الصــدارة سكــــاي: خاص
أثارت تحركات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في محافظة المهرة، وتحركاته هناك عبر سلسلة لقاءات أجراها، وتصريحاته التي أطلقها قبل أيام من عاصمة المحافظة، والتي تشبه إلى حد كبير تلك التصريحات واللقاءات التي قادها الرجل بالتزامن مع وبعد تأسيس مجلس حضرموت الجامع، تلك التحركات التي تزامنت مع حديث عن لقاءات مكثفة تجريها شخصيات مهرية في المحافظة، تهدف لتأسيس مكون جديد خاص بأبناء المهرة، برعاية سعودية، أثار كل ذلك الكثير من علامات الاستفهام حول حدود الرغبة السعودية في لعب دورٍ جديد بالمحافظة، التي تشترك بحدود معها، دولتان خليجيتان ( السعودية، وعمان)، تمامًا كما تتشاركان الرغبة في بسط نفوذهما في المحافظة.
لسنوات عديدة ومنذ اندلاع الحرب وحتى اليوم، بقيت المهرة – كجارتها حضرموت – بمنأى عن مسرح الصراع المباشر، الدائر بين الحوثيين من جهة، والشرعية ومن خلفها دول التحالف من جهة أخرى، وبقيت المحافظة التي تعتبر ثاني أكبر محافظات الجنوب مساحة بعد محافظة حضرموت، على بعد مسافات شاسعة من هذا الصراع، عدا اتهامات باستخدام الحوثيين لها كممر لتهريب السلاح القادم من إيران عبر عُمان، غير أنها ومنذ مطلع العام 2017 باتت ساحة تنافس شديد، وعلى مقربة من صراع إقليمي، يبدو أكثر تعقيدًا بين دول الجوار، التي تشكل المحافظة جزءًًا فاعلا في أمنها واستقرارها، ويزداد هذا الصراع أو تقل حدته وفقًا لتقلبات العلاقات بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان .
قبل أيام أطلق رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، من المهرة – التي وصلها قادمًا من الرياض – تصريحات تعهد فيها بمنح أبناء محافظة المهرة ما يمكن وصفه بــ” حكمًا ذاتيًا” لإدارة شؤونهم الإدارية والمالية، وهي التصريحات ذاتها، والوعود نفسها التي أعطاها الرجل لأبناء حضرموت، عند زيارته لها، قادمًا من الرياض أيضًا، عقب تأسيس المجلس الوطني الحضرمي، ما أثار استفهامات حول نوايا استنساخ تجربة حضرموت في محافظة المهرة من قبل اللاعب الأول في الملف اليمني (السعودية).
يرى مراقبون بأن ما يجري في المهرة، ليس بعيدًا عما يجري في حضرموت، بالنسبة لحضور السعودية، التي تكرر ذات السيناريو، وذات الرغبة، وبذات الطريقة، وقد يختلف الأشخاص وتتفق الرؤى، وتتوافق الأهداف، غير أنه من المؤكد أن المهرة ليست كحضرموت في تعدد حضور اللاعبين، ومدى تصميمهم على منافسة اللاعب السعودي، بل والسعي للتخلص من دوره.
أما تحركات العليمي فدائمًا ما تُقرن من قبل مراقبين للشحن اليمني بتوجهات السعودية، بل وتوجيهاتها، وما زيارته الاستثنائية إلى المهرة، ولقاءاته المختلفة، إلا انعكاسًا لتوجه سعودي بإضفاء شرعية على تحركاتها في المحافظة الشرقية، وهو ما حدث بالظبط في حضرموت بعدما احتضنت الرياض ورعت تأسيس مجلسًا حضرميًا.
كنتونات جغرافية.. لا وحدة ولا انفصال.. (سياسة المملكة حاضرًا)
يرى مراقبون أن المملكة العربية السعودية، بقدر ممانعتها لعودة دولة جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية على حدودها المتعارف عليها قبل عام 1990م، ليست متحمسة لفكرة بقاء اليمن موحدًا خصوصًا مع استئثار الحوثيين بجغرافيا الشمال، ويرى المراقبون بأن المملكة تسعى لإبقاء اليمن في حالة من اللاوحدة واللاإنفصال، على أن تكون هناك كيانات جغرافية متعددة، وشبه دويلات، ترتبط اسمًا بالجنوب وبالجمهورية اليمنية، وتخضع فعليًا للنفوذ السعودي، ما يسهل للملكة فرض أجنداتها ورسم خارطة نفوذها بالشكل الذي تريد.
