مرَّ عامٌ كامل على هجمات جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، على موانئ تصدير النفط في حضرموت وشبوة، بطائرات مسيرة، الأمر الذي أدى إلى إيقاف كلي لعملية تصدير النفط إلى الخارج، ما يهدد بمزيد من التدهور الاقتصادي في البلاد، الذي أصبح يواجه شبح الانهيار في ضل تراجع مستمر لقيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
هذه الهجمات أدت إلى فقدان الحكومة اليمنية، المعترف بها، أهم إيراداتها التي تعتمد عليها في توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين في المناطق الخارجة عن سيطرة الجماعة الحوثية، والتي تشهد تدهورًا مستمرًا في جميع المناحي.
ومع أن الفساد ينخر كافة أجهزة الدولة في اليمن، والكثير من أموال عائدات النفط تذهب إلى جيوب الفاسدين والمتنفذين برأي مراقبين، إلا أن التوقيف النهائي لتصدير النفط وضع الحكومة أمام معضلة كبيرة، وضائقة مالية سيدفع ثمنها المواطن المغلوب على أمره.
ومع عجز الحكومة اليمنية، عن التصدي للهجمات الجوية، وتزايد قدرات الحوثيين العسكرية في مجال الصواريخ البعيدة والمتوسطة المدى، فضلًا عن سلاح المسيرات الذي تعتمد عليه الجماعة كثيرًا في هجماتها، والتي يعتقد أن مصدرها إيران، فإن الحديث عن العودة لتصدير النفط بات أمرًا متجاوزًا للواقع، وبالتالي فإن مؤشرات الانهيار الاقتصادي، بات أكثر احتمالية، خاصة مع الاعتماد الكلي للحكومة على عائدات النفط .
توطئة:
في 21 نوفمبر من العام الماضي، تعرَّض ميناء الضبة النفطي بمحافظة حضرموت، لهجوم بطائرة حوثية مسيرة.
وقبله كان الحوثيون قد تبنَّوا هجوما مُماثلا على الميناء الواقع في مديرية الشحر في 21 أكتوبر الماضي.
كما استهدفت الجماعة ميناء النشيمة النفطي بمحافظة شبوة في 19 أكتوبر من العام الماضي، وميناء قنا في 9 نوفمبر من العام الماضي. ولاقت هذه الهجمات إدانة إقليمية ودولية واسعة.
هذه الهجمات وبحسب الحكومة الشرعية المعترف بها حالت دون الاستمرار في عملية تصدير النفط إلى الخارج، فيما يسعى الحوثيون من خلالها التسبب بأزمة اقتصادية خانقة في المناطق الواقعة خارج سيطرة الجماعة، أو فرض شروط مجحفة على المملكة العربية السعودية، وأطراف الشرعية مقابل السماح بتصدير النفط.
ويصر الحوثيون على دفع مرتبات الموظفين في مناطق سيطرتهم، وفقًا لكشوفاتهم التي شملت عشرات الآلاف من الموظفين الجدد الذين زجت بهم الجماعة في أجهزة الدولة المختلفة وبالذات العسكرية والأمنية منها، أو الحصول على ما تتجاوز نسبته ستين بالمئة من عائدات النفط مقابل السماح بتصديره.
وفيما لا تبدو كل أطراف “مجلس القيادة الرئاسي” ممانعة لسياسة الابتزاز الحوثية الساعية لإخضاع الجميع لشروطها، فقد انبرى المجلس الانتقالي الجنوبي، بصورة واضحة ليؤكد رفضه لشروط الحوثيين، فيما لا يعرف مواقف الأطراف الأخرى في مجلس القيادة.
أرقام:
في ظل إيقاف تصدير النفط، بفعل المعادلة التي فرضها الحوثيون، يواجه اليمن بحسب تقرير صادر عن البنك الدولي، خلال العام 2023، انكماشًا في ناتجه المحلي الإجمالي البالغ 0.5%، وتراجعًا كبيرًا في الإيرادات الجمركية مع انخفاض واردات ميناء عدن، يصل إلى 61% لصالح ميناء الحديدة، الخاضع لسيطرة المليشيات الحوثية.
وفي آخر تقرير عن أكبر مؤسسة مالية دولية، يشير البنك الدولي، إلى أن هذه الصعوبات المالية، أجبرت الحكومة المعترف بها على الاستفادة من تسهيلات السحب الطارئة في البنك المركزي اليمني في عدن، ما أدى إلى زيادة بنسبة 10% في المطالبات على الحكومة في النصف الأول من عام 2023، وزيادة بنسبة 5% في الكتلة النقدية المتداولة”.
ومع مرور عام كامل على الهجمات الحوثية على موانئ تصدير النفط، بدت التأثيرات الاقتصادية أكثر وضوحًا، خاصة في الأشهر الأخيرة في ضل تراجع مستمر لقيمة العملة اليمنية، التي فقدت الكثير من قيمتها، وارتفاع سعر الكثير من السلع الأساسية، وانهيار الكثير من الخدمات.
