من منا ينسى كيف هاجم البعض ممن ليس لديهم قدرة على التحليل السياسي، الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارته إلى موسكو قبل بضعة أيام والتي تحدث خلالها عن ضرورة تعزيز روسيا لقواعدها العسكرية في سوريا. ولكن يوماً بعد يوم تتكشف حنكة الرئيس الأسد التي ورثها عن والده في القدرة على تحليل مشهد التحولات العالمية والقدرة على أن يكون شريكاً مهماً في هذه التحولات. فبينما تنشغل القوات الأمريكية بتهريب المخدرات في دول الخليج وذلك بارتفاع نسبة اعتقال بعض أفراد القوات الأمريكية بتهم تهريب المخدرات، تقدمت الصين بخطوات ثابتة نحو إيجاد نظام عالمي جديد كانت أولى خطواته، لعبها في الملعب الجيوسياسي الأمريكي ونقصد هنا الشرق الأوسط. منذ الحرب العالمية الثانية اعتبرت الولايات المتحدة منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والسعودية بشكل خاص بُعدها الاستراتيجي الذي يمكنها من تأمين موارد الطاقة ويوفر لها القدرة على أن تكون القوة المهيمنة الوحيدة في هذه المنطقة ولذلك جاء ما يعرف بنظرية “النفط مقابل الحماية” بين المملكة العربية السعودية وبين الولايات المتحدة. بعد عقود من الزمن وبعد تجارب فاشلة في احتلال الدول كالعراق، وأفغانستان وسوريا بدأت الولايات المتحدة تتجه نحو الأفول. ولقد ساهمت الحرب الأوكرانية في تعزيز هذا الأفول خصوصاً من ناحية الخسائر التي تتكبدها الدول الغربية هناك. لقد قرأ الرئيس السوري مشهد التحولات على الساحة الدولية وحلل بعناية ظهور حلف شرقي جديد يضم الصين وروسيا وإيران. هذا الحلف الذي تأتي قوته العسكرية من روسيا وإيران وتأتي قوته الاقتصادية من الصين. إن الدفع بظهور هذا المحور وتعزيز قدراته في منطقة الشرق الأوسط يتطلب تكاتف هذه الدول مع بعضها البعض لتحقيق هدف التنمية الاقتصادية وإقصاء القوى المحتلة وعليه فقد جاءت المصالحة السعودية الإيرانية بوساطة صينية كأولى الجهود لتحقيق هذا الهدف البعيد. وذلك لإن هذه المصالحة تعني بأن السعودية أصبحت على يقين تام بأنّ نظرية النفط مقابل الحماية سقطت في العام 2019 عندما امتنعت حكومة ترامب من الرد على الهجمات القاتلة التي استهدفت عصب الاقتصاد السعودي في شركة أرامكو ولذلك لا بد من التعامل مع القوى الإقليمية والدولية لتجنيب السعودية أي مخاطر مستقبلية. كما شكّلت زيارة الرئيس الصيني شي جينغبي لحظة تاريخية فارقة في المعادلات الدولية إذ تم التوقيع على اتفاقيات تجارية واقتصادية بين البلدين ويتوقع كذلك أن تزود الصين روسيا بأسلحة صينية متطورة لاستخدامها في الحرب. وتنظر الصين إلى حالة الحرب الروسية الأوكرانية كحالة مشابهة لتايوان والصين. على الساحة السورية، فعلى الرغم من استهداف القوات السورية والإيرانية للقوات الأمريكية بشكل منتظم، إلا أن الهجمات الأخيرة التي أسقطت قتلى في صفوف القوات الأمريكية تشكل تغيراً في التعامل السوري مع ملف التواجد الأمريكي في سوريا وضرورة طرد القوات الأمريكية من الأراضي السورية. وهنا جاءت هذه الهجمات المباشرة عبر استخدام طائرات مسيرة إيرانية الصنع متطورة بشكل ملفت للانتباه بحيث لم تستطع الرادارات الأمريكية كشفها، لتقوم باختراق القواعد الأمريكية وتنفذ المهمة. إن طلب الرئيس السوري بشار الأسد بتعزيز التواجد العسكري الروسي على الأراضي السورية ينبع من فهم الرئيس السوري للتحولات القادمة التي ستعقب إخراج القوات الأمريكية من الأراضي السورية هذه التحولات بالطبع تتمحور حول تفعيل الولايات المتحدة لعملائها من الإرهابيين في سوريا لتغطية الفراغ الذي ستتركه قواتها هناك. إن عملية إقصاء الولايات المتحدة من سوريا سيتبعه بالتأكيد إقصاء من العراق وهذا بالطبع يتطلب أن تكون الحكومات العربية يقظة مما يسمى “بداعش” و”القاعدة” اللتان ستعمل الولايات المتحدة على إعادة إحيائهما في سوريا والعراق لعرقلة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. إن التعاون والتنسيق بين الدول الحليفة (روسيا والصين وإيران وسوريا) قد يسهم في إعادة الاستقرار في بلدان شهدت حروب مدمرة عادت بنا إلى 50 عاماً إلى الوراء. البيئة المستقرة توفر الأمن والآمان للمستثمرين الخارجين وإعادة الإعمار والعمل على إعادة بناء أركان الدولة في سوريا والعراق وبقية البلدان التي عاثت الولايات المتحدة فيها فساداً وعلينا ألا ننسى بأن الولايات المتحدة لن تقف موقف المتفرج من صعود التحالف الجديد. كاتبة وباحثة عراقية