أثار القرار المفاجئ لجماعة الحوثيين بإقالة الحكومة التي يرأسها الشخصية الجنوبية الموالي للجماعة الحوثية،عبدالعزيز بن حبتور، النقاش حول مصير الوزراء والمسؤولين الجنوبيين في حكومة الحوثيين، بعد هذا القرار، ومدى حرص الحوثيين على التشبث ببقائهم في مناصب حكومية من عدمه، ومعه أعيد الجدل إلى الواجهة حول وضع المسؤولين الجنوبيين في حكومة الحوثيين، وما إذا كانت مناصب حقيقية، أم شكلية تسعى من خلالها الجماعة لتعزيز حضورها وخدمة أطماعها في الجنوب.
ومنذُ وصول الجماعة إلى صنعاء، واستيلائها على مقاليد السلطة هناك، سعت جماعة الحوثيين لاستقطاب شخصيات جنوبية إلى صفوفها، مستفيدة من تحالفها مع حزب المؤتمر الذي كان يحظى بحضور تنظيمي في محافظات الجنوب، ولاحقًا سعت الجماعة لاحتضان الجنوبيين الذين كانوا مقربين من الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، الذي تخلصت منه الجماعة في حرب شوارع خاضتها معه قبل أن تتمكن من تصفيته.
وبذات القدر الذي يثيره جدل حدود الصلاحيات الممنوحة من قبل الجماعة لهؤلاء المسؤولين الجنوبيين، تثار أيضًا الكثير من علامات الاستفهام حول دوافع هؤلاء للبقاء ضمن سلطة الحوثيين التي تخوض حروبًا تسعى من خلالها لإخضاع الجنوب لسلطتهم.
وخلال الأعوام التي رافقت الحرب عينت جماعة الحوثيين مسؤولين جنوبيين في مناصب حكومية، بينهم وزراء ورئيس الحكومة، كما قامت بتعيين محافظين جنوبيين لعدد من محافظات الجنوب.
استقالة أم إقالة:
قبل أيام من إصدار الحوثيين قرار إقالة حكومتهم كانت هناك أحاديث عن تقديم رئيس الحكومة عبدالعزيز بن حبتور استقالته لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي.
أبرز هذه التسريبات ما نقله موقع “العين” الإخباري الإماراتي، الذي أورد، أن بن حبتور تقدم برسالة الى زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي يطلب فيها إعفائه من منصبه “بسبب مصادرة صلاحياته وتعرضه لإهانات كبرى، من قبل قيادات الجماعة المتنفذين”، معللاً رغبته بالاستقالة بسبب “ظروفه الصحية”.
ومع أن الجماعة قد أصدرت لاحقًا بيانًا نفت فيه هذه الأخبار إلا أن إقالة الحكومة لاحقًا عزز من فرضية صدق هذه التسريبات، وهو أمر لطالما تكرر كثيرًا مع مسؤولين آخرين – الجنوبيين بالذات – تحدثوا بصراحة عن الإهانات التي يتعرضون لها على يد مشرفي الجماعة.
تلميح من المرشد عبدالملك يطيح بحكومة بن حبتور!
في 27 سبتمبر من العام الجاري أعلن زعيم الحوثيين عبدالملك بدر الدين الحوثي مرحلة “التغيير الجذري” في مناطق سيطرة جماعته، وتوعد في خطابه عشية ذكرى المولد النبوي أن التغييرات الجذرية في مؤسسات الدولة ستؤسس لمرحلة جديدة في تحسين دورها لخدمة الشعب.
وأضاف أن “التغيير الجذري كان يجب أن يتم بعد ثورة الـ21 من سبتمبر، لكننا شغلنا بالقتال”.
بعد الخطاب مباشرة عقد ما يعرف بمجلس الدفاع الوطني التابع للجماعة اجتماعًا طارئّا برئاسة رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للجماعة، مهدي محمد المشاط ليخرج المجلس بقرار إقالة حكومة عبد العزيز بن حبتور، وتكليّفها بتصريف الشؤون العامة العادية ما عدا التعيين والعزل.
وفي بيان رسمي صادر عنه أكد المجلس أن قرار الإقالة جاء استجابةً لما تضمّنه خطاب عبد الملك الحوثي – الذي لا يمتلك أي صفة رسمية في الدولة – والذي ألقاه بمناسبة المولد النبوي الشريف، حيث أثار هذا الأمر استهجان كبير لدى النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
يطرح معارضون لحكم الجماعة تساؤلات عدة بهذا الخصوص من هذا القبيل: ما هي صفة من أعلن عن هذا التغيير من الناحية الدستورية والقانونية، وما هو مسماه الوظيفي في الهيكل التنظيمي أو ضمن السلطات الثلاث الذي أقرها دستور الجمهورية اليمنية؟
اقتفاء أثر المرشد واستنساخ التجربة الإيرانية
منذ سيطرتهم على السلطة سعى الحوثيون إلى تغيير شكل وهيئة عدد من مؤسسات الدولة في صنعاء وبقية المحافظات القابعة تحت سيطرتهم بشكل متدرج، بدءًا بالمؤسسات ذات الطابع الديني والإيرادي، وهو ما تعتبره الحكومة الشرعية مسعى حوثي إلى تعزيز سطوتهم الدينية الطائفية على القطاعات كافة، والتي أضحت ترتبط بشكل مباشر بمكتب السيد الحوثي الذي يؤدي دور المرشد الأعلى، بمعزل عن الوزارات والمؤسسات القانونية الرسمية وأجهزتها التنفيذية والرقابية.