مؤخرًا أُعلن في شبوة عن تأسيس مجلسًا قبليًا، أشارت أصابع المسؤولية عن تأسيسه إلى الرياض، وبالرغم من وجود تجمع قبلي يضم معظم قبائل شبوة، تحت مسمى حلف قبائل شبوة، إلا أن شخصيات قبلية معظمها قريبة من حزب الإصلاح سعت لتأسيس تجمع قبلي آخر، يحمل اسم “حلف أبناء قبائل شبوة”.
تم تشكيل التجمع القبلي من قبل علي حسن ، وهو زعيم صغير في حزب الإصلاح. تلقى المجلس تمويلا من المملكة العربية السعودية من خلال علي عامر الخليفي، أحد كبار قادة جماعة الإخوان المسلمين والمدير العام السابق مركز محافظة شبوة “مدينة عتق”.
وقبلها رعت المملكة بشكل علني تأسيس المجلس الوطني الحضرمي، الذي أتى تأسيسه أيضًا بالرغم من وجود مؤتمر حضرموت الجامع، الذي شمل غالبية ألوان الطيف السياسي الحضرمي، وحمل ذات الأهداف المعلنة من قبل المجلس الوطني الحضرمي، لكنه كحلف قبائل شبوة لم يتأسس تحت جنح الرياض ورعايتها.
وبهذا الخصوص يرى الصحفي صلاح بن لغبر، «بأن الهدف الأول من إنشاء مكونات في محافظات الجنوب، هو التوقيع على أي اتفاق مفترض مع الحوثيين في حال رفضت أي أطراف الاستسلام لعملية سلام تكرس دولة تحت هيمنة الحوثية» .
ويتابع: «أي بمعنى آخر تفكيك أي جبهة موحدة ترفض الهيمنة الحوثية من خلال مكونات متفرقة تعمل بعد ذلك تحت إمرة صنعاء الحوثية للسيطرة على المحافظات».
لكن القيادي في الائتلاف الوطني الجنوبي، عبدالله ناجي علي، فلا يتوافق مع هذا الرأي، ويرى «بأن تعدد المشاريع السياسية يمنح فرصة للمجتمعات المحلية لأن تختار المشروع الأفضل الذي يلبي احتياجات المواطنين».
ويضيف في تصريح للصدارة سكاي: «التعدد والتنوع ظاهرة صحية بالنسبة لنا خاصة ونحن في الجنوب عانينا كثيراً من الشمولية – الحزب الواحد والرأي الواحد وووووالخ من مفاهيم الشمولية التي اوصلتنا إلى باب اليمن»
ويذهب بالقول أنه «بالنسبة لاشقاءنا في قيادة المملكة العربية السعودية من حقهم أن يفكروا بمصالحهم خاصه في اليمن بشكل عام والجنوب بشكل خاص، فقط نريد من كل الدول في الخليج – السعودية والإمارات أن يراعوا مصالحنا أيضًا»
ويضيف «بأن المملكة العربية السعودية وهي الأقرب لنا جغرافيا وتربطنا معهم مصالح كثيره … إذا لماذا نضع مخاوف من تأسيس مكونات سياسية في الجنوب تدعمها ومؤيدة لها».
اعتراف سعودي بالسعي لإنشاء كيانات في الجنوب
لم يكن مؤتمر المجلس الوطني الحضرمي هو الوحيد الذي أوضح مدى رغبة المملكة العربية السعودية علانية في إنشاء كيانات سياسية في الجنوب، عبر رعاية المؤتمر وإشراف السفير آل جابر على كل برامجه، بل جاء اعتراف سعودي من القناة الرسمية السعودية بسعي المملكة لتأسيس كيانات جغرافية في الجنوب.
هذا الإعلان جاء في برنامج بثه التلفزيون الرسمي السعودي، تحدث عن عزم السعودية تشكيل مجالس سياسية في عدن ومحافظات لحج وأبين وشبوة والضالع، على غرار “مجلس حضرموت الوطني”.
ونقل رئيس مؤسسة وصحيفة “اليوم الثامن” صالح أبوعوذل، في تغريدة على منصة “تويتر”، عن برنامج “هنا الرياض” الذي تذيعه قناة “الإخبارية” السعودية، إن “الرياض تعتزم إنشاء كيانات سياسيات في العاصمة عدن وأبين وشبوة والضالع ولحج”.
