الصدارة سكاي متابعات:
❒ عظمـة وشمــوخ:
غير بعيد عن القلعة العُثْمانيّة تقف قلعة دار الحيد شاهدةً على عراقة الضّالع بشموخها وكبريائها تتحدى كل الغزاة وأعداء الزمن، قلعة شمّاء شهيرة الامتناع بالغة الارتفاع.. كل هذه السّمات تختزلها قلعة دار الحيد، بعظمتها وعنفوانه، التي لا تقاوم؛ إذ جسّدت معاني الكبرياء والعزّة والشموخ بكل رقيّها وجمالها، حتى صارت لها مكانتها ورمزيتها.
تقع قلعة دار الحيد أو القلعة الأميرية البيضاء على قمة ربوة صخرية مرتفعة عن سطح مدينة الضالع إلى جهة الجنوب، وهي شامخةً محملة بعبق التاريخ وسبر أغواره التي لا تنتهي.
وتتكون (القلعة الأميرية) من أربعة أدوار، وتقع إلى الغرب من القلعة العُثْمانيّة التاريخيّة، وتلتف عليها أسوار عتيقة تتخللها أبراج المراقبة وشرفات دفاعية، وبنيت هذه القلعة لغرض الدفاع عن المدينة ولتكون مقرًّا لحكم أمراء الأسرة الأميرية؛ وهذه الأبراج الشامخة التي تحيط بالقلعة الأميرية كانت وظيفتها الأساسية حراسة عاصمة الإمارة، ولا تزال تلك التحصينات ماثِلة للعيان وشاهدة على حقبة زمنية من تاريخ الضالع الحافل بالمآثر الخالدة، الذي يحكي قصصًا عن مراحل مختلفة.
❒ عَبَقُ التاريخ في كل زوايا طرقاتها:
وتتميّز عمارة قلعة دار الحيد بهذا الشكل الهندسي الجميل، وبدقة وعظمة الفن المعماري، الذي يعكس التطور الملحوظ في فنون العمارة العسكرية من خلال طريقة عمارتها في تلك الحقبة الزمنية من تاريخ إمارة الضّالع، التي يعود تأسيسها إلى القرن الثالث عشر الميلادي، وهي أصغر وأقدم إمارة جنوبية، كما ذكرها المؤرخ أمين الريحاني في كتابه ملوك العرب.
وبجانب القلعة الأميرية توجد الكثير من المباني التاريخيّة التي لعبت دورًا حيويًا في تاريخ إمارة الضالع؛ فالقلعة لازال عَبَقُ التاريخ فيها حاضرًا، وتستطيع أن تستنشقه في كل زوايا طرقاتها، لدى كل بوابة، وعند كل صرح.
❒ الأسرة الأميرية التي حكمت الضالع:
وبالعودة تاريخيًّا إلى الوراء، فإن الأسرة الأميرية التي حكمت إمارة الضالع وملحقاتها منذُ أكثر من ستمائة عام، كان بداية تأسيس كيانها تحت اسم (إمارة خرفة) في بلاد حالمين، قد اتخذت من خرفة عاصمة لإمارة الضالع تحت حكم مؤسسها الأوّل الأمير شعفل الأميري، وهو من آل أحمد، إحدى القبائل اليافعية، وكان آخر حكام الأسرة الأميرية التي حكمت إمارة الضالع بالتسلسل الزمني واتّخذ من قلعة دار الحيد مقرًّا لحكمه، هو الأمير ـ شعفل بن علي شايف بن سيف بن عبدالهادي بن حسن بن أبوبكر بن حسين بن أحمد بن عبدالهادي بن أبوبكر بن أحمد بن صالح بن شعفل بن قاسم بن شعفل الأميري.
وقلعة دار الحيد الاستراتيجيّة بنيت في آخر حكم أمراء هذه الأسرة الأميرية بعد أن انتقلت عاصمتهم إلى مدينة الضالع من منطقة السرير بجبل جحاف إلى (دار الإمارة السُفلى) قبل أن تكون قلعة دار الحيد مقرًّا لآخر أمراء إمارة الضالع الأميرية من الفترة (1954 ـ 1967م).
