ليست مجرد ذكرى استحضار الحزن وحسب، بل هي استذكار لمعاني الطهر والنقاء، ونكران الذات، وتقديم التضحيات دونما أي طموح في الحصول على مكسب.
عام على رحيلك يا أنقى المناضلين، وأشرف من أوقد جذوة التمرد، ولم يجني سوى سنوات من التشريد، والتهميش.
كنت نحيل الجسد، ضعيف البنية، لكنك كنتَ جبلًا بما يكفي لأن تتحطم أمام إرادتك أعتى أدوات القمع، وتعجز أمام إصرارك شتى أنواع التنكيل والحروب النفسية.
كنتَ طودًا شامخًا بما يكفي لأن تكسر جبروت جيوشهم، وترعب طوابيرهم الخامسة والسادسة وما لا حصر لها من مسميات، لطالما جُندت ضدك وثلة من رفاقك الذين حملوا البندقية في زمن تجريم الكلمة والخوف من مجرد نطقها في أعتى حقبة قمع وأقبح ممارسات.
أبها المحمود الطالب للحق والثابت عليه، المقبل إلى الله بيد نظيفة من أي مال سياسي مدنس، وقلب قل أن نجد مثيل في سماحته.
ما أجمل أن نستحضر في ذكراك معاني الطهر والنقاء الثوري، ونكران الذات، كنت وطنيًا حد أن توصف بأكثر المناضلين تشددًا في مبادئه بلا إفراط ولا تفريط، وكنتَ عظيمًا لأن تتسامح مع كل من أساء إليك، أو من اختلفت معهم حد وصفهم لك ورفاقك بالمخربين، والشرذمة المعكرة لصفو إنجازات هُبل…
كان قلبك كبيرًا بما يوازي عظمة رجل مثلك، كبيرًا كبيرًا إلى حد ألا يوجد في قلبك خصاصة حين يرتقي سلم المناصب رفاق دربك واحدًا واحدًا ومنهم حديثو النضال، وتبقى أنت كما كنت في بداية مشوار عطائك.
لقد كنتَ مراحل عمرية تجسدت في رجل، تحمل قناعة الطفل، وحماسة الشاب، ورجاحة عقل الشيخ.
ما أجملك أيها المحمود وما أنقى مزاياك، لطالما كنتُ أراك كومة براءة على هيئة رجل، كتلة من الشموخ، والعطاء والشجاعة، ومزيج من المرح، والبساطة، والقناعة، والثبات، ونكران الذات.
لم تزايد بنضالك على أحد وأنت الأقدر على ذلك، ولم تكن تحمل ذرة حقد على أحد، رغم كل ما تعرضت له من عداء أو خذلان.
في مثل هذا اليوم، كانت صدمة رحيلك، رحيل أوجعنا جميعًا، ونعاك الجنوب من أقصاه إلى أقصاه، رحلتَ بصمت كما عشت بصمت، بعيدًا عن زحام السباق على المناصب.
في مثل هذا اليوم رحل أبن الثورة النقية، ابن الزهد والكرم، ابن البساطة ونكران الذات، فلروحك العظيمة النقية الشامخة ألف رحمة، ولقلبك الطاهر ألف سلام.