مضيفاً: “زعمت القناة وعلى لسان المذيع ان الهدف من إنشاء هذه الكيانات في محافظات الجنوب، تأسيس لدولة يمنية اتحادية بنظام محلي واسع الصلاحية”.
يأتي هذا وسط حديث عن سعي السعودية لتأسيس مجلس مهري على غرار المجلس الحضرمي، لكنه الوضع في المهرة يتعدد فيه اللاعبون، وليست الساحة فارغة أمام المملكة للعب دور فيها بمنأى عن الجميع.
اللاعبون في المهرة.. الأهداف والنوايا:
المملكة العربية السعودية:
في عام 2017، بدأ توافد تدريجي للقوات السعودية إلى المهرة، ورويدًا رويدًا تزايدت أعداد القوات العسكرية السعودية في المحافظة، وبحلول العام 2019، كان السعوديون قد أنشأوا أكثر من 20 قاعدة وموقعًا عسكريًا في أنحاء المهرة، بحسب مصادر محلية، وتركز الوجود السعودي أكثر على ميناء نشطون المطل على بحر العرب ومطار الغيظة والمواقع الحدودية في منفذي شحن وصرفيت.
بالتزامن مع التحركات العسكرية، شرعت المملكة العربية السعودية، وعبر البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن في تقديم عددًا من المشاريع في المحافظة في مجال الصحة، والطاقة، والنقل، والمياه، والتعليم، والزراعة والثروة السمكية.
هذا الوجود السعودي يرى مراقبون بأنه أكبر من مجرد تنافس مع الجارة عمان، وأكبر من مجرد الحصول على نفوذ، ويذهبون لاستحضار الرغبة السعودية في بناء خط أنابيب لنقل النفط الخام السعودي إلى بحر العرب، وهي رغبة ليست بالجديدة.
هذه الرغبة تعززها الدافع الاستراتيجي لتقليص اعتماد السعودية على مضيق هرمز، الذي تمر عبره غالبية صادراتها النفطية والذي يمكن أن يتعرض بسهولة للتهديد من عدو المملكة اللدود، إيران، أو أحد أذرعها، فضلًا عن أن الأنبوب سيكون أيسر تكلفة لتصدير نفطها عبر البحر العربي.
سلطنة عمان:
في الوقت الذي كان ينظر لعمان على أنها اللاعب الخارجي الوحيد في المهرة، كونها تمثل العمق الحيوي لعمان حيث تربطها بالمحافظة روابط جوار وأواصر عائلية بين بعض القبائل، وتسعى لتعزيز حضورها قبليًا واجتماعيًا وتعزيز أواصر العلاقات الاجتماعية، من خلال التسهيلات التي تقدمها عمان لأبناء المحافظة منها المنح الدراسية، والمساعدات الإغاثية والطبية، واستقبال الحالات المرضية، التي يتم تحويلها من المهرة إلى عمان عبر منفذي صرفيت وشحن، بالإضافة إلى إنشاء مركز السلطان قابوس في مديرية شحن، وكذلك بناء بعض المنازل في عدد من المديريات للأسر الفقيرة وذوي الدخل المحدود عبر الهيئة الخيرية العمانية، إلا أنه لم يشفع للدولة الجارة أسبقية ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ في المهرة، المتجسد في الترابط الاجتماعي بين القبائل المهرية وأهالي ظفار العمانية، إلا أن السعودية تحاول فرض حضورها بقوة، وإن على حساب الوجود العماني، لهذا لجأت عمان، لدعم القبائل المهرية، لتحقيق حالة من الضغط على السعودية بين حين وآخر، تنديدًا بتواجد قواتها في المهرة، في ظل غياب شبه تام من قبل الحكومة اليمنية.
الإمارات العربية المتحدة:
أما الدور الإماراتي فقد تراجع كثيرًا في المهرة، وسلمت القوات الإماراتية المجمع الحكومي للسعودية في العام 2018 وانحصر التواجد الإماراتي بعد ذلك في واجهة الدعم الإنساني من خلال الهلال الأحمر الإماراتي.
