الصدارة سكاي: قسم الرصد والتحليل
أثار مؤتمر المشاورات الجنوبية، وما لحقه من هيكلة شاملة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الجدل الكبير في أوساط النخب اليمنية، ففي حين لاقت الخطوتين تأييدًا واسع النطاق وغير معهود جنوبًا، انقسمت النخب السياسية في الشمال، بين ملتمس للعذر على اعتبار الوحدة مع الحوثيين غير منطقية، وبين غاضب ومتذمر من دول التحالف العربي لعدم منعها هذه الخطوات.
خرجت المشاورات بوثيقة أجمع عليها المتشاورون، ووقعها رؤساء المكونات المشاركة، سميت ” بميثاق الشرف الجنوبي ” والتي اعتبرت بمثابة عناوين عريضة لدستور الدولة الجنوبية المنشودة.
ولحق الأمر مباشرةً إعلان هيكلة المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي اعتبره البعض إعلان ميلاد جديد للمجلس للمجلس، وضم في عضويته شخصيات كانت على خلاف مع المجلس، وأخرى لها وزن إما عسكري، أو سياسي، أو اجتماعي، كبير ويكفي أن عضوين بارزين من مجلس القيادة الرئاسي، وهما اللواء فرج سالمين البحسني، والعميد عبدالرحمن ابو زرعة المحرمي، ليكونا نائبين لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ما يعني أن ممثلوا الجنوب الأربعة في مجلس القيادة الرئاسي صاروا ثلاثة في المجلس الانتقالي الجنوبي، وواحد فقط وهو عبدالله العليمي، من لم ينضم للمجلس بعد.
– فما الذي يعنيه التوقيع على ميثاق الشرف الجنوبي، وإعلان هيكلة المجلس الانتقالي الجنوبي!
مثل إعلان “ميثاق الشرف الجنوبي ” خطوة كبيرة ردمت الهوة بين المكونات المشاركة، وأصبح جميع المشاركين يحتكمون لشيء يوحدهم هذه المرة، حيث بات الجميع ملزمًا العمل بما ورد من مواد في الوثيقة كخارطة طريق موحدة، وضعت في بنودها شكل الدولة، والنظام السياسي، ونضمت العلاقة بين أفراد الشعب، وحددت واجبات وحقوق الجميع.حيث كان أبرز ما ورد فيها ما يلي :
نصت الوثيقة على أن بناء الوطن ونماؤه وأمنه واستقراره ووحدته وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه واجب على كل جنوبي
كما أكدت الوثيقة بأنه لا يحق لأحد أن ينتهك حقوق المواطنة المتساوية لأي مواطن جنوبي أو ينسب له تهمة الخيانة الوطنية أو يمارس عليه الاقصاء والتهميش
ونص أيضًا على احترام الهويات والخصوصيات الثقافية والتاريخية والجغرافية لكل مناطق الجنوب وصيانته
كما نص على أن الدولة الجنوبية اتحادية، فيدرالية، مدنية، ديمقراطية، عربية، إسلامية، مستقلة ذات سيادة
وأيضًا أكد الميثاق بأن النظام السياسي للدولة يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة
ونص الميثاق على القضاء سلطة مستقلة مالياً وإداريًا وأن شعب الجنوب اسم دولته المنشودة
وأشار الميثاق إلى أن الجنوب جزء من الأمة والهوية العربية والإسلامية والانسانية على وفق مبادئ الحرص على تعزيز علاقات التعاون والتعايش السلمي مع جميع شعوب ودول العالم.
وشدد الميثاق على إيجاد شراكة وطنية حقيقية وفاعلة لكل القوى الوطنية في كل محافظة
لحق التوقيع على ذلك الميثاق، إعادة هيكلة المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو القرار الذي طال انتظاره، وهي خطوة بالتأكيد وبإجماع كل المحللين، ستعزز من حضور المجلس تنظيميًا وسياسيًا وعسكريًا.
– تنظيميًا:
يرى محللون أن المجلس الانتقالي الجنوبي، كان يعاني من تضخم إداري بين قيادات لم يعد لها من وجود في المجلس إلا مجرد أسماء فقط، ولم تمارس مهامها لسنين طويلة، كما أن بعض القيادات ضمن الهيكل الإداري في أعلى هرم المجلس، وفي الأمانة العامة، منشغلة بوظائف في الهيكل الوزاري للدولة، ومن الصعب الجمع بين المهامين، لكن الهيكلة أزالت كل ذلك، وجرى إنهاء الازدواج الإداري، واستحداث القيادة التنفيذية العليا للمجلس، والتي شملت وزراء ومحافظي المحافظات الجنوبية وتم استيعابهم في إطارها، وهي هيئة تعادل في مرتبة من يشغلها مرتبة عضو هيئة رئاسة، لكنها غير مكلفة بأعمال يومية أو دورية في الوقت الحالي، كما جرى استحداث الهيئة الاستشارية، وضم بعضًمرحبا من أعضاء هيئة الرئاسة ورؤساء الدوائر والشخصيات الاجتماعية والسياسية إليها كما جرى تغيير العناصر الخاملة في المجلس، والتي عملت على تخفيف التضخم الإداري والقيادي الذي حمله المجلس خلال السبع السنوات من إعلانه، كل ذلك ومعه ضم شخصيات فاعلة ونشطة للهيكل التنظيمي للمجلس سيساهم برأي محللون في تعزيز العمل المؤسسي، والتنظيمي داخل المجلس.
