرائيل، وتعهدوا بمواصلة ذلك حتى “يتوقف العدوان الإسرائيلي”، وبدأوا في جذب انتباه العالم. وفي ذلك الأسبوع، ارتفعت عمليات البحث على منصة “جوجل” عن “الحوثيين” و”من هم الحوثيون” إلى أعلى مستوى لها منذ اشتعال الحرب الأهلية في اليمن. وقبل أكتوبر، كانت عمليات البحث الشهرية عن “الحوثيين تتراوح بين 10000-100000 في أرجاء الدول الغربية، لكنها زادت الآن إلى عشرة أضعاف ذلك المعدل.
شكل 1: عمليات البحث عن “الحوثيين” منذ 8 أكتوبر 2023 ترتفع بشكل حاد في 11 يناير 2024.
وبعد إطلاق عشرات القذائف، قام الحوثيون بتصعيد هجماتهم في 19 نوفمبر عندما اختطفوا سفينة الشحن “جالاكسي ليدر” في البحر الأحمر متهمين إياها بأنها مملوكة لإسرائيل. وشن الحوثيون خلال الأسابيع التالية هجمات عديدة على سفن عسكرية تجارية. ولذلك، أعلنت الولايات المتحدة عن “عملية حارس الازدهار” في 18 ديسمبر لحماية الملاحة الدولية. في اليوم التالي، أدان بيان مشترك أصدرته 44 دولة ما وصفه بالعدوان الحوثي. لقد جذبت مليشيا الحوثيين انتباه حكومات العالم، وتردد اسمهما في كافة الأخبار ومحركات البحث بمعدل بلغ ضعفي الذروة القياسية عام 2015.
شكل 2: عمليات البحث عن “الحوثيين منذ 2015 حتى فبراير 2024
في 3 يناير هذا العام، أصدرت الولايات المتحدة و13 دول أخرى تحذيرًا أخيرًا للحوثيين باتخاذ إجراءات عسكرية. بيد أن الحوثيين ضربوا عرض الحائط بهذه التهديدات حيث نفذوا المزيد من الهجمات. في 11 يناير، بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا، بدعم من بلدان أخرى، “عملية بوسيدون آرتشر” حيث شنوا غارات استهدفت في يومها الأول 60 موقعًا عسكريا تابعا للحوثيين.
وأعادت الولايات المتحدة تصنيف الحوثيين كـ “جماعة إرهابية مدرجة بشكل خاص” في 17 يناير 2024. وفي ذات الشهر، تضاعفت عمليات البحث عن “الحوثيين” 11 مرة مقارنة عما كانت عليه في بداية الحرب الأهلية. وبات المصطلح يجذب شهريُا عمليات بحث تتراوح بين 1-10 ملايين بزيادة نسبتها 9900% على أساس سنوي. وأصبح الحوثيون اسما مألوفا كعدو رسمي للحكومات الغربية يعرفه الملايين في أرجاء العالم.
ووفقًا لزعيمهم عبد الملك الحوثي، هاجم الحوثيون 193 سفينة إسرائيلية وبريطانية وأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر المتوسط والمحيط الهندي حتى السابع من أكتوبر هذا العام. وفي ذات الأثناء، شنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة 774 ضربة على اليمن حسب تصريحات الحوثي حيث تزايدت شهرة الجماعة المدعومة من إيران مع تصاعد هذه الهجمات.
إستراتيجية التواصل الاجتماعي للحوثيين
لا شك أن الحكومات الغربية تنظر إلى الحوثيين بشكل سلبي بعد تصنيفهم الإرهابي. وسائل الإعلام الغربية المعروفة غالبا ما تصف الحوثيين بـ “الإرهابيين” بالرغم من أن بعضها انتقد التصنيف والضربات الجوية. وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي في بعض الدول الغربية دعما لتصعيد الحوثيين.
