أحاول أن أقدم في هذه المقالة المبسطة للقارئ والمتابع الحصيف مجرد رؤية تسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين انخفاض قيمة العملة الأجنبية أمام العملة المحلية وتراجع معدلات التضخم في المناطق المحررة، بما يعزز الاستقرار الاقتصادي ويخفف الأعباء المعيشية، وفي الوقت ذاته، يهدف هذا الانخفاض في سعر العملة إلى انعكاس إيجابي على أسعار المواد المستوردة سواء أكانت غذائية أم استهلاكية أم دوائية أم غبرها، مما يضمن تخفيف المعاناة عن كاهل المواطن الذي بلغت معاناته حدود المجاعة من دون الإضرار بمصالح التجار.
ومن وجهة نظر – لأني لست متخصصًا بالاقتصاد – أن تحقيق التوأمة المناسبة بين تراجع سعر العملة وعدم قبول التجار انخفاض أسعار المواد المستوردة سواء أكانت غذائية أم غيرها يمكن أن يكون على وفق أهداف يمكن إبجازها في:
1. تعزيز التنسيق بين السياسة النقدية والأسعار، بما يضمن انعكاسًا إيجابيًّا من حالة الانخفاض في سعر العملة الأجنبية ويحد من عملية تضخمها، حتى يحقق استقرارًا في القوة الشرائية للمواطن من جهة والعمل على ربط تراجع التضخم بانخفاض أسعار السلع الأساسية بشكل عادل ومنظم ومنسق مع التجار من جهة أخرى.
2. تحفيز المسؤولية الاجتماعية لدى التجار المستوردين من خلال حثهم على مراعاة الظروف الإنسانية والاقتصادية الصعبة، وعدم استغلال التقلبات النقدية لتحقيق أرباح غير عادلة، من جهة وتشجيع المبادرات التجارية التي توازن بين الربح المشروع وتخفيف المعاناة عن الشعب ولو من خلال تشجيع مستوردين جدد تمنح لهم حقوق امتياز مؤمنة وحماية ضامنة من جهة أخرى.
3. ضبط الأسواق من خلال مكاتب الصناعة والتجارة عبر غرفة عمليات وحماية المستهلك وهذا يتطلب تطوير في آليات الرقابة الفعالة لمراقبة الأسعار ومنع الاحتكار أو الاستغلال، مع تعزيز الشفافية في تسعير السلع الأساسية لضمان عدالة التبادل التجاري.
4. دعم الاقتصاد المحلي وتعزيز الإنتاج من خلال تشجيع الإنتاج المحلي للسلع الحيوية لتقليل الاعتماد على الواردات، مما يسهم في استقرار الأسعار من جهة وتوفير بيئة استثمارية آمنة تحفظ حقوق التجار وتدعم استمرارية أعمالهم من دون المساس بمصلحة المجتمع من جهة أخرى.
5. توجيه الخطاب الموجه إلى التجار عبر الخطابات الدينية والإعلامية الهادفة والمؤثرة ومناداتهم بإن مسؤوليتهم اليوم ليست فقط في تدوير رأس المال وتحقيق الربح، بل في أن يكونوا شركاء حقيقيين في تخفيف معاناة الشعب، خاصة في هذه الظروف الاستثنائية. وتكون تلك الدعوات والخطابات المؤثرة أن العدالة لا لا تبنى إلا عبر توازن حقيقي ومسؤول وشرعي وإخلاقي وإنساني بين مصلحتكم كتجار وضرورة إغاثة حياتنا كمواطنين نريد أن نعيش بكرامة مثل أولادكم ولو بالحد الأدنى، وإحاطتهم من أن استقرار الأسواق ورخاء المجتمع هو ضمان لازدهار أعمالهم كتجار على المدى البعيد. وبهذا يعكس هذا الخطاب أن انخفاض العملة الأجنبية وتراجع التضخم فرصةً لتعزيز الثقة بينكم كتجار وبيننا كمستهلكين، ولنكن قدوة في التكافل الاقتصادي والإنساني على حياة يسودها العيش الكريم أمام عدالة كفلتها الشرائع والأديان والمعايير الإنسانية.
ختامًا إن هذه مجرد رؤية تفتح الافاق وتجعل علماء الاقتصاد امام صناعة أسس لاقتصاد متين يقوم على العدالة والشفافية، حيث يعم الاستقرار وتزول معاناة المواطن من دون الإضرار بمقومات التجارة. فبالعمل الجماعي والمسؤولية المشتركة، نصنع واقعًا اقتصاديًّا يُحفظ فيه حق الجميع، ويُبنى فيه العيش الكريم على أسس من الإنصاف والتوازن.