تحاول إسرائيل تقديم حربها ضد غزة بأنها حرب ضد حماس، ولكن الواقع أنها حرب واسعة ضد الشعب الفلسطيني وستخوض معارك مسلحة ضد العديد من الفصائل الفلسطينية في غزة المسلحة التي يمكن أن يكون بعضها أكثر حزماً ضد إسرائيل من حماس نفسها. وتتوقع صحيفة The Times البريطانية في تقرير لها أنه في ظل سعي إسرائيل للقضاء على حماس أن تكون معركة طويلة ودموية نظراً لأن حماس جماعة راسخة بقوة في غزة وتدعمها فصائل أخرى مسلحة جيداً كانت إلى جانبها أثناء هجومها في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ورغم أن أيديولوجياتها وتكتيكاتها قد تختلف، تشكل هذه الفصائل جزءاً لا يتجزأ من الحركة الوطنية الفلسطينية الأوسع، ومهما كان مصيرها المباشر في غزة، فإنها ستظل سمة لا مفر منها من سمات المشهد السياسي في الضفة الغربية وخارجها، حسب تقرير المجلة البريطانية.
وتقول المجلة إنه بدون رؤية واضحة لقطاع غزة في مرحلة ما بعد الصراع -وخاصةً خطة لملء الفراغ الذي قد ينشأ إذا دُمِّرَت حماس- فإن الهجوم البري الإسرائيلي سوف يكافح من أجل التكيف مع الديناميكيات المعقدة للحكم والأمن التي ستنشأ، حيث ستناور الفصائل من أجل السيطرة على السلطة في غزة.
وسبق أن حذر قائد حماس في غزة يحيى السنوار في خطاب باسم كل الفصائل المسلحة إسرائيل إن حاولت احتلال غزة، قائلاً إن “عدد المقاتلين في القطاع يُقدر بحوالي 70 ألفاً من الشباب، سيخرجون من باطن الأرض بمضادات دروع، وسيطلقون صواريخ ستحيل مدن إسرائيل إلى مدن أشباح”، وإنّهم يملكون مئات الكيلومترات من الأنفاق تحت الأرض، وآلاف الكمائن، وجميعها صُنعت في غزة.
كما هدّد السنوار إسرائيل، بقدرة المقاومة على ضرب تل أبيب مدة ستة أشهر متواصلة، برشقات صاروخية متتالية، تفوق أعدادها عشرات المرات ما تعرضت له من قصف خلال عام 2014.
إليك أبرز الفصائل الفلسطينية في غزة حماس تنبثق من جماعة الإخوان وأقامت إدارة مدنية فعالة رغم الحصار وشعبيتها زادت ورغم أن الحكومة الإسرائيلية قد ساوت حماس بتنظيم داعش من أجل حشد الدعم الغربي، فإنهما مختلفان كثيراً. تتبنى حماس شكلاً من أشكال الإسلام السياسي المتجذّر في القومية الفلسطينية، وفقاً لتقرير صحيفة The Times.
إذ انبثقت الحركة من رحم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ونشأت بشكلها الحالي في الثمانينيات، ورسخت جذورا عميقة لها في مجتمع غزة على مر العقود، بناءً على نضالها المستمر من أجل الحقوق الفلسطينية والقدرة على تقديم الخدمات المحلية والحكم، مما أدى في النهاية إلى إنشاء خدمة مدنية فعالة يعمل بها 40 ألفاً من سكان غزة، حسب الصحيفة البريطانية.
وأدى تزايد الدعم الفلسطيني للمقاومة المسلحة ضد إسرائيل خلال العامين الماضيين إلى تمكين الحركة من تعزيز مكانتها المحلية.
قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، أظهر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن نسبة التأييد الشعبي لحماس تبلغ 34%، أي على قدم المساواة مع منافستها العلمانية فتح. وارتفعت شعبية حماس منذ ذلك الحين، وخاصة في الضفة الغربية، حيث يرفرف علمها الأخضر في كل مكان على نحو متزايد. ويتناقض هذا الدعم الشعبي واسع النطاق مع التصورات الفلسطينية عن السلطة الوطنية الفاسدة التي يرى الكثيرون أنها باعت القضية الفلسطينية لإسرائيل.
كتائب عز الدين القسام، هي الجناح العسكري لحركة حماس، ورغم الحصار، فإنها طورت أسلحة عديدة بعضها بدعم تقني من إيران وحزب الله، منها صواريخ محلية الصنع وطائرات مسيرة وقذائف مضادة للدبابات بل إنها أعلنت بعد عملية طوفان الأقصى عن تطوير طوربيد بحري.