وفي خمسة يونيو من العام الجاري، قال محافظ البنك المركزي اليمني أحمد المعبقي، في مقابلة تلفزيونية، إنَّ توقف صادرات النفط بسبب هجمات الحوثيين تسبب بفقدان الحكومة الشرعية نحو مليار دولار. كما تحدث عن فقدان نحو 700 مليار ريال يمني أيضًا من الضرائب والجمارك.
وفي ديسمبر من العام الماضي قال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي في مقابلة تلفزيونية إنّ الهجوم الحوثي على ميناء الضبة النفطي في حضرموت تسبب بإغراق مضخة النفط وخسائر بقيمة 50 مليون دولار.
بدوره أوضح رئيس الحكومة معين عبد الملك، خلال الجلسة الرئيسية لأعمال اليوم الثاني للقمة العالمية للحكومات المنعقدة في دبي، في الخامس عشر من فبراير من العام الماضي “أن مخزون قدرة اليمن على الصمود يستنزف، حيث انكمش الاقتصاد الوطني إلى النصف (منذ بدء الحرب)”.
وأضاف أنه “بسبب الهجمات الإرهابية الحوثية الأخيرة على المنشآت والموانئ النفطية، خسر اليمن حوالي 800 مليون إلى مليار دولار”.
في غضون ذلك، تواصل العملة المحلية انهيارها المتسارع، مسجلة أدنى قيمة لها منذ نحو عامين، إذ وصل سعر الدولار الأمريكي الواحد، في تداولات السوق المصرفية، في العاصمة عدن مساء أمس الإثنين، إلى 1537 ريال يمني.
الهجمات الحوثية إلتقاء الرغبة أم عائق وحيد لعملية التصدير
في حين تعزي الحكومة أسباب توقف تصدير النفط، إلى الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون قبل عام بطائرات مسيرة، على موانئ التصدير في محافظتي حضرموت وشبوة، لكن الصحفي والخبير الاقتصادي، ماجد الداعري، يرى عكس ذلك حيث يعتقد بأن قرار إيقاف تصدير النفط، ليس نتيجة الهجمات المعلنة من قبل الحوثيين فحسب،كما تساق اليهم الاتهامات اليوم من الشرعية والتحالف، وإنما نتاج لتقاطع مصالح الدول الكبرى الراغبة على إيقافه واستخدامه للضغط على الشرعية وأطرافها من أجل تقديم مزيد من التنازلات الأكبر لاستيعاب المليشيات الحوثية في قيادة الدولة وشرعنة قوتهم”.
ويرى الداعري بأن هذا الأمر “الخطير” قد يقود بالأخير إلى “تمكين الحوثيين من السيطرة على اليمن بالكامل، مقابل جنوحهم للسلام وضمان أمن واستقرار دول الجوار”.
ويؤكد الداعري في تصريحه “للصدارة سكاي” بأن الأزمة الاقتصادية تزداد تعقيدًا وتواصل العملة المحلية انهيارها المصرفي، كلما استمر إيقاف تصدير النفط وفشل الحلول السياسية وتعثر مفاوضات السلام، لان نتائج كل الازمات الاقتصادية والتعقيدات السياسية تنعكس على الوضع الاقتصادي والمعيشي بشكل عام.
ويشير الداعري في تصريحه “للصدارة سكاي” بأن أسباب تعقد الازمة الاقتصادية، وعجز الحكومة عن المحافظة على استقرار العملة، يكمن في غياب اي إصلاحات اقتصادية حقيقة، او محاربة للفساد الذي بات يهيمن على الجهات الايرادية، فضلًا عن تهرب الحكومة من اي تفعيل للقضاء وأجهزة الرقابة والمحاسبة، وعجزها عن ضبط عمل المؤسسات الايرادية واعادة تقليص المصروفات النفقات وحسن جمع الإيرادات وابعادها عن متناول مافيات النفوذ تداخلات المليشيات الناهية والمعطلة.
ويضيف: ” أيضًا محدودية الدخل الضريبي الجمركي مقارنة بحجم المصروفات والانفاق الحكومي المهول على مزايا عبثية ورواتب إضافية بالدولار تصرف لكبار مسؤولي الشرعية خارج الأطر الحكومية وبعيدا عن أجهزة الدولة وماليتها الغارقة في الفساد.
عجزٌ وتراجع ومخاوف من الانهيار
يرى خبراء اقتصاديون بأن الحكومة اليمنية لن تكون قادرة على مواجهة تبعات انهيار اقتصادي شامل، مع انسداد أفق إمكانية العودة لتصدير المشتقات النفطية، في ضل الشروط الحوثية التعجيزية، وفي ضل حديث عن نفاد المنحة المالية المقدمة من المملكة العربية السعودية والمقدرة بـ1 مليار و200 مليون دولار، وغياب أية مؤشرات على تقديم وديعة أخرى قريبة.
