اغتالت منظمة “شتيرن” الصهيونية المتطرفة بالقاهرة في 6 نوفمبر عام 1944، الوزير البريطاني المقيم في الشرق الأوسط والتر إدوارد غينيس، المعروف أيضا باسم اللورد موين. كان اللورد موين يتولى علاوة على مسؤولية إدارة السياسة البريطانية في فلسطين أيضا منصب وزير الدولة البريطاني لشؤون المستعمرات، وكان يعد صديقا مقربا من رئيس الوزراء البريطاني حينها ونستون تشرشل. تفاصيل عملية الاغتيال: توقفت سيارة اللورد موين وكان معه سائقه ومساعده وسكرتيره في يوم 6 نوفمبر عام 1944 أمام مقر إقامته بشارع حسن صبري بحي الزمالك في القاهرة، وحين هم الوزير البريطاني بمغادرة السيارة، انطلق الرصاص باتجاه السيارة، فأصيب اللورد موين بجروح خطيرة وفارق الحياة بعد ساعات كما قتل سائقه أيضا فيما لم يصب المساعد والسكرتير.
منفذا عملية الاغتيال حاولا الهرب بدراجتين هوائيتين إلا أنهما تعرضا للمطاردة من قبل مواطنين مصريين عاديين انضم إليهم شرطي مصري يدعى محمد عبد الله، تصادف وجوده قرب مسرح الجريمة. الشرطي المصري تبادل إطلاق النار مع المجرمين الهاربين، وجرى بنهاية المطاف القبض عليهما على جسر المالك فؤاد، وكان أحدهما قد أصيب بجروح. تبين أن منفذي عملية الاغتيال هما إلياهو بيت تسوري وإلياهو حكيم، وهما شابان يهوديان يعملان في الجيش البريطاني وينتميان إلى منظمة “ليحي” الصهيونية السرية المتطرفة المعروفة أيضا باسم “شتيرن”. عصابة “شتيرن” كان يقودها في ذلك الوقت إسحاق شامير ويسرائيل إلداد وناثان إلين مور، وهم من أصدر الأمر بتنفيذ الاغتيال. من المفارقات، أن اللورد موين كان أمر قبل بضعة أشهر من اغتياله برفع الحراسة الدائمة عن منزله، ولم تعد سيارته تواكبها عربات الشرطة. كما تبين لاحقا أن السلاح الذي نفذت به عملية الاغتيال كان له سجل حافل، وقد قتل بواسطته مسلحو عصابة “شتيرن” الصهيونية نائبا لمدير شرطة القدس وثلاثة رجال شرطة ومفتشي شرطة في مدن مختلفة من فلسطين.
كان لعملية الاغتيال صدى مدو في بريطانيا وفي فلسطين، وقد صرح في ذلك الوقت تشرشل أمام مجلس العموم بنبرة غاضبة قائلا: “إذا كانت جهودنا من أجل مستقبل الصهيونية تؤدي فقط إلى ظهور رجال عصابات جديرين بألمانيا النازية، فسيضطر الكثيرون، بمن فيهم أنا، إلى إعادة النظر في موقفهم تجاهها”، في حين وصف رئيس الوزراء البريطاني القتيل اللورد موين بأنه “صديق ليهود فلسطين”. المتطرفون في عصابة “شتيرن” كانوا يرون العكس ويعتبرون الوزير البريطانية عدوا، فيما يوصف اللورد موين بأنه كان مدافعا عن التسوية بين العرب واليهود في فلسطين، وأن مقتله كان بمثابة إحدى الخطوات في طريق الانسحاب البريطاني من فلسطين في عام 1948، وإقامة دولة إسرائيل، وأن مصرعه عجل بإطلاق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المتواصل حتى الآن. الصحافة البريطانية بما في ذلك العبرية أدانت حينها بشدة وغضب هذا “العمل الإرهابي”، كما تنصلت الوكالة اليهودية بشكل قاطع من عملية الاغتيال، وأعلنت أن منظمتي “الإرغون” و”شتيرن” خانتان لـ”القضية الوطنية”، ودعت إلى مقاطعتهما بشكل كامل. أما حديث تشرشل الغاضب عن “رجال عصابات جديرين بألمانيا الناوية” فكان مرده أن مؤسس تنظيم “شتيرن” الصهيوني المتطرف، ويدعى أبرهام شتيرن، فقد كان عرض على ألمانيا النازية المساعدة والعمل معا على طرد البريطانيين من الشرق الأوسط، وأقام اتصالات متعددة مع النازيين على مبدأ “عدو عدوي، صديقي”، وصاغ هذا الموقف في قوله: “العدو هو بريطانيا. ويجب علينا محاربة هذا العدو حتى الموت تحت أي ظرف من الظروف وفي أي حالة”، على الرغم من خدمات بريطانيا الجليلة للحركة الصهيونية ما في ذلك وعد بلفور. انطلقت محاكمة القاتلين إلياهو بيت تسوري وإلياهو حكيم بالقاهرة في 10 يناير 1945، وأصر “الإرهابيان” على موقفها وأنهما قتلا اللورد موين “باسم العدالة العليا”. قضت المحكمة بإعدام القاتلين شنقا، وتم تنفيذ الحكم في 22 مارس عام 1945، فيما تم نقل رفاتهما بعد مرور 30 عاما إلى إسرائيل، حيث دفنا مع مرتبة الشرف العسكرية على جبل “هرتزل” في القدس. مراسم دفن الرفات جرت في 26 يونيو عام 1975 بحضور رئيس الوزراء الإسرائيل إسحاق رابين، وقام بتأبينهما عضو الكنيست الإسرائيلي إسحاق شامير، وكان واحدا من قادة عصابة “شتيرن” المتورطين في ذلك الاغتيال! القاتلان اللذان تنصل اليهود منهما رسميا في عام 1944، أصبحا بطلين لاحقا، وأطلق اسماهما على عدة شوارع، وتم إصدار طوابع بريد تخلدهما، وكتبت عنهما الكتب وألفت الأغاني.