واكتسبت حماس قوةً بفضل زواج المصلحة مع إيران (وليس الانحياز الأيديولوجي)، وزودتها طهران بالأسلحة والأموال لمحاربة عدوهما المشترك، إسرائيل.
وتشير التقديرات إلى أن عدد مقاتلي كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، يبلغ نحو 25 ألف مقاتل. ووفقاً لإسرائيل، قُتل ما يصل إلى 5 آلاف منهم، رغم أن كبار قادتها العسكريين والسياسيين لم يُمَسوا، حسب الصحيفة البريطانية.
وهناك تقارير كثيرة عربية وغربية ترى بأن تقديرات إسرائيل لخسائر حماس بعيدة عن الواقع تماماً، ولم تظهر إسرائيل أي أدلة عليها مثل جثث شهداء حماس أو أهداف قيمة مدمرة.
وفي عام 2021، قال قائد كبير في الجيش الإسرائيلي إن حماس لديها 30 ألف رجل، من بينهم 400 كوماندوز بحري تلقوا تدريبات ومعدات متطورة لتنفيذ عمليات بحرية، إضافة إلى 7 آلاف صاروخ وعشرات الطائرات بدون طيار، حسبما نقل عنه موقع the Times of Israel.
وقد تكون هذه الأرقام قد ارتفعت بشكل كبير؛ لأن هذا التصريح صدر قبل أكثر عامين.
ويعتقد أن حماس تقسم قواتها إلى قوات كوماندوز أو النخبة وقوات عسكرية أساسية وقوات شرطة، إضافة لقوات احتياطية من المتطوعين والشباب، وقد تكون الأخيرة أكبر حجماً من التقديرات السابقة.
حركة الجهاد الأكثر راديكالية ضد إسرائيل وتسامحاً بالداخل ثاني أقوى الفصائل الفلسطينية في غزة هي الجهاد الإسلامي. منذ تأسيسها عام 1981 في مدينة رفح الحدودية.
يسمى الجناح العسكري للجهاد سرايا القدس، ويقدر عدد مقاتليه بما يتراوح بين سبعة وعشرة آلاف مقاتل، وكرست الجماعة نفسها لمحاربة إسرائيل، وتطوير قدراتها العسكرية الخاصة، بما في ذلك ترسانة كبيرة من الصواريخ الموجهة إلى البلدات الإسرائيلية.
وقد انبثقت الجهاد أيضاً من الشبكة الإسلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، ولكنها أكثر راديكالية من حماس، حسب الصحيفة البريطانية، واستلهمت أفكارها من الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
ولكن التأثر بالجانب الثوري للثورة الإيرانية جاء مع التأكيد على الطابع السني الفلسطيني لها، وأبرز مؤسسي الجماعة فتحي الشقاقي تلقى تعليمه في مصر وتأثر بالحركة الإسلامية فيها، حتى إن الكاتب المصري محمد مورو مؤلف كتاب عن الشقاقي وزميله في الدراسة أشار إلى أن الشقاقي كان يحذر في دوائره الخاصة من التأثر بالتشيع.
وأصبحت جماعة الجهاد أقرب إلى إيران تحت قيادة زعيمها الحالي زياد النخالة، الذي يُعتَقَد أنه يعيش تحت حماية حزب الله في لبنان، حسب الصحيفة البريطانية.
وعلى مدار العامين الماضيين، ساعد تدفق التمويل الإيراني على توسيع وجودها في الضفة الغربية في أماكن مثل مخيم جنين للاجئين، بالطبع تتجاهل الصحيفة البريطانية حقيقة أن السبب الرئيسي لصعود نشاط الجهاد في الضفة هو الجرائم الإسرائيلية بحق القدس وسكان الضفة وفشل السلطة في حمايتهم وكذلك تركيز قوات الأمنية الفلسطينية على إضعاف حماس لأنها تعتبرها منافس فتح السياسية الأساسية عكس الجهاد.
ورغم أن الجهاد جماعة صغيرة أو متوسطة نسبياً، ولكنها تحظى باحترام كبير من قبل أغلب الفلسطينيين حتى بعض الرافضين للمقاومة المسلحة، لأنها تركز على المقاومة أكثر من السياسة، كما أنها لعبت دوراً في التقريب بين فتح وحماس خلال الخلافات بين الحركتين قبل سيطرة حماس على السلطة في غزة، لدرجة أن الجهاد كانت تقصف إسرائيل أحياناً لتدفعها لاستهداف غزة، فيتوقف الاقتتال الفلسطيني.
