الحوار قيمة عصرية لا تنتهجه الا القوى الحديثة فكرًا وعقلًا، وتكمن أهميته في إيجاد عملية توافقية بين جميع الأطراف المختلفة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل الإحترابات التي شهدها التاريخ البشري لم تكن بسبب الإختلاف البتة، وإنما بسبب العجز عن الإتفاق وإيجاد حلولّا توافقية سلمية بدلًا عن الحلول العنيفة، يصحبها تنازلات تفضي إلى إيجاد هدف مشترك يعمل الجميع على تحقيقه خدمةً للصالح العام للأمة.
ولا يعني في كل حال من الأحوال أن يكون نجاح الحوار مشروط بضرورة أن تتخلى الأطراف المتحاورة عن مواقفها وقناعاتها السياسية كما يعتقد البعض، بل يأتي بالدرجة الرئيسية لحث هذه الأطراف على إكتشاف مساحات مشتركة فيما بينها، ليتم الإنطلاق منها نحو تحقيق الغايات الوطنية الواسعة.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى ان الحوار الجنوبي الذي دشن انطلاقته اليوم بعدن، لم يأتي الا نتيجة لإيمان مطلق لقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، ممثلة بالرئيس عيدروس الزبيدي، بضرورة إيجاد قاعدة عمل مشتركة تبنى عليها أساسات الوطن الجنوبي الحديث، وفقًا للطموحات والرغبات الشعبية الكبيرة، ومغادرة كل أخطاء الماضي الذي دفع الشعب الجنوبي ثمنًا بالغًا إزاءها.
إن الإخفاق في تأسيس عملية حوارية حقيقية من خلال مؤتمر الحوار الجنوبي القائم حاليًا بعدن، لا يعني إلا التأسيس لمرحلة جديدة من الصراعات الدموية ومصادرة طموحات الشعب الجنوبي في إيجاد وطن قائم على عدالة قضيته، وتسليمه مرة أخرى إلى المجهول.