“وأنت وإن أفردت في دار وحشة فإني بدار الإنس في وحشة الفرد “ ابن الرومي
أحقا مر عام على رحيلك يا أبتي .. بلى إنه عام مر على رحيلك على نحو رحيل عمر والحسين وجيفارا وصلحي قرض وغيرهم من الثوار النشاما الذين آثروا الموت كي نحيا، رحلت ومازلت حاضرا في قلوبنا و وجداننا وأكبر صفحة في التاريخ تظل تذكرنا باسمك ، فالفراق الذي تركته في القلوب والأرواح يعيش في ذواكرنا ونبض قلوبنا، سنظل نتذكر بندقيتك الإحدى عشرية ذات اللون الأسود وزهدك وقناعتك وإيثارك ، سنتذكر حتم واللجان الشعبية والحراك والمقاومة والمترس رقم واحد في تبة العرشي ومذكراتك الصادقة وكل شيء انتسبت له خلال مسيرة نضالك الطاهرة النظيفة غير الملوثة بفساد مابعد التحولات التي فتن فيها بعض من برزت أسمائهم وكناهم، الذين إذا مروا اختنقت الشوارع بمواكبهم غرورا وتبخترا، وإذا نزلوا على أرض بسطوا عليها ناسفين كل تاريخهم النضالي والمبادئ والمواثيق التي حلفوا عليها في زمن الثورة .
تركتني أعيش بعدك بين حزن طويل ولا أعرف هل ستكون له نهاية، وفراق قاس مازلت لا أقوى على قسوته، يستبد بهما تعطش لحتلالي كي لا أذوق حرية السعادة أبدا ، فكل الأشياء بعد رحيلكم ليس لها قيمة والتي للأسف لم أعرف قيمتها من قبل ،ولم أدري بوزنك الثقيل وما كان يشكله ذلك الحجم في حياتي إلا بعد ما حدث ، لم يكن بحسباني أبدا أنك كنت ثقاب الضوء الذي قدح في ظلمة قسوة أنار طريقي وحياتي، وهيأ لي كل شيء، وبسط لي كل صعب، ووقف بجانبي في كل المنعطفات والنائبات التي أعاقت تطلعاتي، سأظل أجلد ذاتي الموجوع ماحييت كما لو أني رافضي تراخى عن نصرة المناضل الحسين ابن الزهراء في كربلاء، فلا فرق بينكما فهو انتفض بوجه أباطرة الظلم في ذلك الزمن كما فعلت أنت ضد الطغيان حينما كان مجرد التفكير باستعادة عزة وكرامة الأرض والإنسان في الجنوب المغدور أكبر من الجريمة في قانون الطغاة القادمون من الشمال الذين احتلوا ونهبوا وقتلوا وأسقطوا دولة الجنوب، ولكن الفارق الجوهري صدق حزني عليك وكذب الرافضة .
لن تنطفى شموع حزن قلبي ما حييت ، سأظل أتحسر بندم دائم عن كل لحظة كنت عائشا فينا ولم أقبل قداماك الطاهرتين ذات القدسية الشريفة ، ليتني أدركت كل شيء قبل أن ترحل بعيدا إلى الآخاذ في سموات الله الفسيحة ، وتتركني مذبوحا في حياة الزيف والألم أتجرع أوجاع السنين الفارطة والآتية .
يا من ناضلت في صمت كل سنين عمرك كي تحيي أمة، وتحمل همها وشرفها دون أن تنبس بشفاه أنك فعلت وعملت منة علينا ، أو أنك تحدثت افتخارا بكثر بطولاتك التي خضتها في معارك التصدي والكفاح حين جندلت الأعداء وقدت الشجعان،لا سيما خلال الفترة الممتدة من عام 1998م مرورا بالحراك والتصدي للحوفاشيين وصولا إلى آخر نفس من أنفاسك الوطنية .
كشطت رخام الخجل منذ البداية وانتفضت ماردا عندما كان البعض في غيبوبة الهزيمة وطمع الغنيمة ، تحملت الجوع والفقر والتشريد والبرد لتعيش مطارا في الجبال عندما كان البعض يطوفون حول مدافئ النظام مابين مبخر ومخبر .
حتى وأنت تتجرع آلام الموت الأخيرة وكلنا حولك نسألك ماذا يؤلمك ترد علينا ماذا فعل الرئيس القائد عيدروس في الرياض هل انتصر للقضية وحقق المكاسب السياسية ?، أين مهدي هل عاد? .. هل الجبهة مازلت متماسكة والمقاومون مرابطون?، أسئلة في ظرفية آليمة كتلك لا يطرحها إلا واحدا من المخلصين أمثال الفاروق الذي وضع استراتيجية مؤسسة الرئاسة الديمقراطية التي أتت من بعده في الفترة الوجيزة بين طعنة المجوسي الآثمة وضربة عزرائيل الأخيرة .
أبتاه كل شيء قاسي في ذكراك ، حياتك ونضالك وموتك على عتبة النصر ولم ترى الجنوب الذي ناضلت من أجله كل سنين عمرك ، لقد دفعت للوطن كل شيء دون أن تحصل على شيء ،كغيرك من الشهداء والثوار ، حتى وسام النضال والثورة لم تتسلمه بعد لانه موضوع مؤجل ضمن الأهداف الوطنية المؤجلة ، مت شريفا ولم ترى البعض كيف ملأوا جيوبهم على عجل من خصميات المرابطون في الثغور وحرمان المساكين والضعفاء من الحصول على حقهم ، فباتوا يتطاولون في البنيان سباقا ومنافسة في الدقي وعلى النيل وأماكن متفرقة داخل الوطن وخارجه .