في يناير الماضي، كان المؤثر اليمني راشد الحداد، 19 عامًا، المعروف بكنية “الحوثي الوسيم” و”القرصان” أحد أوائل المروجين لأغرب القضايا الحوثية ربما. اشتهر الحداد بفيديوهاته واسعة الانتشار الداعمة لفلسطين، وتضمنت بعضها مشاهد من حياة “القرصان” على متن السفينة المختطفة “جالاكسي ليدر”. وأثارت تلك المقاطع اهتماما كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي وفقا لموقع فرانس24″. ورغم كونها حادثة فردية، لكنه المثال الأول على جمهور غربي يفتنه ويثير إعجابه شخص ما ينتمي لجماعة مصنفة كـ “إرهابية”. كما يشير ذلك إلى الانفصال المحتمل بين الرأي الشعبي والمواقف الرسمية للدول.
وفي ذات الأثناء، فقد تم اُستخدام وسم “#الحوثيون” في عشرات الآلاف من التدوينات على “إنستجرام” و”تيك توك”، بينما جذب حساب المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، باللغة الإنجليزية 42 ألف متابع عبر منصة “إكس”(تويتر سابقًا). بتتبع أنشطة سريع العلنية على منصة “إكس”، نجد أنه نشر للمرة الأولى خلال سبعة أشهر تدوينة باللغة الإنجليزية معلنا الدعم الحوثي للفلسطينيين. لقد استمر المتحدث العسكري للحوثيين منذ ذلك الحين في نشر تدوينات عديدة في الأسبوع معظمها باللغة الإنجليزية في ظل تنامي وتيرة تفاعل المستخدمين تجاهها بشكل مطرد.
الشكل 3: يحيى سريع لم ينشر أي تدوينة لمدة 7 شهور قبل الإعلان عن دعم فلسطين
لقد استطاع الحوثيون التأثير على مواقع التواصل الاجتماعي مع اتساع رقعة حضورهم على الإنترنت بجانب التغطية الإعلامية التي تحظى بها هجماتهم. ونقلت مجلة “فورين بوليسي” عن فهمي الباحث، رئيس “جمعية الإنترنت اليمني” قوله إن “رسالة الحوثيين عبر الإنترنت يتم إنتاجها وتنفيذها بشكل يتسم بالجودة العالية”. وتابع: “إنهم يستخدمونها لتصوير هجماتهم على أنها مصدر فخر السكان العرب. لقد قاموا خلال العام الأخير بتعزيز محتواهم باللغة الإنجليزية بهدف توسيع نطاق جاذبيتهم العالمية وزيادة شهرتهم”.
في وقت سابق هذا العام، كتبت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: “بات العديد من الأشخاص الذين يملكون الكثير من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي تواقين إلى مشاركة الرسائل الموالية للحوثيين”، مما يؤكد أن الجماعة اليمنية تعتبر حربها المعلوماتية في مثل أهمية حربهم العسكرية. وذكرت مجلة “فوربس” أن “حملة التضليل المعلوماتي للحوثيين ما تزال تحظى بزخم على مواقع التواصل الاجتماعي”. ونقلت عن الخبيرة الجيوسياسية إرينا سوكرمان قولها: “جهاز الدعاية الحوثي متعدد اللغات المنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي يملك ميزة ملحوظة تتمثل في فهم العقلية الشعبية الغربية. في الوقت الذي يتحدى فيه الحوثيون إسرائيل والولايات المتحدة “عسكريًا، يقاتلون أيضا من أجل الفوز بقلوب وعقول شعوب العالم، ولكن هل ينجحون في مأربهم؟”
هل يفوز الحوثيون بالحرب الإعلامية؟
لقد أصبح الحوثيون قادرون على نشر سرد معاكس لما دأبت عليه وسائل الإعلام الغربية فيما يتعلق بالجماعات الإرهابية من خلال الارتباط النشط بمواقع التواصل الاجتماعي. يصور الحوثيون أنفسهم باعتبارهم صوت الحق في سياق الحرب الإسرائيلية.