– سياسيًا:
يرى محللون أن المجلس الانتقالي الجنوبي، بهذه الخطوتين قد فرض نفسه كقوة رئيسية يصعب تجاوزها مستقبلًا في أي استحقاقات قادمة، فمع اتساع نفوذ المجلس شرقًا بضمه قيادات بارزة ومن العيار الثقيل تنتمي لمحافظتي حضرموت والمهرة، إضافة إلى تبنيه مع المكونات المشاركة في المشاورات، للنظام الفيدرالي الذي بحترم خصوصية كل محافظة، يكون قد قطع الطريق أمام أصوات تستغل كل مناسبة للإيحاء للعامة بأن المجلس يهدف للسيطرة على هاتين المحافظتين، بإلحاقهما ضمن مشروع المجلس، الذي أُريد له أن يبقى محصورًا في أربع محافظات.
كما أن المجلس الانتقالي الجنوبي، بعد التفاهمات التي أجراها مع مكونات جنوبية، وتم ضم بعضها ضمن تشكيلته التنظيمية، قد قطع الطريق أمام محاولات شق الصف الجنوبي، واعتماد أكثر من ممثل لقضية شعب الجنوب، كما أن وجود شخصيات مؤثرة اجتماعيًا وسياسيًا كراجح باكريت المهري، وعلي ناصر لخشع ابن أبين، الشخصية الوازنة سياسيًا واجتماعيًا في المحافظة سيساهم في الرفع من قدر المجلس وحضوره ليس سياسيًا وحسب وإنما اجتماعيًا وشعبيًا أيضًا.
– عسكريًا:
يرى مراقبون أن وجود شخصية كأبو زرعة المحرمي قائد قوات العمالقة الجنوبية، وهي قوات نظامية لها خبرات قتالية عالية، نظرًا لحجم المعارك التي خاضتها لتحرير الساحل من باب المندب إلى الحديدة، إضافة إلى ما خاضته من معارك لتحرير مديريات بيحان في شبوة، ووجود قائدها في أعلى هرم المجلس كنائب لرئيس المجلس، سيعزز من نفوذ المجلس عسكريًا ويمثل نقلة نوعية في حضوره العسكري، ومستوى أدائه في مجابهة التحديات التي قد تفرزها استحقاقات المرحلة، كما أن وجود شخصية عسكرية بحجم هيثم قاسم وزير الدفاع الأسبق، بما يمثله من شخصية اعتبارية تاريخية، وبوزنه العسكري الذي يمثله حاليًا كونه يقود عدة ألوية عسكرية كان لها دورها الفعال في طرد الحوثيين من الساحل الغربي، جنبًا إلى جنب مع العمالقة الجنوبية سيضيف نفوذًا أكبر للمجلس.
في هذا الشأن تحدث الدكتور سالم الجبواني وهو أحد قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة شبوة “للصدارة سكاي ” بأنه لا شك ان خطوة اعاده هيكلة المجلس سوف تساهم في تعزيز حضور المجلس سياسيا وتنظيميًا سواءً على المستوى المحلي او الخارجي، وسوف تبعث برسالة قوية للعالم أجمع”. ويضيف الجبواني بأن هذه الخطوة حظيت بإجماع جنوبي ولأول مرة في تاريخه منذ الاستقلال”.
وعسكريًا يؤكد الجبواني:” بأن انضمام قائد بحجم قائد قوات العمالقة، ابو زرعة المحرمي، واللواء هيثم قاسم، سوف يعزز من حضور المجلس عسكريًا خصوصاً ان هذه القوات هي الأقوى اليوم على الساحة عددًا وتنظيما وتسليحًا، وهي من تصدت للمشروع الايراني وهزمته الى جانب المقاومة والوحدات العسكرية الجنوبيه الأخرى”.
– ردود أفعال شمالية:
أجمعت معظم النخب الشمالية على اعتبار الخطوتين، تصعيدًا خطيرًا، داعين لإبطال ما سيترتب عليهما، ففي حين اعتبر الحوثيون الخطوتين، انقلابًا على الوحدة وتطورًا خطيرًا “يثير علامات الاستفهام من نوايا باطنية لا تعكس نوايا طيبة تجاه التفاهمات القائمة وتجاه اليمن ووحدته” . اعتبرت قيادات تابعة لحزب الإصلاح، بأن الخطوتين تهددان العملية السياسية في اليمن، وتعدان انقلابًا على إنشاء مجلس القيادة الرئاسي، وإعلان نقل السلطة.