وتذهب الروايات المتواترة عبر الأجيال المتعاقبة إلى القول بأن قلعة دار الحيد بناها الأمراء من (آل أحمـد) على أنقاض بقايا إحدى القلاع القديمة التي تضرب بتاريخها سبر أغوار التاريخ للمنطقة، ولا زالت هذه القلعة صلبة المراس، رغم ما تعرضت له من قصف في الحرب الأخيرة، وتقف صامدة على تلة تراقب الأحداث عن كثب وكأنها الحارس الأمين لمدينة النضال والصمود، حتى يخيّل للمرء بأن هذه القلعة التاريخيّة المسماةُ بدار الحيد بمجرد مشاهدتها تجول بك الذكريات إلى فترة زمنية من الماضي التليد أثناء حكم (الأسرة الأميرية)، التي حكمت إمارة الضالع وملحقاتها بالتسلسل الزمني لأكثر من ستمائة عام؛ ولا يزال منظر القلعة يوحي بذكريات الماضي، وتشتد بها عزيمة البقاء الأزلي للمجد المتربع فوق سجل التاريخ؛ فهي القلعة التي صمدت في وجه الغزاة، وسجلت ملاحم بطولية تحكي قصّة التحام المصير ونخوة الرجال، ففي باحة القلعة تؤكد مسيرة الزمن وجودها وتتواجه الأحداث في منظر عجزت شطحات الأقلام عن وصفه..!
❒ عـرين المقاومـة ورمز الصمود:
إنّه دار الحيد عرين المقاومة ورمز الصمود والنصر المفعم برائحة البارود وعطر الدماء التي روت كلّ أركانه في واحدٍ وستين يومًا من الصمود الإسطوري.
وكل زائرٍ لمدينة الضالع لا بد أن تصافح عيناه قلعة دار الحيد التي تعلو المدينة، وكأنها تعانق السحاب، والتي تُعدّ أكبرُ مزارٍ تاريخيِّ وسياحي على الأطلاق نظرًا لبنائها الضخم والمتين، ولكونها أكثر القلاع متانة وتكاملا، ولتصميماتها الهندسية الفريدة وفق أبعاد عسكرية وتضاريس معينة؛ بل يأخذ هذا الدار الشكل المربع، الذي يتخلله فتحات وشرفات لأغراض دفاعية، وتشغل هذه القلعة موقعًا مميزًا واسترتيجيًّا في مدينة الضّالع، وقد أقيمت على أنقاض أطلال دارسة لبقايا حصن قديم.
والمتأمل إلى شموخ هذه القلعة يجد أن أمراء الضالع قد بنوا القلعة لتكون مقرًّا لحكمهم، ويمكن حصر فترة بنائها إلى نهاية حكم قائد معركة تحرير الإمارة وملحقاتها من الإحتلال الزيدي عام 1928م، الأمير الثائر نصر بن شايف بن سيف بن عبدالهادي حسن الأميري، وبداية حكم ابن شقيقه الأمير شعفل بن علي شايف الأميري.
❒ رمــزًا مهمًا للضالع:
وتطل هذه القلعة الشامخة على أجزاء كبيرة من مدينة الضالع، ومع التوسع العمراني الملحوظ باتت هذه القلعة الجميلة بكبريائها وشموخها تتوسط المدينة وتشرف عليها من جميع الجهات وتوفر هذه القلعة التاريخيّة لزائر اليوم فرصة فريدة لمعايشة التاريخ عن قرب.
وتبقى قلعة دار الحيد شاهدة على أصالتها العريقة وأهميّتها الجيوستراتيجيّة والجيوسياسيّة والجيوعسكريّة والجيوثقافيّة، وكانت وما زالت تلعب دورًا كبيرًا في إعطاء صورة رائعة عن أصالة تاريخ هذه المدينة التي أرتبط اسمها بالتاريخ النضالي، وتصديها للغزاة في كل المنعطفات والمراحل التاريخيّة ليطلق عليها اسم:(الضالع..مقبرة الغزاة)؛ فقلعة دار الحيد لها أهميّة تاريخيّة كبيرة في تاريخ إمارة الضّالع، وتمثل رمزًا مهمًا للضالع، فالموقع الذي أقيمت عليه القلعة لم يكن بمحض الصّدفة؛ بل موقع مهم في مكان حساس على شريان المدينة من جميع الاتجاهات.
[المكتبة الوثائقية الأميرية ـ الضالع] كتب / شايف محمد الحدي