وبشكل كبير، تُعزى هذه الكفاءة الإعلامية التي استطاع الحوثيون تطويرها إلى “التدريب والتنسيق مع منصات إعلامية تابعة لحزب الله مثل [تلفزيون] المنار، بالإضافة إلى محترفي إعلام ينتمون لما يطلق عليه محور المقاومة”. وقال “المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية”: “يبدو الإنتاج الإعلامي للحوثيين وكأنه انعكاس لنفس أسلوب وسرد الجماعات الأخرى المدعومة من إيران أمثال حزب الله وحماس التي تستخدم أيضا الدفاع عن الفلسطينيين لتبرير أفعالها. وعلى غرار جماعات محور المقاومة، يبدو أن هذا الأمر قد أثبت جدواه بالنسبة للحوثيين…”
وبعد عام من حرب إسرائيل على غزة، قُتل 42126 شخص وأصيب 98000 بالقطاع الفلسطيني. يأتي هذا بالرغم من أن رسالة حديثة إلى إدارة بايدن انتشرت على نطاق واسع ممهورة بتوقيع 99 طبيبًا أمريكيًا تشير إلى أن عدد القتلى بلغ 118908. وفي ذروة ممارسات ما يطلق عليه الكثيرون “إبادة جماعية”، تقوم إسرائيل حاليًا بقصف لبنان في سياق حربها على حزب الله التي قتلت آلاف اللبنانيين بالإضافة إلى 751 في الضفة الغربية المحتلة.
وبينما توسع إسرائيل نطاق حروبها، تشهد شعبيتها في أرجاء العالم انخفاضًا شديدًا. في يناير الماضي، قالت مجلة تايم الأمريكية إن تأييد إسرائيل تراجع في 42 من إجمالي 43 دولة بمتوسط 18.5% في نسبة تواصل انحدارها منذ ذلك الحين. لقد شهدت مدن العالم أكبر حركة احتجاجية في التاريخ للمطالبة بوضع نهاية للحرب الإسرائيلية. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن 61% من الأمريكيين يطالبون الولايات المتحدة التوقف عن تسليح إسرائيل. وقال 60% من- البريطانيين المشاركين إن إسرائيل “جاوزت المدى”.
وعلى ما يبدو، فإن إسرائيل “تخسر حرب العلاقات العامة” وفقا لموقع “تايمز أوف إسرائيل” ومرشح الرئاسة الأمريكي دونالد ترامب. وبينما تتنامى المشاعر المعادية لإسرائيل، تتزايد نسبة تأييد أعدائها بغير قصد. وكما تقول الحكمة الشهيرة “عدو عدوي صديقي”، كلما تناقصت شعبية إسرائيل، وبالتبعية مؤيديها الغربيين، كلما أصبح الناس أكثر ميلُا للتعاطف مع خصومها”.
وكشف استطلاع رأي أن 96% من السعوديين يرون ضرورة قيام الدول العربية بقطع كافة علاقاتها مع إسرائيل. بالمقابل، ارتفعت المشاعر الإيجابية في صفوف السعوديين تجاه حماس خلال الشهور من أغسطس إلى ديسمبر العام الماضي من 10% إلى 40%. وعلاوة على ذلك، يرى أكثر من 90% من المصريين أن حماس “لم تقتل مدنيين في 7 أكتوبر 2023″، وهو نفس نتيجة الاستطلاع في المملكة السعودية. شعبية حماس التي شهدت زيادة على مدار العام الفائت تعزز بالتأكيد النظرة الإيجابية صوب هؤلاء الذين يقاتلون بجانبها ضد عدو مشترك.
وقامت وسائل إعلام غربية بتغطية كبيرة لمسألة النظرة الإيجابية المتزايدة للحوثيين. من جانبه، قال موقع “فوكس” الإخباري ذو التوجه اليساري: “لقد ضرب الحوثيون قلب الرأسمالية العالمية أثناء مقاومتهم الجيوش الأقوى في العالم”. ووصف الحوثيين بأنهم “جماعة كان القليل فقط خارج الشرق الأوسط يعيرها الكثير من الاهتمام قبل شهور قليلة مضت. لقد حقق الحوثيون مكانة عالمية عبر هذه الهجمات”.
