ماذا يعني إعلان الكويت البدء بالتنقيب والإنتاج في حقل الدرة الغازي المُتنازع عليه مع إيران بُدون ترسيم الحُدود معها؟.. هل ماطلت طهران ثم حفرت كأمر واقع ولماذا تشترط الاعتراف الكويتي- السعودي المُسبق بحقّها وكيف سترد ومن الأحق بالحقل سياسيّاً وقانونيّاً؟
لم يصدر عن السّلطات الإيرانيّة تعليقات واضحة بعد، بخُصوص رأيها فيما يتعلّق بنيّة السّلطات الكويتيّة البدء في التنقيب، والإنتاج في حقل الدرة الغازي، وذلك “بدون انتظار ترسيم الحُدود مع إيران”، سوى أنها تُتابع الأمر مع الكويت، وتلك تصريحات كويتيّة، تبدو لافتةً وقويّة، وتطرح تساؤلات حول تبعاتها، حال وجدت طهران التصرّف الكويتي تعدّيًا على حقّها في الحقل المذكور. الموقف الإيراني المُتأنّي فيما يبدو، عبّر عنه ناصر كنعاني، المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانيّة، وجاء ردًّا على تصريحات الوزير الكويتي، حيث قال إن طهران تُتابع هذا الأمر مع السلطات الكويتيّة ما يُوحي بأن طهران تُفضّل التفاوض مع الجار الشّقيق على الأقل حتى الآن، ولكن سبق ووصفت إيران العام الماضي الاتّفاق المُبرَم بين الكويت والسعوديّة لتطوير حقل غاز الدرة بأنه “غير قانوني”. ولم يشرح وزير النفط الكويتي سعد البراك أساساً، كيف ستبدأ بلاده بالتنقيب والإنتاج في الحفل المذكور “المُتنازع عليه” بدون ترسيم الحدود مع إيران، حيث الموقف الإيراني ما قبل تصريحاته هذه، أصرّ ويُصر على ضرورة اعتراف الكويت، ومن خلفها السعوديّة، بالحق الإيراني بحقل الدرة، وقبل اتخاذ أي خطوة، وهو ما لم يتم، على الأقل وفق تصريحات وزير النفط الكويتي. لم تتفاعل إيران وفق وجهة النظر الكويتيّة مع دعواتها مع السعوديّة لترسيم الحدود بينهما، ويبدو أن الكويت والسعوديّة لا تُريدان الاعتراف بالحق الإيراني بحقل الدرة، بل تسعيان لترسيم الحدود، وهو ترسيم يقول خبراء خليجيون سيُظهر بأن طهران لا تملك أي أحقيّة في الحقل المُتنازع عليه، ولذلك تُماطل إيران في مسألة ترسيم الحدود، قبل الإقرار بحقّها في الحقل كما تقول مطالبها الرسميّة. وفيما التساؤلات مطروحة حول الشكل الفني والتقني لعمليات التنقيب والإنتاج بالحقل المُتنازع عليه الذي ستتبعه الكويت دون ترسيم الحدود مع إيران، أو حتى الاعتراف بحقها في الحقل كما تُطالب طهران، تنظر الكويت إلى ذلك الحقل بمثابة الداعم لاقتصادها، وتعزيز إيراداتها الماليّة، لتنفيذ إصلاحات اقتصاديّة، وسط تململ شعبي مرصود تزداد حدّته بالاعتراض أحياناً. وتُوحي التصريحات الكويتيّة، بأن سُلطاتها، مُصرّةً على الاستفادة من الحقل المذكور، كما أن موقفها مدعومٌ سعوديّاً، حيث كان صرّح وزير نفطها بأن الكويت، والسعودية لديهما “الحق الحصري” في حقل غاز الدرة بالخليج، ودعا إيران إلى البدء في ترسيم حُدودها البحريّة أوّلًا، وها هي تقول على لسان وزير نفطها بأن التنقيب والإنتاج في الحقل المذكور سيبدأ بدون انتظار الترسيم مع إيران. ويعود اكتشاف حقل الدرة الكويتي إلى العام 1967، وهو موضع خلاف بين الكويت وإيران مُنذ مُدّة طويلة، وصولاً