يكتبه المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن- هانس غروندبرغ
قبل عام من اليوم، اتفقت الأطراف المتحاربة في اليمن على هدنة استمرت ستة أشهر، وانتهت في أكتوبر الماضي. مثلت الهدنة لحظة من الأمل لكونها انفراجة نادرة في دورة من العنف والتصعيد استمرت دون انقطاع تقريبًا على مدى ثماني سنوات. وبرغم انتهاء مدة الاتفاق، إلا أن الهدنة مازالت قائمة إلى حد كبير، ويستمر تنفيذ الكثير من بنودها حتى اليوم. إلا أن أهم ما بشرت به الهدنة هو تعزيزها لفرصة إطلاق عملية سياسية جامعة تهدف إلى إنهاء النزاع بشكل شامل ومستدام.
اليوم، ومع الزخم الوطني والإقليمي والدولي المتجدد للوصول إلى السلام في اليمن، فإن تحقق هذه الفرصة ممكن. لكن لاتزال هناك مخاطر كبيرة. فالتصعيد العسكري والاقتصادي والخطابي في الأسابيع الأخيرة يذكرنا بهشاشة إنجازات الهدنة إن لم ترتكز على تقدم سياسي نحو حل سلمي للنزاع.
هناك حاجة لحماية مكتسبات الهدنة والبناء عليها وصولًا للمزيد من الإجراءات الإنسانية، ووقف إطلاق للنار على الصعيد الوطني، وتسوية سياسية مستدامة تلبي تطلعات اليمنيين نساءً ورجالًا. ويتطلب ذلك عملية تجمع أصحاب المصلحة اليمنيين معًا لتنفيذ التدابير المتفق عليها، ونزع فتيل التوترات، والتفكير بشكل تشاركي في الأسئلة الرئيسية المتعلقة بالأمن ومؤسسات الحكم وتصميم عملية الانتقال. يجب أن يكون كلا الطرفين على استعداد للجلوس معًا والتحاور بشكل جاد ومسؤول، فهذا الاستعداد هو مقياس مدى التزامهم بشراكة سياسية في المستقبل.
على الرغم من تأثير الهدنة المستمر حتى اليوم، لا يمكن لأي اتفاق مؤقت أن يعالج بشكل مستدام المعاناة التي طال أمدها لجميع اليمنيين
على الرغم من تأثير الهدنة المستمر حتى اليوم، لا يمكن لأي اتفاق مؤقت أن يعالج بشكل مستدام المعاناة التي طال أمدها لجميع اليمنيين. فلن يبدأ التعافي من الخسائر المدمرة التي خلفتها الحرب على حياة النساء والرجال المدنيين إلا بالتوصل إلى حل شامل للنزاع. فالتدابير قصيرة الأجل ضمادات، قد تكون ضرورية أو لازمة في بعض الأحيان، إلا أنها لا تنفي الحاجة إلى معالجة المشاكل الجذرية طويلة الأمد. وفي هذا الوقت الحرج، يجب أن يتضمن أي ترتيب مؤقت أو جزئي جديد التزامًا واضحا من الأطراف بأن يكون خطوة حقيقة على مسار حل سلمي يتوافق عليه اليمنيون واليمنيات من خلال عملية سياسية جامعة.
كل شيء متصل في اليمن. معالجة مسببات معاناة الحياة اليومية مثل أسعار المواد الغذائية ونقص الخدمات الأساسية والبطالة ومشكلات حرية التنقل والأمن ترتبط بالتصدي لقضايا أوسع مثل السياسة النقدية، والحاجة إلى وقف إطلاق للنار ومؤسسات حكم خاضعة للمساءلة، وحقوق الإنسان، والاستقرار العام المطلوب للاستثمارات والتنمية. لا يمكن معالجة الاقتصاد بمعزل عن المسارين السياسي والعسكري والعكس صحيح. خلال العام الماضي، بالإضافة إلى تنفيذ الهدنة والعمل على الحفاظ على مكاسبها وتوسيعها، نشط مكتبي أيضًا في التخطيط والمشاورات المنتظمة في هذه المسارات الثلاثة.
هذا الوقت الحرج، يجب أن يتضمن أي ترتيب مؤقت أو جزئي جديد التزامًا واضحًا من الأطراف بأن يكون خطوة واضحة على مسار حل سلمي يتوافق عليه اليمنيون واليمنيات من خلال عملية سياسية جامعة.
على المسار العسكري والأمني، وكجزء من الهدنة، أنشأ مكتبي لجنة التنسيق العسكري التي تضم ممثلين عن الأطراف. وقد استمر عملنا مع أعضاء اللجنة حتى بعد انتهاء مدة اتفاق الهدنة لدعم جهود الحفاظ على التهدئة في اليمن، ولمساعدة الأطراف على التحضير لوقف إطلاق النار. كما نعمل أيضًا مع خبراء يمنيين وفاعلين في المجال الأمني ومنظمات المجتمع المدني للدفع بنهج أمني جامع وخاضع للمساءلة، وللتخطيط لترتيبات وقف إطلاق للنار مستدامة وقابلة للتطبيق.
على المسار الاقتصادي، يحاور مكتبي الأطراف وممثليهم الفنيين، ويشاور منظمات المجتمع المدني اليمنية، وخبراء مستقلين، ومؤسسات بحثية، والقطاع الخاص اليمني، والمؤسسات المالية الدولية لتطوير حلول ممكنة لضمان الإدارة المسؤولة للموارد والإيرادات اليمنية، ولتطوير خيارات خاصة بتصميم آليات تمكن الأطراف من التحاور مع بعضهم ومع الشركاء الدوليين والإقليميين والخبراء الفنيين اليمنيين لمعالجة الأولويات الاقتصادية قصيرة وطويلة الأجل.
الوصول إلى الحد الأدنى من الثقة الذي تتطلبه المناقشات البناءة أمر شاق وعسير.
سياسيًا، استمر عملي قبل وأثناء وبعد الهدنة مع الأطراف والجهات الفاعلة اليمنية الأخرى، وكذلك الجهات الإقليمية والدولية لبناء توافق حول إطلاق عملية سياسية جامعة.وقد استفاد هذا العمل من المساحة السياسية التي أوجدتها الهدنة ومن الزخم الإقليمي والدولي الجاري. كما استمعت وتحدثت إلى مجموعات متنوعة من النساء والشباب ومنظمات المجتمع المدني اليمنية. يتحدث اليمنيون واليمنيات عن مستقبل بلدهم بشغف وطموح كبير ورؤية مستقبلية واضحة ليمن بلا حرب، مستقر وآمن وعادل ومزدهر. سيحتاج أي حل سياسي مستدام إلى تحقيق هذه الرؤية، وإلى الاستناد إلى أجندة لا يقتصر تحديدها على أطراف النزاع فقط، بل يشارك فيها دائرة أكثر اتساعًا من أصحاب المصلحة اليمنيين وتتصدى لأولويات جميع اليمنيين.
في نهاية المطاف، تحقيق السلام هو مسؤولية الأطراف. فلا يوجد نقص في الأفكار أو التحضير أو الدعم الدولي للمضي قدمًا نحو السلام والتنمية المستدامين في اليمن. لكن الوصول إلى الحد الأدنى من الثقة الذي تتطلبه المناقشات البناءة أمر شاق وعسير، إلا أن فقدانه سهل. إن اللحظات التي تماثل اللحظة الراهنة عادة ما تكون عابرة وهشة. ولذا، فالآن ليس وقتًا للتصعيد والمعادلات الصفرية. أكثر من أي وقت مضى، الآن هو أوان الحوار والتسويات وإظهار القيادة والإرادة الجادة لتحقيق السلام.