الهجوم الذي لم يكن الاول من قبل واحدة من أكبر المجلات السياسية الأمريكية الذي يستهدف السيسي ويحاول وبشكل غير مباشر التلميع لجماعة الإخوان المسلمين من خلال الحديث عن إيجابيات معظمها مزعومة، وكذلك الترويج لقدراتهم في إدارة البلاد ورفع مستوى الاقتصاد المصري واحتكامهم إلى الصندوق إذ صعدوا إلى كرسي الرئاسة بإرادة المصريين بانتخابات ديمقراطية..
هذا الهجوم وبهذا التوقيت بالذات يثير الشكوك لدى القارىء العادي بأن ثمة رسالة مشحونة بالغضب وليس بالعتب تريد واشنطن تبعث بها للسيسي الذي بات اليوم حليف وصديق مقرب من موسكو، والذي تتهمه دوائر القرار السياسي الغربي بأن للتقارب المصري مع موسكو أثره البالغ على نفسية دول الجوار بالذات السعودية والإمارات العربية اللتان ولاول مرة يتمرد فيهما المحمدين على شرطي العالم (الولايات المتحدة الأمريكية) وفتح علاقات مع روسيا والمصالحة مع إيران.
هذا بالإضافة إلى بعض القضايا الأخرى لجأت واشنطن إلى أسلوبها المعتاد في بعث رسائل التهديد ناحية من تراهم تمردوا عليها، أسلوبها هذا هو الذي كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يعبر عنه بصورة مباشرة هزلية في خطاباته كلما أراد بعث رسالة إلى دول الشرق الأوسط بالذات نحو دول الخليج العربي..
والأمر الذي يؤكد تعمد الصحيفة وارتباط ما ينشر فيها تجاه مصر بالذات مع دوائرها الاستخباراتية ومع مهندسي السياسة في واشنطن من خلال تعنت المجلة عن نشر رد لوزارة الخارجية المصرية حاولت من خلاله التعليق على ما ورد في المجلة لترفض الأخيرة وتماطل في نشر الرد المصري أكثر من مرة ما دفع الخارجية المصرية إلى نشر الرد في وسائل الإعلام المصرية وعبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي مسنودا بالتوضيح الذي تطرق إلى رفض المجلة الأمريكية نشر الرد وتخليها عن أهم مبادىء مهنة العمل الصحفي وهو كفالة حق الرد بموجب القوانين والأعراف الصحافية المتعارف عليها على مستوى العالم..
قد يكون الأمر مجرد مناورة على شكل تهديد أو التلميح به، لكن لا يستبعد أن تكن هذه المؤشرات توحي إلى فتح المجال أمام جماعة الإخوان المحظورة في مصر بمعاودة نشاطها والاقدام على ارتكاب مغامرات جديدة ستؤدي في أضعف الأحوال إلى عرقلة حركة التنمية والاستقرار في البلاد وستلقي بظلالها سلباً على دول المنطقة العربية برمتها..
وهنا ادناه، نستعرض ما ورد في المجلة الأمريكية وننقل ما جاء في البحث كالاتي:
تحت عنوان: (دروس لـ”الربيع العربي القادم” تذكير وتأكيد على أن الاستقرار المدعوم بالقوى الاستبدادية مجرد وهم) نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرًا من اعداد الباحث شادي حميد، تناول فيه استعراض احداث ما يسمى الربيع العربي وعلاقتها بـ”بمشكلة الديمقراطية” في الشرق الأوسط، هاجم فيه الولايات المتحدة الأمريكية واتهمها بالاعتماد على الطغاة العرب تحت ما اسماها مبررات الاستقرار لكن دعمها للأنظمة الاستبدادية لم ينفع.
وجاء في تقرير الباحث أنه في الثالث من شهر يوليو 2013؛ انتهى الربيع العربي، وأطاح انقلاب عسكري بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا برئاسة محمد مرسي، الرئيس المصري الذي كان قائدًا في جماعة الإخوان المسلمين، واليوم، بعد عقد من الزمن، لا يزال الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في الأحداث التي أدت إلى الانقلاب، مثيرًا للجدل.