لاسم الحقل المُتنازع عليه، فالجُزء الواقع في الكويت يُسمّى “الدرة”، والجُزء الواقع في إيران يُسمّى “أرش”. الموقف الكويتي مدعوم سعوديّاً، ومرفوض إيرانيّاً، فكان سبق للكويتيين توقيع في مارس 2020، اتفاقية تعاون لتطوير حقل الدرة للغاز، ثم اتبعتها لاحقاً في الحادي والعشرين من مارس الجاري باتفاقيّة تعاون لتطوير حقل الدرة للغاز لإنتاج مليار قدم مكعبة قياسيّة و84 ألف برميل من المكثفات يوميًّا، الأمر الذي دفع إيران لرفض ذلك الاتفاق، بل ووصفته بغير الشرعي. وفيما أعلنت الكويت نيّتها بدء التنقيب والإنتاج دون الترسيم مع الإيرانيين، سبق لإيران في تصريحات سابقة أن لوّحت باتخاذ “خطوات فرديّة في الحقل”، لم تشرح ما هي، لكنها بدت وكأنها تصريحات تصادميّة، وتطرح تساؤلات فيما إذا كانت تتضمّن تلك الخطوات، تحرّكات عسكريّة لحماية الخطوات الإيرانيّة حال التنقيب والإنتاج في الحقل دون العودة للكويتيين، والسعوديين من خلفهم. ولا تُريد الكويت أن تقف وحيدةً بكل في وجه إيران، حال تصاعد الخلاف، وكانت وللمرّة الأولى بعد توقيع للاتفاقيّة بينهما، عرضت الكويت والسعوديّة التفاوض لترسيم الحد الشرقي للمنطقة المغمورة المقسومة بين المملكة والكويت، والتي يقع فيها الحقل، كطرف تفاوضي واحد مُقابل الجانب الإيراني. وفيما ظهرت الكويت بعد تصريحاتها حول التنقيب قبل ترسيم الحدود مع إيران، وكأنها الطرف المُسارع لإشعال أزمة، تحدّث تقرير لصحيفة “الجريدة” المحليّة الكويتيّة عن نيّة طهران بدء إجراءات الحفر في الحقل لفرضِ أمرٍ واقع، الأمر الذي يُفسّر وفق مراقبين، مُسارعة الكويت إلى الإعلان عن بدء التنقيب، والإنتاج، دون انتظار ترسيم الحدود مع إيران، ولكن مع هذا لم تُعلن الأخيرة البدء بإجراءات تنقيبيّة على الأقل في العلن، وفي ظل مُواصلة عدم اعتراف الكويت بأي حق لإيران في الحقل، مما يجعل الأزمة تُراوح مكانها. وفي مارس الماضي، فشلت جولة من المفاوضات بين الكويت، التي لديها تفويض من السعودية بالتفاوض عن البلدين، وبين طهران، في حلحلة الخلاف حول آلية ترسيم الحدود البحرية، إذ خرج الاجتماع الأول بهذا الشأن باتفاق على عقد اجتماع آخر، وهو ما لم يحصل بعد. وتُصر طهران على أن حدودها تمتد من الجرف القاري، وأن مُقاربتها هذه تعتمد على قانون البحار المفتوحة، بينما تؤكد الكويت أن حدود إيران يجب أن تُحسَب انطلاقاً من حدودها البريّة حسب قانون البحار المغلقة. وفي حال قُبول الحجّة الكويتيّة التي تتوافق كما يقول الكويتيون مع القانون الدولي، فلن يكون عمليّاً لإيران أي حصّة في “الدرة”، أمّا إذا اعتُمِدت حجّة طهران فهُناك احتمال كبير أن تحصل على حصّة. وفي حال اختيار الحل غير التفاوضي، واللجوء إلى فرض الأمر الواقع من الأطراف المُتنازعة على الحقل الغازي، يبدو أن الأمور ستذهب إلى تعقيد أكبر، يأمل المُحايدون في تلك الأزمة ألّا تذهب الأمور فيه إلى تهديد وتصادم عسكري، وتحديدًا إذا بدأت الكويت تنفيذ تنقيبها في حقل “الدرة” دون مُشاورة مع إيران حول حقلها “أرش” مع تباينٍ لافت في القوّة العسكريّ