لكن فهد الشرفي، المحسوب على حزب المؤتمر كان له رأيًا مخالفًا حيث اعتبر أنه حتى لو لم يكن هناك من ظلم مورس بحق الجنوبيين، ولم تكن هناك حروب شنت ضدهم، فإن المستجد القائم من خلال وجود وسيطرة وعنصرية ودموية وإرهاب مشروع الحوثي الإيراني الكهنوتي على الشمال، وإنقلابه على الدولة وإسقاطه الجمهورية، وما يمارسه من عملية تجريف طائفي ونهب وفساد وإجرام وإستعباد، وما سالت من دماء جنوبية زكية في كل الجبهات سيكون سببا اكثر من كافي لمشروع جنوبي يسعى لإقامة نظامه الخاص الذي يحميه من هذا الطاعون المتفشي شمالا ولهم كل الحق في ذلك وفقا لكل قواعد الشرع والقانون والعقل والمنطق
كذلك الكاتب المعروف مروان الغفوري المحسوب على حزب الإصلاح، اعتبر البقاء في الوحدة تحت سلطة الحوثيين، أمرًا غير مقبول، مؤكدًا بأن للجنوبيين الحق في الذهاب إلى ما هو أبعد من هذه الخطوات، وإعلان دولتهم على البقاء في الوحدة.
– ردود الأفعال جنوبًا:
جنوبًا انخرطت معظم المكونات الجنوبية التي تعد امتدادًا للحراك السلمي الجنوبي، إلى جانب مكونات وأحزاب أخرى، ومعظمها على خلاف كبير مع المجلس (لأول مرة) في هذه المشاورات والحوار الذي وصف بالجاد، وأسهمت جميعها في بلورة مخرجاته، ما أعطى مشروعية سياسية، وغطاءً واقعيًا لأهمية هذه المخرجات، ورغم أن هناك مكونات جنوبية قاطعت المشاورات، إلا أن الجميع أشاد بالخطوة، حتى المقاطعين أنفسهم، ولاقى المؤتمر تأييدًا واسعًا وإجماعًا منقطع النظير من قبل مكونات وشخصيات جنوبية معروفة بخلافها الدائم مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
خرجت المشاورات بوثيقة أجمع عليها المتشاورون، ووقعها رؤساء المكونات المشاركة، سميت ” بميثاق الشرف الجنوبي ” والتي اعتبرت بمثابة عناوين عريضة لدستور الدولة الجنوبية المنشودة.
-ردود أفعال جنوبية غير مشاركة في المشاورات:
لم يقف التأييد عند مستوى المشاركين في المشاورات من المخالفين للمجلس سابقًا، بل امتد ليشمل قيادات تاريخية وشخصيات كانت محسوبة ضد المجلس
يقول دولة رئيس الوزراء حيدر ابوبكر العطاس، آخر رئيسًا لليمن الجنوبي، وأول رئيس وزراء في دولة الوحدة، في تصريح صحفي له حول مشاورات مؤتمر الحوار الوطني الجنوبي جاء فيه بانه يولي بالغ الأهمية للتحضيرات والحوارات التي انطلقت في عدن للم الشمل الجنوبي لمواجهة مهام المرحلة القادمة، ويعتبرها انطلاقة أساسية للم الشمل الجنوبي بما يجعله قادرا على تحمل مهام المرحلة.
وأضاف البيان، بأن دولته قد تقدم بورقة عمل تم تسليمها لرئيس لجنة الحوار وعدد من المكونات الجنوبية تتضمن عدداً من الأفكار حول الحوار الجنوبي. كما أن مكتب دولته كان على اتصال خلال الأيام المنصرمة مع عدد من قيادات المجلس الانتقالي وقد كان ينوي التواجد في عدن للاشتراك في هذه الانطلاقة التي يعتبرها خطوة أساسية على طريق لم الشمل الجنوبي.
واختتم البيان: بهذه المناسبة، يتمنى دولته للمشاركين في هذا اللقاء كل النجاح والتوفيق لتعزيز وحدة أبناء الجنوب.
بدوره أصدر رئيس اليمن الجنوبي السابق قبل الوحدة علي ناصر محمد، بيانًا أكد فيه مباركته للقاء التشاوري الجنوبي في عدن وما صدر عنه، وأكد أنه مع وحدة الجنوبين دون إقصاءٍ او إستثناءٍ لأحد .
كما أيدت المشاورات قيادات جنوبية محسوبة على حزب الإصلاح لأول مرة، كالوزير نايف البكري الذي أكد مباركته للمشاورات ، وما خرجت به من إجماع.
ومثله فعل القيادي في الحزب صلاح باتيس المعروف بعدائه للمجلس الانتقالي الجنوبي، ولكل الدعوات المطالبة باستعادة الدولة الجنوبية.
-الخلاصة:
ثمة إجماع جنوبي وحتى شمالي على أن ما قبل 4 مايو 2023 ليس كما بعده، وأن الجنوب أصبح أكثر من أي وقت مضى قادرًا على مواجهة التحديات، وفرض نفسه في أي معادلة سياسية قادمة كقوة رئيسية يصعب تجاوزها.