وفي وقت سابق هذا العام، قالت “النيويوركر” إن “الضربات الأمريكية والبريطانية على الحوثيين يبدو أنها أججت المعارضة تجاه السياسة الخارجية للولايات المتحدة في أرجاء الشرق الأوسط واليمن حيث يثير قصف غزة غضب الكثيرين، وبالتالي يدعمون ممارسات الحوثيين”.
ونقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية عن رجل أردني يعيش هناك قوله: “هناك تصور إيجابي تمامًا عن الحوثيين بين كافة أصدقائي. لا أحد لديه أي نقد تجاههم حاليا”. وفي ذات السياق، نقلت ذات الصحيفة عن طالب فلسطيني يعيش في القدس لم يكن يعرف شيئا عن الحوثيين قبل ضربات البحر الأحمر قوله”: “اليمن هو داعمي الوحيد. للمرة الأولى، أشعر أن هناك من يدعمنا بالفعل وليس مجرد كلمات”.
هل قضية الحوثيين شرعية؟
بينما قد يرى [البعض] في أرجاء العالم الحوثيين باعتبارهم مدافعين عن الفلسطينيين المحاصرين، فإن هناك البعض ممن هم أكثر دراية بالجماعة وطريقة حكمها يزعمون أن هذا التضامن ليس إلا مجرد دعاية.
إبراهيم جلال، الباحث اليمني في ‘معهد الشرق الأوسط”، يرى أن الحوثيين “حاذقون” في الدعاية منذ أمد طويل، وأن تضامنهم مع الفلسطينيين “ليس استثناء”. واعترف جلال بنجاحهم في هذا الصدد واصفًا إياهم “باللاعبين المخربين أصحاب الشعبية الكبيرة” حيث يضعون أنفسهم في موقف النقيض من البلدان العربية التي اختارت الدبلوماسية بدلا من القوة العسكرية.
يدعم هذا الرأي ستاسي فيلبريك ياداف، الأستاذة المساعدة في العلاقات الخارجية في “كلية هوبارت ووليام سميث” حيث تصف التضامن الحوثي مع فلسطين وهجماتهم في البحر الأحمر كجزء من جهود التموقع في موقف النقيض مع الخطوات الأخيرة التي اتخذتها جاراتهم دول الخليج نحو التطبيع مع إسرائيل، بالإضافة إلى تقديم عرض يجذبون به الجماهير المحلية والإقليمية.
ووصف أليسون مينور في مقال كتبه بموقع معهد بروكينجز دوافع الحوثيين وراء هجماتهم بالثلاثية حيث تتضمن تكريس مبدأ معاداة الولايات المتحدة وإسرائيل الذي ينص عليه شعارهم، وتأكيد وجودهم كلاعب إقليمي، وحشد دعم محلي داخل اليمن.
تتماشى الدوافع التي اقترحها مينور مع نتائج ممارسات الحوثيين. لقد أدى الاعتراف الدولي بهم والدعم الذي يحظون به إلى تحويل الحوثيين إلى لاعب إقليمي يشكل تهديدا كافيا لتبرير عمل عسكري من المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وإسرائيل. فيما يتعلق بحشد الدعم الداخلي، فقد استطاع الحوثيون تجنيد أعداد قياسية من المقاتلين منذ العام الماضي وفقا لشبكة الجزيرة القطرية.
