كشفت دراسة حديثة منشورة في دورية “ساينس” أن الفئران تمتلك خيالاً يُشبه الموجود لدى البشر. واُعتبِر الخيال منذ عقود سمة مميزة للجنس البشري، وظلّت مسألة ما إذا كانت الحيوانات تشترك في هذه القدرة المعرفية، قضية بحث علمي لسنوات عديدة.
يفتح هذا البحث الرائد آفاقاً جديدة في دراسة الإدراك الحيواني. وفي حين أن العلماء أدركوا منذ فترة طويلة القدرات المعرفية للحيوانات، فإن فكرة الخيال الحيواني تتحدى فهمنا السابق، كما تؤكد على الحاجة إلى مزيد من البحث والاستكشاف في القدرات العقلية للحيوانات، فضلاً عن الآثار الأخلاقية لهذه المعرفة.
وسيكون لفهم القدرات التخيلية للحيوانات آثاراً في مجالات مختلفة، بما في ذلك علم الأعصاب، وعلم النفس، وسلوك الحيوان.
والخيال البشري جانب معقد من قدراتنا المعرفية، فهو يسمح لنا بمحاكاة وإنشاء ومعالجة السيناريوهات العقلية غير المقيدة بقيود واقعنا المباشر.
وتعتمد قدرة البشر على الانخراط في دراسات أحلام اليقظة، وتصور السيناريوهات، والتخطيط للمستقبل على الأعمال المعقدة لدماغنا، وخاصة قشرة الفص الجبهي، والتي ترتبط بالوظائف المعرفية عالية المستوى.
ويتضمن استدعاء الذاكرة توليد أنماط نشاط محددة في الحصين تتعلق بالأماكن والأحداث، كما يخزن الحصين خرائط ذهنية للعالم تشارك في تذكر الأحداث الماضية وتخيّل السيناريوهات المستقبلية.
وتعمق الباحثون في الدراسة الأخيرة في احتمال أن الحيوانات، وخاصة الفئران، قد تمتلك شكلاً من أشكال الخيال.
وتُستخدم الفئران بشكل شائع في البحث العلمي لتشابهها المعرفي والعصبي مع البشر. وهدفت الدراسة إلى التحقق مما إذا كانت الفئران قادرة على المحاكاة الذهنية، وتصور السيناريوهات التي لم تكن موجودة على الفور في بيئتها.متاهة الواقع الافتراضي
ولتحقيق ذلك، طور الباحثون نظاماً متطوراً يجمع بين الواقع الافتراضي وواجهة الدماغ والآلة. وسمح هذا النهج المبتكر باكتساب رؤى غير مسبوقة بشأن الأفكار الداخلية للفئران.
وجرى تزويد الفئران بزراعة عصبية صغيرة يمكنها تسجيل وتحليل نشاط الدماغ. ثم وُضِعُوا في بيئة الواقع الافتراضي، حيث كان عليهم التنقل في متاهة للعثور على المكافآت.
عندما وُضِعَت الفئران في متاهة الواقع الافتراضي، أظهر نشاطها العصبي أنماطاً تشير إلى أنها لم تكن تتفاعل مع المحفزات الحسية المباشرة فحسب، بل كانت أيضاً تحاكي عقلياً سيناريوهات مختلفة.
ويشير هذا بقوة إلى أن الفئران تمتلك القدرة على التخيل والتخطيط للمستقبل، على غرار الطريقة التي يفعلها البشر عندما يتصورون حدثاً أو سيناريو مستقبلياً.
كما تلفت نتائج الدراسة إلى أن الحيوانات، حتى تلك التي لديها أجهزة عصبية بسيطة نسبياً مقارنة بالبشر، قد يكون لديها شكل من أشكال الخيال. ويمكن أن يكون لهذا آثار عميقة على فهمنا للإدراك الحيواني، فضلاً عن اعتباراتنا الأخلاقية عندما يتعلق الأمر بمعاملة الحيوانات ودراستها. وتوصلت الدراسة أيضاً إلى أن الفئران يمكنها أن تولد أنماط النشاط نفسها طوعاً، وتقوم بذلك لتذكر المواقع البعيدة عن موقعها الحالي.
ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة “تشونجكسي لاي” إنه يمكن للفأر بالفعل تنشيط تمثيل الأماكن في البيئة، دون الذهاب إلى هناك” حتى لو كان جسده المادي ثابتاً، فإن أفكاره المكانية يمكن أن تذهب إلى مكان بعيد جداً”.