العام الثالث يتدحرج ببطء وألم منذ رحيل رجل النبل والكرم والاخلاق الفاضلة.. في مثل هذا اليوم الرابع عشر من رمضان فاضت إلى بارئها، روح الأخ المناضل علي صالح ناجي.. ثلاث سنوات مضت بلياليها الحالكة، بساعاتها الفارغة المملة الجوفاء، الخالية من جماليات الحياة وروحانية الفضيلة والاخلاق النبيلة.. ثلاث سنوات غاب فيها الصوت الهادىء، واليد السخية الكريمة، غاب الرجل الانسان الذي ظل لعقود يمنح الجميع كل شيء جميل.. أيام غاب فيغه الكثير والكثير من تعاليم ودروس الأخلاق، غابت فيها ابتسامة تكسوها الحنية، غاب فيها صوت شجي صادق يسأل الجميع عن احوالهم، ويحضر لزيارة وتفقد مريض هنا، ويسجل موقف مشرف هناك.. ثلاث سنوات مظلمة عشناها بعد فراق انسان كنا نظنه لا يرحل فجأة لأننا لم نبلغ بعد ما تعلمنا منه وما اراد هو لنا أن نكون، فبلوغ مستواه الأخلاقي يحتاج منا تضحيات وصبر وجهاد النفس واشباء كثيرة يصعب علينا موازاتها.. ثلاث سنوات الأستاذ الفاضل والأب الحنون والأخ العزيز والصديق المخلص، النبيل علي صالح ناجي يرحمه الله ويسكنه فسيح جناته.. بعد أعوام ثلاثة نعود لتكرار هذه الكلمات بنفوس لم يفارقها ألم الرحيل والفراق، لأن انسان مثله لا يكرره الزمن مهما حاولنا اقناع انفسنا بذلك… أبا محمد يرحمه الله، له روح الأنبياء وزهد الأولياء الصالحين، عاش حياة البسطاء، الزهد منهجه في الحياة بجميع التقلبات والمراحل التي عاصرها وعاشها، احب الجميع وعاش يساعد الجميع دونما تعالي او حب ظهور وصفات جميلة كثيرة مثل الكرم وعزة النفس والأخلاق جعلت منه محط احترام الناس ومثل أعلى للآخرين. الفقيد “ابو محمد” مناضل ضحى بوقته وجهده وماله في سبيل الجنوب ، كان يرحمه الله من اوائل المناضلين الذين مهدوا لظهور وانطلاق الحراك السلمي الجنوبي، بل يعد من ابرز منتسبي حركة “موج” اتذكر عند انطلاق نشاطها في الخارج كان الراحل الفقيد علي صالح ناجي ربما الشخص الوحيد الذي قبل ان يفرغ منزل شقيقه ويجعل منه مكتب لاستقبال مراسلات قادة موج وربط الخارج بالداخل في ظل تشديدات امنية واستخباراتية لسلطات صنعاء ومطاردات ومراقبة فرضتها سلطات الاحتلال اليمني على أبناء الجنوب في الداخل. لم ازل اتذكر تلك الأيام في العام ١٩٩٥م حينها كنت ادرس في الجامعة وذهبت للسكن في منزل الفقيد بمعية عدد من الطلاب الذين قدمنا من الريف للدراسة في جامعة عدن، وكان يرحمه الله يعمل ليل نهار فهناك امامه مهام استلام المراسلات التي تصل عبر الفاكس من قيادة موج في الخارج ومن ثم مهمة تصويرها بواسطة آلة التصوير وجمع المراسلات في مظاريف واستعمال طرق متنوعة ومختلفة لنقل تلك المراسلات وايصالها الى المعنين من قادة وأعضاء حركة موج في عدن وبقية المحافظات. كان النشاط الذي يمارسه الراحل انذاك يمثل خطورة كبيرة على حياته وحريته، في ظل المراقبة الأمنية والاستخباراتية لسلطة الاحتلال اليمني في عدن والجنوب بشكل عام، بينما جعل من منزله الكائن في الضالع مقراً لقادة وعناصر حركة تقرير المصير “حتم”، ثم لرجال المقاومة الجنوبية وللحراك الجنوبي، وكان منزله المكان الآمن للأحرار بمن فيهم عناصر حركة حتم الذين اتخذوا منه ملاذاً لهم لعقد الاجتماعات واللقاءات والسكن في أوقات أخرى، وبسبب نشاطه تعرض يرحمه الله للملاحقات والتهديدات من قبل سلطات صنعاء حتى وصل الأمر حد اصدار توجيهات من قبل قائد لواء الحمزة بالضالع المدعو “محمد عبدالله حيدر” بتفجير المنزل لولا احتشاد رجال المقاومة واستعدادهم للمواجهة والدفاع عن المنزل، وطالته المطاردات في عدن فأضطر الى التخفي عن الأنظار لأوقات طويلة.. تم قطع راتبه الوحيد بعد تجميده من العمل في رئاسة الجمهورية ولم يتسلم راتبه الا قبل اشهر، في حين تم حرمانه من كافة الدرجات الوظيفية المستحقة التي منحت لآخرين من زملائه، ضمن الكادر الوظيفي لمكتب رئاسة الجمهورية..
توفاه الأجل فجر يوم الخميس السابع من مايو ٢٠٢٠م، الموافق الـ١٤ من شهر رمضان ، اثر مرض حمى الضنك، ليفارق الحياة تاركاً لنا حزن عميق ومصاب جلل.. رحمك الله ابا محمد، ونسأل الله ان يسكنك فسيح جناته، إنا لله وإنا إليه راجعون.. .. رائد الجحافي