أما على المستوى المحلي فينحصر الصراع والتنافس الأبرز على الوجود في المهرة بين المجلس الانتقالي الجنوبي، وحزب الإصلاح – ذراع الإخوان المسلمين في اليمن- ففي حين يكتسب الإصلاح نفوذه في المحافظة من خلال تواجده العسكري متمثلًا باﻟﻠﻮﺍﺀ 137 ﻭﺍﻟﻠﻮﺍﺀ 123 ﻣﺸﺎﺓ ﺍلتابعين للمنطقة ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴة، التي يدين معظم قادتها للحزب، ومن خلال بعض الشخصيات المهرية الموالية للحزب كوكيل محافظة المهرة السابق، سالم الحريزي، الذي تربطه علاقات وثيقة بنائب الرئيس اليمني الأسبق علي محسن الأحمر، وبالرغم من تمتعه بحضور عسكري، إلا أن حزب الإصلاح يفتقر لوجود قاعدة شعبية في المهرة، بعكس المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يستمد حضوره في المحافظة من خلال حضوره الشعبي البارز ، الأمر الذي يراه مراقبون الورقة الرابحة لتعزيز النفوذ، وهي ورقة مهمة في كل مكان وزمان، غير أن أهمية هذه الورقة تزداد برأي مراقبين في محافظة المهرة، التي لا تعرف الصراعات المسلحة، وكلمتها السلمية أشد تأثيرًا، فبناءًا على ذلك المعطى يُمكن الحديث عن قوة التأثير التي يملكها الانتقالي في المهرة، ومازال يحتفظ بها كفائض قوة، ليستخدمها عندما يقتضي الموقف».
وحتى الآن لا يبدو بأن المجلس الانتقالي الجنوبي، يستعجل وضع كل ثقله لتعزيز حضوره في المهرة، والدخول في معارك سياسية وعسكرية هناك، خصوصًا وأن أولوياته تقتضي حسم الصراع مع حزب الإصلاح في وادي حضرموت، وتعزيز حضور المجلس عسكريًا هناك، بعدما تمكن من إثبات وجوده في شبوة كأبرز الفاعلين فيها.
لقاءات سرية:
في تصريح ” للصدارة سكاي ” كشف رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة المهرة، مجاهد آل عفرار بأن هناك لقاءات سرية وعلنية، لتأسيس مكون مهري، موضحًا بأن زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، تأتي في ذات السياق.
وأشار آل عفرار في تصريحه 《للصدارة سكاي》إلى أن هناك مخططات ومؤامرات تحاك ضد الجنوب، والمجلس الانتقالي الجنوبي ، خاصة في محافظات شبوة وحضرموت والمهرة.
ويرى بن عفرار بأن مجلس حضرموت الوطني آلَ مصيره إلى الفشل، نتيجة رفضه من قبل المكونات الحضرمية، مشيرًا إلى أن السعودية لن تعمل على تأسيس مجلس جديد، وستتجه لدعم المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى بدلًا عن تأسيس مكون جديد قد يلقى مصير المكون الحضرمي.
جذور تاريخية للأطماع
لم يكن التوجه السعودي تجاه المهرة وليد اللحظة، بل كانت البدايات بعد تأسيس الدولة السعودية الحديثة، وتحديدًا في عام 1935، حين أرسل الملك عبد العزيز مستشاره البريطاني لإقناع سلاطين المهرة وحضرموت بالانضمام إليه، وحين قوبل المقترح بالرفض الداخلي، حاولت المملكة بعد سنوات، وتقريبًا في عام 1969، إنشاء جيش من المرتزقة، عرف آنذاك تحت مسمى “جيش تحرير المهرة وحضرموت” وهذا المخطط هو ما كشفت عنه سلطات اليمن “الديمقراطية الشعبية” الحاكمة للجنوب بتلك الفترة.
بعدها بسنوات وفي زمن الرئيس سالم ربيع علي المعروف بـ”سالمين” تحسنت العلاقة مع السعودية وحاولت هذه المرة استخدام الدبلوماسية لطرح مقترح مد أنبوب نفطي في محافظة المهرة، إلا أن المقترح لم يلقَ قبولا، لتعاود طرحة مرة ثانية في فترة الرئيس علي ناصر محمد في العام 1982 ولم تنجح مساعيها، وقد كانت في تلك الأيام تستغل الوضع الاقتصادي لليمن الجنوبي لتتمكن من تقديم اغراءات تنتهي بموافقتهم، غير أن الأمر لم يتحقق.
الخلاصة: