ذات يوم وقعت عيني وتسمرت على مقال رثاء للدكتور محمد الزعوري وزير الشؤون الاجتماعية ،ينعي رفيق دربه صالح السيد ، قرأت المقال أكثر من مرة ولم أشبع، فاكتشفت حينها أن الرجل ليس بالعادي فهو صاحب ثقافة عالية ويمتلك قدرات أدبية غير عادية ، قل أن تجد مسؤولا جنوبيا يجيد تلك القدرات لأن أغلبية القرارات تخضع للمحسوبية والمحاصصة ، فقلت في نفسي ذينك الوقت لقد توفقوا بشخص مثقف .
اليوم بالمصادفة اتصل لي أحد الأصدقاء وقال لي أنه سوف يقيل مع الوزير الزعوري ،فانتهزت الفرصة للتعرف عليه ، كيف لا وهو صاحب القلم الرشيق والكلمات الأدبية والثقافة الغزيرة التي أسرتني ورجل الدولة في آن واحد ، عندما وصلت وجدته رجل في قمة التواضع والإخلاق ،ومابدأ الحديث إلا ولفتني إنني أقف أمام رجل دولة من العيار الثقيل ، لقد كان معتزا بكل سنوات النضال التي مر بها كان يتحدث كما لو اننا نعيش سنين النضال الأولى يتحدث بلوعة وحب عن القضية الجنوبية ، فقلت في نفسي هكذا الأشخاص الذين يرون أنهم أكبر من مناصبهم، وانها لم تؤثر عليهم فسموا في البساطة حد السماء بنظر الجميع ، بعكس أولئك فارغو الرؤوس الذين يرون أنفسم طواويس جاءوا بمحسوبية مقيتة أو نتيجة ظروف سياسية أصعدتهم أماكن لا يستحقونها فعبثوا بها كثيرا ، فلن تصل إلى أحدهم أو حتى الوصول إلى أصغر شوفير من حواشيهم الذين انتفخت جيوبهم على عجل على حساب الناس فبات من سابع المستحيل أمر اللقاء بهم ، والذي يظفر برساله منهم يشعر أنه قد صار الأكثر تأثيرا وانا أتحدث عن أولئك المساكين البسطاء الذين صنعوا منهم أصناما تعبد وطواغيت ولا أتحدث عن نفسي .
امتد اللقاء لأكثر من ثلاث ساعات إلا أنه مر بسرعة البرق ، استمعت فيه لحديث الرجل وتحدثت بمافيه الكفاية ، ورغم مرور الوقت سريعا إلا أنه كان كافيًا لاستنتاج مدى حنكة وحكمة الدكتور محمد ، وقوة شخصيته، وأسلوبه المميز في الحديث والإقناع عوضا عن ذلك أنه جاء من ميدان النضال الذي جئنا منه جميعا ، فقلبه ينبض حبا بالجنوب والوطنية تجري مجرى الدم .
ورغم المعوقات الجمة والكم الهائل من تراكم العراقيل التي تعترض طريقه إلا أنه يندفع بحماسة الواثق بنفسه وبقدراته لتجاوز كل الصعوبات، وإيجاد قاعدة صلبة يمكن تشييد الآمال عليها.
لم اناقشه حول ما يثار حديثا عن ترشيحه من قبل القيادة الجنوبية لرئاسة الوزراء خلفا لمعين حتى لا أقع في الخصوصيات ، ولكن إن صحت تلك التسريبات فهو الرجل المناسب في المكان المناسب كرجل دولة محنك ومناضل عنيد لن يساوم إطلاقا في حقوق الناس والحقوق السياسية الجنوبية التي ننشدها جميعا .