هل إثارة الاختلاف بين الشيعة والسنة في المنطقة له دوافع دينية أم سياسية؟ وما أهمية إثارة الموضوع؟ ثم ما هي المناسبات التي تثور فيها الفتنة؟
ملاحظة التطورات السياسية في المنطقة تُظهر أن فتنة الشيعة والسنة فتنة سياسية ولا علاقة لها بالدين؛ ولكن الجهل العام والاعتماد على مصادر مشبوهة يخلط القضية بالسياسة بشكل مقصود. وتفضيل ذلك أنه من الناحية الدينية لدينا إله واحد ورسول واحد وقرآن واحد وليس في القرآن سنة وشيعة، كما أن الإسلام واحد ولا ذكر فيه للاجتهادات الفقهية التي تم الاستعانة بالشاذ فيها لتشويه وجه الشيعة.
ونشأة الشيعة مرتبطة بالتشيع أي اتباع آل البيت وما دامت عائشة (أم المؤمنين) من آل البيت؛ فإن الهجوم عليها لا يمكن أن يكون أصلًا من أصول المذهب الشيعي.
وقد تُقسم الشيعة إلى شيعة علي بن أبي طالب، وشيعة فاطمة، وشيعة الحسن، وشيعة الحسين. وعمومًا فشيعة آل البيت هو مفهوم أوسع من المعايير المعروفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم “سلمان منا أهل البيت” وسلمان هو سلمان الفارسي الذي ترجع أصوله إلى الفرس بعد دخولهم الإسلام من بعد هزيمة فارس في موقعة القادسية.
وقد عرف التاريخ الإسلامي فترات الفتنة والانحطاط فشاع التكفير المتبادل بين أتباع المذاهب السنية وأتباع المذهب الشيعي وبالغ الغلاة من الجانبين في إنكار الفتنة. ثم إن تسمية السنة خاطئة، لأن الشيعة يحترمون آل البيت وعلى رأسهم رسولنا الكريم وسنته المطهرة، فكيف هذا والشيعة يُجلون كل آل البيت كما يعطون الرسول قدره الذي قدَّره له الله في القرآن الكريم.
فإذا كان مصطلح الشيعة له تاريخ وتطور معروف، فإن وصف السنة غامض. وإذا كانت السنة أي اتباع السنة النبوية المطهرة، فإن الشيعة أسبق في الالتزام لسنة النبي الكريم، ومعنى ذلك أن المصطلح نفسه مشكوك فيه. ويزيد البعض بأن مذهب السنة هو مذهب أهل الجماعة وهم الأغلبية، وعدد الشيعة في العالم لا يتجاوز 5٪ من مُجمل المسلمين البالغ عددهم الآن حوالي 2 مليار نسمة على الخريطة الدينية للعالم.
وبينما إيران هي عاصمة المذهب الشيعي، فلا يقابلها دولة إسلامية عاصمة السنة. وقد حاولت واشنطن أن تنصب السعودية مركزًا عالميا للسنة، بحكم وجود بيت الله الحرام والحرم النبوي في المدينة المنورة؛ ولكن نازعتها دول مثل تركيا ومصر، وهذه المنافسة هي سياسية في الأساس؛ لأن واشنطن تهدف إلى تمزيق المسلمين، وتجميع السنة حتى يحاربوا الشيعة وفق المخطط الغربي ضد الإسلام والمسلمين ولصالح إسرائيل. ولذلك نجد إيران تقود معسكر المقاومة لإسرائيل وتهددها بالزوال؛ لأن إسرائيل هي تجسيد لمشروع صهيوني إجرامي يهدف إلى تفريغ فلسطين من سكانها ليحل محلهم اليهود.
من الناحية الفقهية يعتبر أبو حنيفة الأقرب إلى المزج بين المذهب السني والشيعي. يركز السنة على ضرورة وجود النص الواضح في القرآن والسنة، وسُميت مدرسة النقل. أما المذهب الشيعي فركز على العقل، فقال بأن ما صادق العقل وأيّده النقل هو المنهج الصحيح الجامع. أما التطرف في المذهبين فإنه يحرم الإسلام من طاقة عقلية فذة يمكن أن تدفع بالفقه المستنير إلى آفاق واسعة.
أما من الناحية السياسية فإن المذهب السني ظهر فيه عبر التاريخ ما يُسمى بفقهاء السلطان المنافقين الذين يُمالئون الحاكم على حساب الشريعة طلبا لمكاسب دنيوية. أما في المذهب الشيعي فلا مجال لظهور فقهاء السلطان لأن المذهب يأخذ بولاية الفقيه أي الطبقة السياسية النجباء دينيًا، ثم إن المذهب الشيعي يميل إلى الثورة وطلب العدل على خلاف المذهب السني الذي يميل إلى الوضع الراهن ورفض التغيير.
وعندما كان شاه إيران والسعودية وتركيا في عام 1979 جزءًا من المخطط الأمريكي ضد الاتحاد السوڤيتي لم يُثر أحد موضوع الشيعة، وإيران عرفت وتبنت المذهب الشيعي منذ بداية القرن السابع عشر أي منذ خمسة قرون.
غير أن واشنطن مهدت للفتنة بإشعال الحرب العراقية الإيرانية على هامش أزمة الرهائن الأمريكيين عام 1979، خاصةً وأن السعودية اتهمت إيران بتصعيد الثورة إلى دول الخليج، وبالفعل فإن قيام الثورة الإسلامية في إيران جعل إيران قبلة طائفية وسياسية أيضًا؛ فشعرت الأقليات الشيعية في المنطقة بأن إيران سند لها.
وتم خلال الحرب الطويلة التي امتدت إلى ثماني سنوات لإثارة الفرات الطائفية، وتشويه الفكر الشيعي الديني والسياسي، حتى كانت صورة إيران سلبية للرأي العام. غير أن العامل الحاسم في التصدي لإيران وللشيعة هو نجاح إيران في دعم وإنشاء حزب الله خلال الاحتلال الإسرائيلي لبيروت، ثم فتحت الجبهة السورية فأصبح الصراع الإيراني/ الأمريكي الإسرائيلي متجاوزًا للفوارق بين السنة والشيعة، وأصبح التحالف يتم بين أعضاء المعسكرين.
ولا شك أن الحكومات العربية المتحالفة مع واشنطن وإسرائيل كانت تشوه صورة الثورة الإسلامية في عواصمها. ولذلك عندما زار الرئيس الإيراني “أحمدي نجاد” في عهد الإخوان كانت قد بدأت محاور التضييق على الإخوان، واستُخدمت أدوات كثيرة خاصةً الأزهر الشريف، حيث رفض شيخ الأزهر استقبال أحمدي نجاد على أساس أنه شيعي، وهذا موقف غير ناضج، وزاد على ذلك إصداره بيانًا تضمن ستة شروط سياسية لإعادة العلاقات الدبلوماسية، والأزهر لا علاقة له بالموقف. وأخيرًا.. لا شك أن الشحن السلبي للبسطاء قد تسبب في مآسي كثيرة وهو المسئول عن الجهل.
وفي خلال عام 2012 ظهر ما يُسمى زعيم الشيعة في مصر، فهجم عليه العامة وفتكوا به، وتصادف أنه أصلا من قريتي، وعلمت بعد ذلك أن الناس رفضوا دفنه في مقابرنا بحجة أنه شيوعي، فلم يفرق العامة بين الشيعي والشيوعي.