وفيما يتعلق بتعزيز المبدأ الأساسي لشعار الحوثيين، ربما لا يوجد أسلوبًا أكثر جدوى أمامهم لاحترام شعار “الموت لإسرائيل، الموت لأمريكا” من الضلوع من هجمات على مدن إسرائيلية وسفن أمريكية. ومع الأخذ في الاعتبار أن الهدف الأساسي لمحور المقاومة الإيراني يتمثل في محو النفوذ الأمريكي والإسرائيلي من المنطقة، فإن مهاجمة إسرائيل من كافة الأنحاء تمثل طريقة فعالة للشروع في تحقيق ذلك المأرب.
ورغم ذلك، فإن الحجة الأفضل ضد شرعية الحوثيين كمدافعين عن فلسطين ربما تتمثل في سجلهم المتعلق بحقوق الإنسان في اليمن. وأشار تقرير “حقوق الإنسان في اليمن” أصدرته الأمم المتحدة عام 2022 أن الحوثيين فرضوا قيودا شديدة على حرية التعبير والتجمع والحركة بالإضافة إلى الضلوع في ممارسات غير مشروعة تتضمن الاعتقال والتعذيب والعنف القائم على النوع والاضطهاد الديني ضد بني جلدتهم. ووفقا لنيكو جافارنيا، باحثة شؤون اليمن بمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، فقد تزايدت تلك الممارسات سوءا أثناء هجمات الحوثيين البحرية. وأضافت: “ارتفاع التأييد العالمي للحوثيين يمنحهم غطاء لارتكاب المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان ضد شعبهم”.
لا يقتصر الأمر على ذلك، إذ يقوم الحوثيون بتجنيد جماعي للأطفال “تحت ذريعة دعم غزة” من خلال استغلال خلفياتهم التعليمية والاقتصادية الفقيرة وهشاشتهم وتهميشهم الاجتماعي، وفقا لتحالف ميثاق “العدالة من أجل اليمن”، في انتهاك جسيم للقانونين اليمني والدولي.
وبينما يقف معظم العالم عاجزًا عن وقف الهجوم الإسرائيلي المدعوم بالقوة العسكرية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تضع جماعات أمثال الحوثيين وحزب الله وحماس أنفسها في وضع المقاتلين المدافعين عن حرية المضطهدين يحاربون “القوى الإمبريالية” على حد وصفهم. وفي ظل الإفلات من المساءلة على الممارسات التي ترتكبها إسرائيل، ربما يتغاضى الناس عن التاريخ المتأزم لتلك الجماعات ويركزون فحسب على مقاومة الأفعال الإسرائيلية التي تمر بلا حساب.
ثمة سؤال كبير يطرح نفسه: ما الذي يمكن أن يفعله الحوثيون بسمعتهم الجديدة والقوة؟
مستقبل الحوثيين: عواقب إقليمية وعالمية
إن الصعود السريع للحوثيين وموقفهم العدائي ضد إسرائيل والمصالح الغربية قد يشير إلى فصل جديد في ديناميكيات القوة دائمة التحول بالشرق الأوسط. ومع الصواريخ التي أطلقتها إيران مؤخرًا على إسرائيل، باتت محاذاة الحوثيين لـ محور المقاومة” وإستراتيجيته الإقليمية أكثر وضوحا. إنها ليست حادثة معزولة لكنها جزء من تغير عالمي أوسع. وفقا لتقرير أصدرته شركة الاستخبارات الجيوسياسية “دراجون فلاي إنتيليجينس” في ديسمبر 2023، فإن المشاعر المعادية للغرب، وتحديدا ضد الولايات المتحدة، تتفشى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتتزايد في النمو بسبب الدعم الغربي غير المشروط لإسرائيل.
ربما تعكس علاقة إيران بالحوثيين طموحاتها الأوسع لإعادة تشكيل القوة الإقليمية. خلال حرب أوكرانيا، توطدت العلاقات بشكل متزايد بين طهران وموسكو. في أواخر ديسمبر، توسطت إيران لدى روسيا لإمداد الحوثيين بصواريخ روسية متطورة. ويرى “معهد واشنطن” أن الحوثيين “ربما يستغلون الفرص الجديدة للتعاون مع لاعبين آخرين بمحور المقاومة في العراق وكذلك مع روسيا، مع تقديم محتمل لليمن كمنصة يمكن لإيران من خلالها نشر أسلحة متطورة ضد إسرائيل والغرب دون إثارة أي رد فعل انتقامي مباشر”.