وخلال الأعوام الماضية حرص عبدالملك الحوثي، زعيم الجماعة، على الظهور بمظهر المرشد الديني، محافظًا على شخصيته المعنوية في الجماعة، يرسم السياسة العامة ولا يخفي أنه الوحيد من يمتلك قرار الحرب والسلم، لكنه يبتعد تمامًا عن التدخل ظاهريًا وعلانيةً بالتغييرات الرسمية في مناصب الدولة، لكن هذا الأمر اختلف هذه المرة حيث لم يخفِ الرجل حقيقة أنه الآمر الأوحد في شؤون السلطة والحكم، حيث دعى الرجل لتغيير جذري للحكومة.
مراقبون أكدوا بأن إقالة عبدالملك الحوثي للحكومة التابعة لجماعته، ينبئ عن محاولة استنساخ للتجربة الإيرانية بكل تفاصيلها، حيث يسعى عبدالملك الحوثي لتقديم نفسه كمرشد أعلى للثورة، كما هو الحال في إيران حيث يعتبر المرشد أعلى سلطة في الدولة، ويجيز له القانون إقالة حتى رئيس الجمهورية.
وشبه محللون التغييرات الحوثية المرتقبة والتي قال الحوثي بإن إقالة الحكومة مجرد بداية لها، بتلك المستمدة من مرحلة “الدفاع المقدس والتغيير الجذري” التي أعلنها المرشد الخميني بعد الثورة الإيرانية، واستمرت نحو 10 سنوات أعاد فيها تشكيل الدولة والمجتمع في إيران، وأنشأ مؤسسات تحمي سلطاته الدينية.
الوزراء الجنوبيون في الحكومة.. مصير يترنح بين الولاء والتشكيك
يتوقع محللون سياسيون أن التغييرات التي أكد الحوثيون على ” أنها ستكون جذرية” لن تستثني الوزراء الجنوبيين وقد تطال رئيس الحكومة عبدالعزيز بن حبتور، وباقي الوزراء الجنوبيين في حكومته، والذهاب نحو تشكيل حكومة “تشاركية صورية” تقف على رأس قائمتها شخصية جنوبية يكون دوره والوزراء الجنوبيين فيها أكثر هامشية وأقل تأثير من ذي قبل.
بينما يرى آخرون استحالة أن يتخلى الحوثيون عن الأسماء الجنوبية الحالية المنخرطة في حكومتهم، كونه من الصعب على الجماعة إيجاد أسماء بديلة من السياسيين المعروفين.
ويرى هؤلاء بأن المناصب والمواقع التي سيتم تكليفهم بها قد تتغير، لكن الأسماء تبقى ثابتة، مع استحالة استقطاب شخصيات جنوبية جديدة إلى صفوف الحوثيين.
وبغض النظر عن إبقاء الأسماء السابقة أو تغييرها بغيرها فإن هناك توقعات بمشاركة رمزية لأسماء جنوبية تعيش في صنعاء، لينخرطوا في المجلس السياسي أو الحكومة الخاضعين لسلطتهم، لكن ضمن عنوان الجماعة ذاته “الهوية الإيمانية”، وليس ضمن عنوان آخر .
أبرز الأسماء الجنوبية في حكومة الحوثيين:
عبدالعزيز بن حبتور:
رئيس وزراء حكومة الحوثيين المقالة مؤخرًا، وكان قياديًا مقربًا من الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وجرى تعيينه محافظًا للعاصمة عدن من قبل الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، قبل الحرب بأكثر من سنة، لكنه بقي مناصرًا لصالح الذي تحالف مع الحوثيين، ولكنه لم يناصره في حربه مع الحوثيين بعد فض تحالفهما، ما ساعد على بقائه بمنصبه بعد رحيل صالح، وحافظ عليه قبل إقالة حكومته قبل أيام.
فائقة السيد باعلوي
قيادية في حزب المؤتمر الشعبي العام، وكانت إحدى أبرز المقربين من الرئيس السابق علي عبدالله صالح وكانت تشغل منصب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة الحوثيين قبل إقالتها وتعيينها وزيرًا للدولة.
عبيد سالم بن ضبيع
يشغل حاليًا منصب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة الحوثيين، سبق وأن كان عضوًا بالهيئة الوزارية ومدير مكتب الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام.
الشيخ غالب مطلق:
يشغل حاليًا وزير الأشغال العامة والطرق في الحكومة المقالة، وكان عضوًا في فريق مؤتمر شعب الجنوب الذي انخرط في مؤتمر الحوار الوطني اليمني، المقام في صنعاء، ثم جرى تعيينه وزيرًا للدولة لشؤون مخرجات الحوار من قبل الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي، وعند اندلاع الحرب في العام 2015 انحاز للحوثيين وجرى تعيينه في عدة مناصب وزارية.
