صبت بالذهول وأنا أقرأ خبرا عن ساحر ومشعوذ عراقي هو الأشهر في بلاد الرافدين يدعى حامد، والذي أصبح منزله مكانا يؤمّه كبار المسؤولين في البلاد، من سياسيين ووزراء، ومن الراغبين بخوض الإنتخابات النيابية، ويتفاخر هذا الساحر بقدراته الخارقة .
ليست المرّة الأولى التي نسمع فيها عن مثل هؤلاء، حتى أنّ أمثالهم موجودون في قصور الحكّام والزعماء، فالرئيس الأمريكي رونالد ريغان كان يستعين بهم كثيرا، والرئيس السوداني جعفر النميري، والعديد من حكّام إفريقيا وغيرهم من زعماء الدول الأخرى، التي بات حكّامها أسرى لهؤلاء المشعوذين السحرة .
الساحر العراقي المذكور يتفاخر بنبشه للقبور واستخدام مخّ الميت في أعماله، ويشير إلى انّه دائما يستقبل العديد من كبار المسؤولين إلى الحدّ الذي استقبل فيه أكبر مسؤول في البلاد، كما قال، مشددا على أنّ أعماله السحرية تنجح بصورة كبيرة، وكثيرا ما حقق أشخاص النجاح في الإنتخابات البرلمانية لأنه ساعدهم من خلال سحره .
من الواضح أننا كأمّة عربية نعيش في عالم مليء بالسحر وأعمال الشعوذة، وما تمارسه بعض الأنظمة بحقّ شعوبها لا يختلف عن هؤلاء المشعوذين، يحكمون شعوبهم بالطلاسم والكلام غير المفهوم، حتى وصلنا إلى مرحلة بتنا نعتقد بأنّ هؤلاء الحكام منزلون ولا يجوز معارضتهم أبدا، خوفا من انقلاب السحر على الساحر .
يالنا من أمّة غارقة في أتون الجهل والتخلّف، حين نشعر في كثير من الأحيان بأننا مجرّد قطيع خراف في مرعى السلطة السياسية، وما علينا سوى ترديد .. مااااااااااااااع ! حتى أغلبية البرلمانات العربية حين تقوم بالتصويت على قرار أو قانون بالإجماع، يأتي الصوت ؛ إج ماااااااااع !
قصّة الساحر العراقي الذي كشف حقائق مذهلة وبكل وضوح، قد تكون موجودة في معظم الدول العربية، وأبطالها نفر من القيادات والزعامات، التي تؤمن بصورة مجنونة بالسحر والشعوذة، وياليت هؤلاء استعانوا بالمشعوذين لأجل رفاه شعوبهم أو على الأقل استشارتهم فيما يتعلق بإمكانية العمل على تحرير فلسطين .
بالمناسبة ؛ بما أننا أمّة تجرّ الخيبات والفشل ؛ هل يمكن لنا الإستعانة بالسحر والشعوذة بديلا عن الجيوش العربية، والتقدّم لتحرير فلسطين دون أن نخسر جنديّا واحدا ؟ وهل يمكن لهذا السحر واستخدام مخّ الموتى أن يعيد الحقوق لأصحابها، ويصبح نتنياهو وإبن غفير في خبر كان ؟
في عالمنا العربي، وفي ظلّ أنظمة تمارس الدجل والشعوذة، بات كلّ شيء ممكنا، وأعتقد بأنّ العديد من الحكام العرب يراقبون المشعوذ العراقي عن كثب، لعلّهم يستعينون به في قابلات الأيام، والتي ستكون حبلى بمفاجآت كبيرة قد تزلزل الأرض من تحت أقدامهم، وخاصة تلك الدول التي اختارت طريق الإنبطاح والهرولة نحو التطبيع مع كيان الإحتلال الصهيوني .
أشعر بخيبة أمل كبيرة، تجاه هذا الحال الذي وصلنا إليه، والخيبة أكبر حين الحديث عن العراق الشقيق وكيفية تحكّم ساحر بمسؤوليه وقادته، وكأنه أصبح المستشار الأمين المخلص لهم .
رحم الله صدام حسين والقادة العظام في هذه الأمّة من جمال عبد الناصر وصولا لشكري القوتلي وأحمد بن بلا وهواري بومدين، لقد غاب هؤلاء، فغابت معهم الكرامة، واندثر العزّ والعنفوان، وبتنا في عالم تسوده شعوذة وسحر وطلاسم سياسية من نوع آخر، وما زلنا حتى اللحظة نفتح أفواهنا ونقول .. مااااااااااااااااااع !
كاتب فلسطيني