ويرى خبراء في الاقتصاد، أن الحكومة اليمنية، قد تكون أمام معضلة حقيقة في الأيام القليلة القادمة، التي قد تشهد تراجعًا أكبر في قيمة العملة، يصاحبه عجز حكومي حتى عن توفير المتطلبات الأساسية.
ويرى مراقبون بأن الحكومة اليمنية، المعترف بها دوليًا، قد تصل إلى مرحلة العجز عن دفع وصرف مرتبات موظفي الدولة، الأمر الذي سيفاقم من معاناة الناس، ويدفعهم للبحث عن فرص عمل خارج أسوار مهام الوظيفة الحكومية، كما هو الحال مع قطاع التربية والتعليم، الذي يشهد تسيبًا ونزوحًا للمعلمين نحو السلك العسكري، بعدما صار مرتب المعلم لا الجزء اليسير للاحتيجات الأساسية .
يشير الخبير الاقتصادي والناشط الجنوبي، ماجد الداعري ضمن مداخلته ل”لصدارة سكاي” بأن سبعين بالمئة من إجمالي موازنة الدولة من عوائد النفط قبل الحرب في اليمن، وبعدها أصبح النفط والغاز المصدر الوحيد المتاح للدخل القومي للشرعية تقريبا باعتبار مصادر الاتصالات والطيران والموانئ وضرائب كبار المكلفين واغلب موارد الدولة المركزية ماتزال تذهب لصنعاء، بينما تعتمد الشرعية كاملة على عوائد النفط والغاز والمنح والمساعدات الخارجية والودائع المجحفة وحقوق السحب من صندوق النقد.
وفي حين يعتقد البعض بأن الودائع والمنح المقدمة من الدول الخارجية، تعتبر أحد ركائز منع الانهيار، يرى الخبير الاقتصادي ماجد الداعري، بأن المنح النفطبة او الودائع “لا تعد مصدر دخل للعملة الصعبة لأنها مؤقتة ولا تحسب مصدر دخل يمكن الاعتماد عليها، في بناء اي سياسات نقدية او خطط ومشاريع حكومية ناهيك عن تبعتنها المرهقة للأجيال المقبلة”.
استغلال التجار وغياب الدور الحكومي
تغيب الحكومة اليمنية، عن أداء واجباتها تجاه المواطنين، وتحضر بقوة عند أي حديث عن وديعة، لتضع الاستراتيجيات والخطط لكيفية صرفها، الأمر الذي يجعل المواطنين بين نارين، نار الانهيار الاقتصادي، ونار التجاهل الحكومي واستغلال التجار.
ومع أي انهيار بسيط للعملة المحلية يسارع تجار السلع الأساسية، وغيرها من السلع لرفع الأسعار، منذ اللحظات الأولى لمراجعة سعر العملة، وهو ما يفاقم من الوضع المعيشي المتردي لدى المواطنين.
ويقوم التجار في عدن والمناطق المحررة برفع الأسعار وقتما يشاؤون دون أدنى حياء من ذواتهم، ودون أي رقابة من الجهات المسئولة، في ضل غياب تام لوزارة الصناعة والتجارة ومكاتبها في المحافظات، وباعتبارها الجهة المعنية بضبط المخالفات عن القيام بدورها كما يجب تجاه التجار المخالفين للتسعيرات، بل إن دورها يقتصر على فرض عملية كتابة ورفع التسعيرات، دون مراقبة العملية الفعلية للبيع والشراء للمواطنين، والتي تتجاوز أحيانا كثيرة موضوع ارتفاع سعر الصرف.
الخلاصة:
يرى مراقبون بأن استئناف تصدير النفط لا يمكن أن يتم الا بالتوصل إلى اتفاق سلام شامل وفقًا للمعادلة التي تمكنت المليشيات الحوثية من فرضها، والتي تعني بالمحصلة المساواة بين الشرعية ككيان متعدد الأطراف وبين المليشيات الحوثية، وذلك من خلال تقاسم تقاسم السلطة وموارد الدولة ومنها عوائد النفط .
ووفقًا لهذه المعطيات فإن كل مجالات الحياة المعيشية والخدمية واسعار المواد الأساسية المختلفة واجمالي الواردات تتأثر بالازمة الاقتصادية أكثر من غيرها، ما سيفاقم من الحياة المعيشية لدى المواطن المتضرر الأكبر من هذا الانهيار، وستتضاعف أعباء تحمل التكاليف الباهظة للسلع الأساسية، كون الأمر يتعلق باستمرار كارثة انهيار صرف العملة وعجز الحكومة عن إيجاد اي حلول.
ويرى مراقبون، بأن فشل الحكومة منذ أن كانت تصدر النفط وتتسلم المنح والمساعدات الخارجية لا يبشر بإمكانية إقدامها على عمل حلول سحرية للمحافظة على استقرار العملة وهي العاجزة عن صرف مرتبات فقدت مايصل إلى 80٪ من قدرتها الشرائية.