غازي احمد علي محسن
يشغل منصب وزير التعليم الفني والتدريب المهني وكان يشغل مناصب أمنية في عهد الرئيس اليمني السابق علي صالح واتهم بارتكاب جرائم بحق ناشطي الحراك الجنوبي في عدن والضالع التي تولى إدارة أمنهما في فترات مختلفة
علياء فيصل عبداللطيف الشعبي
هي ابنة الزعيم الجنوبي فيصل عبداللطيف الشعبي، رئيس الحكومة في جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، وتم تعيينها وزيرة حقوق الإنسان في حكومة الحوثيين قبل إقالتها وتعيينها وزيرًا للدولة
محمد سعيد المشجري
يشغل منصب وزير المغتربين في حكومة الحوثيين. كان أستاذ العلوم البيئية بجامعة حضرموت والرئيس السابق للهيئة العامة لحماية البيئة في اليمن.
الإقصاء وغياب الثقة
في 2 أغسطس الماضي، قال اللواء عبد الله الجفري إنَّ جماعة الحوثيين تمارس الإقصاء والتهميش والإهانة بحق القيادات الجنوبية في شمال اليمن.
وأضاف في لقاء متلفز مع قناة “الهوية” التابعة للجماعة: ” للأسف الشديد بعض القيادات في أنصار الله [الحوثيين] الذين يتخذون القرارات السياسية يتعاملون معي كأنَّي جنوبي درجة عاشرة. لا يمكن أن يثقوا فيك لو تكون حتَّى ابن محمد رسول الله”.
واتهم الجفري رئيس المجلس السياسي للحوثيين مهدي المشاط بالفساد. وأضاف: “هذه الرسالة أوجهها للرئيس مهدي المشاط، نقول له لقد تحدثت في لقاء لك بأنَّه لا خير فينا إذا لم نرفع الظلم عن أي مواطن من الشعب اليمني وها أنت تمارس الظلم بنفسك”.
وكشف الجفري عن حالة عميقة من الشك لدى الحوثيين تجاه الجنوبيين حتَّى أولئك الذين يفترض أنَّهم يشتركون سلاليا مع الحوثيين عبر العرق الهاشمي: “لم يشفع لي جدي الإمام علي. كجنوبي من المستحيل أن يثقوا فيك وأنت في نظرهم خائن”.
تشديد إجراءات ورقاب مكثفة (أسرى ام قادة):
لطالما ضل الكثير من المراقبين يطرحون أسئلة بين الحين والآخر عن هؤلاء المسؤولين وهل بمجرد كونهم آثروا البقاء في صفوف الحوثيين يجعلهم أصحاب صلاحيات حقيقة في المناصب الموكلة لهم؟! خاصة وأن غالبيتهم لم ينحازوا في بادئ الحرب إلى الحوثيين عن قناعة أو أيدولوجيا مرتبطة بهم، بقدر ما كانت هناك حسابات سياسية وأخرى شخصية للكثير من الباقين في صفوف الجماعة كالعلاقة مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وانعدام الخيارات أمامهم بعد رحيله.
لكن السؤال الأكثر إلحاحًا اليوم هو مدى نسبة الثقة التي يحطها هؤلاء المسؤولين بالحوثيين كي يبقونهم في مناصبهم، ومدى امتلاكهم الخيارات لفرض وجودهم وهل لازال الحوثيون عن قناعة يرغبون ببقائهم في مناصب ما في الحكومة التي ستشكل لاحقًا.
يؤكد مصدر مطلع في العاصمة اليمنية صنعاء “للصدارة سكاي” بأن الحوثيين وقبل أيام قليلة من إقالتهم لحكومة بن حبتور شددوا من رقابتهم وإجراءاتهم الأمنية على بعض الوزراء في حكومتهم المقالة، وبالذات الجنوبيين منهم بينهم رئيس الحكومة المقالة.
يشير المصدر الذي فضل إخفاء هويته، عن أن الحوثيين نصبوا نقاط تفتيش على مقربة من المنازل التي يقيم بها بعض هؤلاء الوزراء، وعلى غير المعتاد يدققون كثيرًا في هويات زائريهم، كما شددوا من إجراءات التفتيش على الخارجين من العاصمة صنعاء بشكل عام.
يضيف المصدر بأن هذه الإجراءات جعلت بعض الوزراء والمسؤولين يعيشون أشبه بحياة من فرضت عليهم الإقامة الجبرية.
وأكد المصدر “للصدارة سكاي” بأن هذه الإجراءات تأتي لضمان عدم هروب هؤلاء خارج العاصمة صنعاء، مع ازدياد شكوكهم بأن هناك جهات قد تستغل إقالة الحكومة لتستقطب هؤلاء إلى صفها الأمر الذي يعيد طرح علامات استفهام كثيرة حول المسؤولين الجنوبيين في حكومة الحوثيين وما إذا كانوا قادة أم أسرى؟!