ويتّهم أنصار الإخوان إدارة أوباما بعدم استعدادها لوقف الانقلاب أو حتى تسميته بانقلاب. وفي المقابل؛ يزعم أنصار الانقلاب أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما هو من أعاد جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في المقام الأول. ويفيد السرد السائد في صفوف المحللين وصناع السياسة الغربيين بأن الحكومة الأمريكية صُدمت بالانقلاب، وعلى أي حال، لم يكن لديها القدرة على فعل الكثير حيال ذلك.
وبالاعتماد على الروايات الصحفية بالإضافة إلى أكثر من 30 مقابلة أجراها مع كبار المسؤولين الأمريكيين – بما في ذلك أولئك الذين كانوا في الغرفة مع أوباما في اللحظات الحاسمة لاتخاذ القرار – تشير الأدلة المتاحة إلى استنتاج مثير للقلق. إذ أن الرواية التقليدية التي تقول إن الانقلاب أصاب أوباما بالصدمة تعتبر ببساطة غير صحيحة، ويعتبر العكس أقرب إلى الحقيقة، فقد أعطى أوباما الجيش المصري ما كان بمثابة ضوء أخضر للإطاحة بأول حكومة منتخبة ديمقراطيًّا في البلاد.
ويرى المصدر ذاته، أنه لطالما تعثرت عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي بسبب “معضلة الإسلاميين”؛ حيث وجد المسؤولون الأمريكيون الذين قد يؤمنون بالديمقراطية صعوبة أكبر في دعم الدول العربية لأن الأحزاب الإسلامية هي الأكثر احتمالية للأداء الجيد بل وحتى الفوز في الانتخابات الحرة.
وبالنسبة لإدارة أوباما؛ كان هناك مجال للتفاؤل، فبصفته نجلًا لأب مسلم وأول رئيس أمريكي عاش فترة في دولة ذات أغلبية مسلمة؛ بدا أوباما أكثر تسامحًا في التعامل مع الإسلاميين مقارنة بأسلافه. ومع ذلك، فإن هذا الانفتاح الملحوظ أثبت أيضًا أنه يمثل عبئًا، وكما أخبرني أحد كبار المسؤولين في البيت الأبيض: “لا تنس أنه اتُّهم في البداية بالتعاطف مع الإسلاميين.
وكان على اوباما محاربة هذا التصور، وكان هذا الوقت الذي كانت فيه هوية أوباما ذاتها تواجه بعض التحديات. واللافت للنظر أن غالبية الجمهوريين أصبحوا يعتقدون أن أوباما نفسه كان “مسلمًا في أعماقه”.
أوباما كان أيضًا براغماتيًا يميل بشكل مزاجي إلى الحذر والحيطة؛ لقد كان الاستقرار هو شعارنا. وفي حالة مصر في أعقاب ثورة 2011، كان ذلك يعني دعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، السلطة الانتقالية في مصر التي تولت السلطة في سنة 2011 بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، حتى لو كان ذلك يعني تقويض التطلعات الديمقراطية للشعب المصري.
واعتقد أوباما بأن “المجلس الأعلى للقوات المسلحة” سيضمن إرساء الديمقراطية. وهذا ما اعترف به أوباما؛ حيث صرّح قائلا “يجب أن يكون تحقيق الاستقرار ودعم المجلس العسكري من أولوياتنا. حتى لو تعرضنا للانتقاد”، وأضاف قائلا “لست مهتمًا بالحشد في ميدان التحرير ونيك كريستوف”، في إشارة إلى كاتب العمود في صحيفة “نيويورك تايمز” الذي انتقد سياسة الإدارة في مصر.
ومن أجل تحقيق الاستقرار؛ أرادت الولايات المتحدة أن يجري الجيش المصري الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات البرلمانية. وعلى حد تعبير دنيس روس، أحد كبار مستشاري أوباما، فإن “جزءًا من السبب الذي دفعنا إلى إجراء انتخابات رئاسية أولاً كان ببساطة يكمن في حقيقة أن الإخوان المسلمين سيهيمنون على الانتخابات البرلمانية، على الأقل بالنسبة لي”. أو كما أخبرتني السفيرة الأمريكية في مصر، آن باترسون، “كان موقفنا الافتراضي هو فوز المرشح العلماني عمرو موسى بالرئاسة، وهي طريقة غربية تمامًا للنظر إلى الأمور”.
ولكن تم تنظيم الانتخابات البرلمانية أولًا. وفي سنة 2012؛ حصل حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين على 43 بالمئة من المقاعد في البرلمان، في حين لم يتمكن موسى من التقدم بعد الجولة الأولى من التصويت في الانتخابات الرئاسية، حيث حصل على 11 بالمئة فقط من الأصوات.
وأمضى مرسي، الذي فاز بفارق ضئيل في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في يونيو 2012، سنة مضطربة في منصبه، وبلغت الاضطرابات ذروتها في أعقاب اندلاع احتجاجات حاشدة ضد حكومته بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية. ولم تطالب الغالبية العظمى من المتظاهرين بانقلاب عسكري، بل كانوا يطالبون باستقالة مرسي أو إجراء انتخابات مبكرة. ولكن الجيش، بقيادة وزير الدفاع الغامض آنذاك، عبد الفتاح السيسي، تولى زمام المبادرة واستولى على السلطة في غضون أيام.
وأعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، جين بساكي، بشكل ملحوظ ومحرج، وبعد أسابيع من الانقلاب، قائلة “لقد قررنا أنه لا يتعين علينا اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان هذا انقلابًا أم لا”. وبعد بضعة أسابيع، أشاد وزير الخارجية، جون كيري، بالسيسي لقدرته على “استعادة الديمقراطية” – وهي ملاحظة غريبة أبرزتها حقيقة أنها جاءت بعد مجزرتين منفصلتين لمؤيدي الإخوان المسلمين على يد الأجهزة الأمنية في الثامن من شهر يوليو و27 يوليو.
ومع ذلك، لم يتم تسليط الضوء على الفترة الحرجة والمتوترة التي سبقت الانقلاب، عندما كان من الممكن تجنب الكارثة، وعمليات القتل الذي لم تحدث بعد. لقد كان الغموض يكتنف هذه الأيام، وقد سمح هذا الغموض للولايات المتحدة، بعد الحادثة، بتبني سياسة الإنكار. ويمكن لمستشاري أوباما القول إنهم فوجئوا. فقد حدث الانقلاب، وكان أمرًا واقعًا، وكان عليهم أن يعيشوا مع العالم كما هو، وليس كما كانوا يرغبون.
وداخل الحكومة الأمريكية، كانت هناك بعض الاختلافات في الرأي حول مرسي والإخوان المسلمين. وبسبب المصالح المؤسسية والقرب من الجنرالات المصريين، كان البنتاغون أكثر تشككًا في مرسي، مما تسبب في توتر العلاقات بينه وبين وزارة الخارجية والبيت الأبيض، اللذين كانا على الأقل يتشدقان بالديمقراطية.
وكان كبار مسؤولي الدفاع مثل جيمس ماتيس، الذي كان قائدًا للقيادة المركزية الأمريكية لجزء من فترة رئاسة مرسي، يميلون إلى اعتبار الترويج للديمقراطية مجرد كماليات تصرف الانتباه عن مكافحة الإرهاب. ووصف ماتيس ذات مرة جماعة الإخوان والقاعدة بأنهما “وجهان لعملة واحدة”.
وقد أُعجب ماتيس بعملية الانقلاب على السيسي. وعلى حد تعبيره فإن “ما رأيناه في الأساس كان عملية مساءلة شعبية مع أكبر حشود في تاريخ العالم الحديث التي خرجت إلى الشوارع مطالبة بعزل هذا الرجل. ثم نرى القوة العسكرية تتدخل وتدعم إجراءات المساءلة الشعبية”.
ومن المثير للاهتمام أن مايكل فلين، الذي ارتقى إلى الشهرة الوطنية كمستشار للأمن القومي للرئيس السابق دونالد ترامب، كان مديرًا لوكالة استخبارات الدفاع خلال الربيع العربي وسقوط مرسي، وقال فلين للصحفي ديفيد كيركباتريك في استحضاره ذكريات تلك الفترة: “كنا سنشهد استيلاء الإخوان المسلمين على السلطة في البلاد”.
يُذكر أن فلين زار القاهرة في أبريل من تلك السنة، قبل ثلاثة أشهر من الإطاحة بمرسي، ورأى الجنرالات المصريون في فلين أنه شخصية طيبة، وقاموا بتنظيم “يوم ثقافي” على شرفه. وذات يوم خلال وجبة الغداء، رسم فلين ونظيره المصري “خريطة للتهديدات الإسلامية التي رأوها في جميع أنحاء مصر”.
وفي حين أن وزارة الخارجية ككل ربما كانت أفضل، إلا أن كيري كان حالة شاذة في فوغي بوتوم، وغالبًا ما أثار الذعر في صفوف الزملاء. وكما أخبرني أحد كبار مستشاري كيري، “فقد شعر أن الانقلاب لم يكن نتيجة سيئة لنا من وجهة نظر مصالح الأمن القومي. وهو لم يكن من أنصار الإخوان المسلمين، ولا من المعجبين بمرسي”.
وقال مسؤول آخر في وزارة الخارجية بصراحة إن “كيري يكره الإسلاميين. أعتقد أنه مجرد شخص تم تشكيله في حقبة أخرى من العالم، وأعتقد أن الطريقة التي اكتسب بها معرفته ومعلوماته عن الشرق الأوسط كانت من خلال التحدث إلى القادة العرب. وإذا كنت تتعامل مع القادة طوال عقود عديدة في مجلس الشيوخ، فستحصل على وجهة نظر معينة. إن كيري يحب الطغاة، وهو يشبه نوعا ما الرئيس جو بايدن. فكل هؤلاء الرجال ينحدرون من الجيل الذي “يتعامل فقط مع الرجال الأقوياء. هذا كل ما عرفوه في الشرق الأوسط””.
وخلال محادثة له مع كيركباتريك؛ اعترف كيري بمعرفة أن هناك مؤامرة تحاك ضد مرسي – وأن الجيش كان يستعد للتدخل في السلطة – في أوائل شهر مارس 2013، بعد أن التقى بالسيسي، وزير الدفاع آنذاك، للمرة الأولى. بعد ذلك الاجتماع؛ حذّر باترسون البيت الأبيض من “احتمال حدوث انقلاب كبير في غضون بضعة أشهر”.
وفي الأيام التي سبقت الانقلاب، كان المسؤولون الأمريكيون يُدركون جيدا ما كان يجري – وكانوا في وضعية تسمح لهم بمحاولة منع السيسي إذا أرادوا ذلك، لكنهم لم يحاولوا منعه.
ربما هنا أصبحت معضلة واشنطن مع الإسلام السياسي جلية أكثر، فعند الرجوع لهذه الفترة، صرّح وزير الدفاع، في ذلك الوقت، تشاك هاغل بأنه يتفق مع المزاعم السعودية والإماراتية والإسرائيلية بأن جماعة الإخوان المسلمين من المجموعات “الخطيرة” ويجب مواجهتها. وقد كان هاغل أول سياسي أعطى الضوء الأخضر للسيسي لتدبير الانقلاب العسكري، فقبل أيام قليلة من الانقلاب، أعرب هاغل للسيسي قائلا: “لذا لن أخبرك أبدًا كيف تدير حكومتك أو تدير بلدك. … عليك حماية أمنك وحماية بلدك”.
خروج بمليون مصري إلى الشوارع للاحتجاج على حكم مرسي..
لم يكن هاغل هو السياسي الوحيد الذي أرسل رسائل (مختلطة) للجيش المصري. ففي 30 يونيو 2013؛ خرج ما يُقدر بمليون مصري إلى الشوارع للاحتجاج على حكم مرسي، واستخدم الجيش الاستعراض الشعبي لإرسال إنذارٍ ضمنيٍّ لمرسي مفاده: “عليك تلبية مطالب المتظاهرين في غضون 48 ساعة، أو سيفرض الجيش إستراتيجيته الخاصة لإنهاء الأزمة”.
لكن الانقلاب لم يحدث بعد، وما زال هناك وقت لواشنطن لتوضيح نواياها وميولها. قبل يومين من الانقلاب، في الأول من يوليو، اتصل أوباما بمرسي. بدا أن أوباما رضخ للواقع، وذهب إلى حد تبرير ما فعله الجيش وما كان على وشك القيام به.
في السياق ذاته، صرّح لمرسي، كما ورد في كتاب “كيركباتريك” لسنة 2018، “في أيدي الجنود”: “الحقيقة هي أنه إذا اعتقد الجيش المصري أن استقرار البلاد في خطر، فسوف يتخذون قرارهم بأنفسهم”، وقد افترض أوباما ان استيلاء الجيش على السلطة بات أمرُا مفروغُا منه.
وبحلول الثاني من يوليو، تفاقمت الفوضى في البلاد. وكان أوباما في رحلة، وكانت مستشارته للأمن القومي، سوزان رايس، في البيت الأبيض. فاتصل عصام الحداد مستشار الأمن القومي لمرسي برايس من مقر الحرس الرئاسي في القاهرة، وكان حداد في حالة ذعر، وقد تحدث عن القضاء والقدر والتحدي الذي يقف أمامهم؛ وفقًا لمسؤول في البيت الأبيض كان مطلعًا على المحادثة:
“أعطى رايس دفاعًا حماسيًا عن الديمقراطية لهذا الرجل الذي كان يفعل الشيء نفسه على الطرف الآخر، قائلاً إن آبائه وأجداده قد ضحوا بحياتهم في محاولة لحماية الحرية المصرية وأنه ومرسي مستعدان لفعل الشيء ذاته. وأن الولايات المتحدة تعد الأمل الوحيد المتبقي لهم. من جانبها، أجابته: “لن نتخلى عنك، نحن ندافع عن الديمقراطية، لقد أوضحنا ذلك تمامًا.” …لكن لم يكن أوباما جزءًا من هذه المحادثة، لكنني افترضت أنها كانت تعكس وجهات نظره. وقالت، في الأساس، “لا يمكن أن نسمح بذلك ولن نتهاون بشأنه”. وأتذكر أني قلت لها، “سوزان، هل أنت متأكدة؟” “هل سنتابع هذا الأمر؟””.
في 3 يوليو؛ كان الوقت قد فات، فبحلول الوقت الذي استيقظ فيه الأمريكيون؛ كان مرسي محتجزًا في مكان غير معروف. وعندما تلقى البيت الأبيض تحديثات، جمع أوباما مساعديه في غرفة العمليات، وكان ينتظر الحكومة الأمريكية اتخاذ قرار صعب لا سيما أن قانون الولايات المتحدة يحظر تقديم المساعدة إلى حكومة أطيح زعيمها المنتخب حسب الأصول في “انقلاب أو مرسوم يلعب فيه الجيش دورًا حاسمًا”، ولقد أطلعني مستشار من البيت الأبيض كان هناك على كيف سار الحوار:
يقضي القانوني الامريكي بشكل واضح أنه في حالة “إعلان الانقلاب، ينبغي إيقاف المساعدة العسكرية”. في الواقع، لم نركز حتى على إعلان الانقلاب، لأن الشخص الذي كان يتعمد نشر الفوضى سيقول إنه لم يكن انقلابًا”. لذا، كان الأمر مثل، “متى نعلن هذا؟”. وبعد ذلك، وللمرة الوحيدة التي أستطيع أن أتذكرها في السنوات التي عملت معه، جاء أوباما و”أنهى النقاش” قائلا: “حسنًا، لن نعلن أن هذا انقلاب، فماذا علينا أن نفعل؟” لقد فوجئت بذلك تمامًا، وكذلك العديد من الأشخاص الآخرين، ولذلك تغيّر مضمون المحادثة تمامًا
عكست التصريحات العلنية للإدارة في أعقاب استيلاء الجيش على السلطة هذا النهج؛ حيث أعرب أوباما عن قلقه الشديد من قرار القوات المسلحة المصرية عزل الرئيس مرسي وتعليق الدستور المصري”، وتجدر الإشارة إلى أنه لم يذكر كلمة “انقلاب” أبدا.
وتلجأ الكثير من الجهات الفاعلة إلى الوكالات بتنوعها لطلب يد العون. لعقود من الزمن، كانت مصر ثاني أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية في العالم بعد إسرائيل، بعد أن تلقت عشرات المليارات من الدولارات من واشنطن، ولم يكن من الممكن أن تكون الولايات المتحدة محايدة، مهما كانت تلك الفكرة جذابة. ولكن أين هو بالضبط الخط الفاصل بين التخاذل والتواطؤ؟
عندما بدأ أوباما أخيرًا في الاهتمام بمصر بعد أن بدأ الجيش في التحرك ضد مرسي، كان بإمكانه توجيه تحذير للجنرالات، ولكنه اختار عدم القيام بذلك. من جانبه، أجرى السيسي تقديرات حول الخسائر التي يمكن أن يتكبدها. كما اتضح فيما بعد، كانت تقديراته جديرة بالثناء، فقد توقع السيسي بشكل صحيح أن الولايات المتحدة لن تقف في طريقه إذا استولى على السلطة. ولكن ماذا لو اتخذ كبار المسؤولين الأمريكيين قرارات مختلفة عندما كان لا يزال هناك وقت لاتخاذها؟
في اجتماعهم الأول في مارس 2012، ماذا لو أخبر كيري السيسي أن الانقلاب سوف تعارضه الولايات المتحدة بشكل قاطع؟ ماذا لو هدد هاغل بقطع فوري للمساعدات إذا تدخل الجيش؟ بعبارة أخرى، ماذا لو كانت هناك سياسة ضد الانقلاب قبل اندلاع الانقلاب؟.
استخدام سياسة العصا والجزرة..
إن مجرد إلقاء اللوم على كيري أو هاغل أمر سهل للغاية بالتأكيد، فلم يكن هاغل مسموحا له باستخدام سياسة العصا والجزرة. ربما كان غير واضح ومتسامح مع السيسي، لكن من غير المرجح أن يكون أداء وزير دفاع مختلف أفضل بكثير. كان سيتطلب أي جهد حقيقي لتجنب الانقلاب، إبلاغ القوات المسلحة المصرية بأن الانقلاب العسكري ستكون عواقبة وخيمة.
ومن الصعب تخيل ذلك، لكن يمكننا أن نحاول: ماذا لو أعلن أوباما بشكل واضح قبل احتجاجات 30 يونيو أن الولايات المتحدة ستدعم حق المصريين في التظاهر سلميًا، لكن أي محاولة من قبل الجيش لاستخدام الاحتجاجات لخدمة مصالحه سيكون أمرًا غير مقبول تمامًا؟ كان من شأن التعليق الكامل والفوري للمساعدة العسكرية – بما في ذلك حجب قطع الغيار والصيانة والدعم اللوجستي – أن يوقف الدبابات والطائرات المصرية وأنظمة الأسلحة المتطورة الأخرى في غضون أسابيع.
لكن ربما كان هذا يتطلب بذل الإدارة جهودًا حثيثة تتجاوز حدود إمكانياتها في منطقة كانت تأمل دائمًا الانسحاب منها. لقد تحدثت إلى باترسون عن كيفية تذكرها لبعض هذه اللحظات الحرجة التي أوضحت قائلة: “الحقيقة هي أننا ربما نملك نفوذًا كبيرًا على مصر، لكننا اخترنا عدم استخدام أقصى قدر من نفوذنا لمنع الانقلاب”. عندما سألتها عن السبب، قالت: “في تلك المرحلة، كان هناك الكثير من الأشخاص الذين لم يأسفوا لرحيل مرسي”.
لقد كانت بمثابة نهاية مأساوية لمنطقة مأساوية. ولو لفترة وجيزة فقط؛ قدم الربيع العربي أملا بأن الولايات المتحدة يمكنها أخيرًا حل “معضلة الديمقراطية” في الشرق الأوسط. فقد كان اعتماد واشنطن على الطغاة العرب – الذي لا يزال مبررا – باسم نشر الاستقرار.
واجزم بأنه من الصعب النظر إلى الشرق الأوسط في العقود الأخيرة باعتباره منطقة “مستقرة”. كانت انتفاضات سنة 2011 بمثابة تذكير وتأكيد على أن الاستقرار المدعوم بالقوى الاستبدادية واهٍ، إن لم يكن من المفارقات الغريبة. لكن بعض الدروس يصعب تعلمها. في حال اندلاع ربيع عربي ثان، سيتعين على المسؤولين الأمريكيين استيعاب هذه الدروس مجددا.