وبينما تقدم الولايات المتحدة دعما عسكريا وماليًا غير مشروط لإسرائيل، قد يشير الدعم الروسي للحوثيين وإيران إلى تحول جيوسياسي أوسع يلعب فيه الحوثيون دورا أكبر في مكافحة النفوذ الغربي بالمنطقة. ومع خفوت النفوذ الأمريكي، قد تتموقع موسكو كثقل موازن وتعمق من ضلوعها في ديناميكيات القوة المتطورة بالمنطقة.
في الوقت الذي يشهد العالم على ما يبدو حالة استقطاب بين تكتلات مؤيدة وأخرى مناهضة للغرب، ربما يشير بروز الحوثيين إلى إعادة توجيه أكبر للقوة. وسواء ظل الحوثيون ذراعًا في إستراتيجية إيران أو استغلوا الاعتراف الجديد بهم من أجل لعب دور أكثر استقلالية، قد تؤدي ممارساتهم المستقبلية إلى إعادة تشكيل ديناميكيات المنطقة واختبار العزيمة الغربية. ويتشابك صعود الحوثيين مع طموحات إيران وربما مع الانتهازية الروسية. ومع الموجة المتنامية من المشاعر المناهضة للغرب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن كيفية رد الفعل الغربي قد تحدد جيوسياسيات المنطقة في السنوات المقبلة.
الاستنتاج
يعتبر تحول الحوثيين من فصيل إقليمي إلى جماعة مسلحة معروفة عالميًا انعكاسًا لنجاحهم في استغلال الصراع والإستراتيجية الإعلامية في تضخيم تأثيرهم. بيد أن ذلك لم يأت من فراغ أو بمعزل عن الممارسات الإسرائيلية. كلما توسعت إسرائيل في حربها وزادت حصيلة القتلى في غزة والضفة الغربية المحتلة ولبنان واليمن وربما إيران في ظل انعدام الرغبة في حل دبلوماسي، كلما تحول المزيد من الناس صوب جماعات عنيفة ومتطرفة مثل الحوثيين. إن كل صاروخ يضرب الأراضي الإسرائيلية تقابله إدانة دولية سواء ألحق الأذى بأي شخص أم لا بعكس ردود الفعل على قتل عشرات الآلاف من غير الإسرائيليين في المنطقة والتذرع بأن “إسرائيل تمتلك حق الدفاع عن نفسها” حتى عندما تغزو جيرانها. ويبعث هذا برسالة تدوي عالية في آذان العالم العربي والإسلامي مفادها أن”أرواحكم ليست بذات الأهمية”.
وطالما يُسمح لإسرائيل بمواصلة ممارساتها دون مساءلة، سوف تضحى الجماعات المتطرفة، مثل أعضاء محور المقاومة الذي تقوده إيران، قادرة على التموقع كمدافعين شرعيين مع القدرة على حشد الدعم داخليا، وإقليميًا، وعلى مستوى العالم. يبدو أن إنهاء إسرائيل لحربها هو السبيل الوحيد لتقليص قدرة الحوثيين وحزب الله على الوقوف كأبطال لمناصرة المضطهدين. خلاف ذلك، يبدو الحوثيون على أتم استعداد للعب دور أكبر في المشهد الجيوسياسي بالمنطقة، وقد يواصلون مسارهم الحالي واستمرار النمو إلى كيان يشكل تهديدًا أكبر من قدرتهم الراهنة.
ورقة تحليلية للصحفي البريطاني جيسون لاو محرر باللغة الإنجليزية في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، من لندن، المملكة المتحدة. حاصل على درجة البكالوريوس في الإعلام والاتصالات والثقافة وعلم النفس من جامعة كيلي.