ورغم أن الجهاد ينظر لها كأقصى الطيف الإسلامي من بين الجماعات الفلسطينية الرئيسية ولكنها على الأرض كان لديها دوماً تنسيق مع الجزء المقاوم من فتح، وفي الوقت نفسه رغم أنها لا تنافس فتح في السياسة ولكن تنتقد نهج السلطة الضعيف مع إسرائيل بشدة، والتنسيق الأمني مع الاحتلال.
الجناح العسكري لفتح ما زال موجوداً ويجب ملاحظة أن الجماعات المسلحة في غزة ليست كلها إسلامية. تتمتع كتائب شهداء الأقصى بحضور كبير، وهم الجناح المسلح لفتح، أكبر حزب سياسي في منظمة التحرير الفلسطينية (الممثل الدولي للشعب الفلسطيني، باستثناء حماس). وظهرت الكتائب كشبكة فضفاضة من الجماعات العسكرية خلال الانتفاضة الثانية، الانتفاضة الفلسطينية بين عامي 2000 و2005.
ورغم خلافاتها السياسية، تقاتل فصائل فتح بانتظام إلى جانب الجهاد الإسلامي وحماس في غزة والضفة الغربية. تاريخياً، كانت علاقة كتائب شهداء الأقصى غامضة مع القيادة العليا لفتح والسلطة الفلسطينية. ورغم أنه من المرجح أنهم يستفيدون من علاقاتهم مع بعض المسؤولين رفيعي المستوى، فهم لا يخضعون لسيطرة زعيم فتح، محمود عباس، الذي يواصل الدعوة إلى محادثات سلام مع إسرائيل بصفته رئيساً للسلطة الفلسطينية.
أعضاء فتح ذوو الميول الإسلامية أسسوا لجان المقاومة الشعبية التي تعد ثالث أكبر فصيل وخلق أعضاء فتح ذوو الميول الإسلامية شبكةً أخرى من الفصائل المسلحة، وهي لجان المقاومة الشعبية. ومن المحتمل أنها ثالث أكبر جماعة مسلحة في غزة، وحليف قوي لكل من حماس والجهاد الإسلامي.
وبينما تدعو الجماعة إلى الكفاح المسلح ضد إسرائيل ويُعتَقَد أنها مدعومة من إيران، فإنها تدعم أيضاً حل الدولتين من خلال إنشاء دولة فلسطينية.
وهناك الجبهة الشعبية والديمقراطية اليساريتان ثم هناك عدد من الفصائل اليسارية الأصغر الأعضاء بمنظمة التحرير الفلسطينية التي تقاتل في غزة. وتشمل هذه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وهما جماعتان ماركسيتان لينينيتان مخضرمتان تأسستا في الستينيات. اشتهرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بين عامي 1968 و1972 عندما اختطفت طائرات دولية.
وفي عام 2001، اغتالت الجماعة الوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي. وفي غزة، تعمل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بشكل رئيسي من خلال جناحها المسلح، كتائب أبو علي مصطفى. وتتمتع نظيرتها، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أيضاً بسجل حافل في مهاجمة الإسرائيليين والقتال جنباً إلى جنب مع حماس في غزة، رغم كونها أول فصيل فلسطيني مهم يؤيد حل الدولتين في السبعينيات.
أغلب الفصائل الفلسطينية في غزة المشار إليها تقيم علاقة جيدة مع حماس ولا سيما على صعيد العمل الميداني والأمني.
والجهاديون السلفيون.. إليك أبرز مجموعاتهم وعلاقتهم بحماس ينبغي التمييز بين هؤلاء القوميين الفلسطينيين والجهاديين السلفيين الذين يطمحون، مثل داعش، إلى إقامة خلافة إسلامية متطرفة في الشرق الأوسط. ويوجد عدد صغير من الجماعات السلفية الجهادية في غزة، بعضها تشكَّل على يد أعضاء في حماس الذين أُصيبوا بخيبة أمل مما اعتبروه مواقفها المُخفَّفة تجاه إسرائيل.
وتشكَّلت جماعات أخرى من قِبَلِ العشائر المحلية كوسيلة لزيادة نفوذها السياسي. وحارب بعض أعضائها مع تنظيم القاعدة ضد القوات الأمريكية في العراق، ويطالبون بإقامة إمارة إسلامية في غزة. لقد وقعوا تحت تأثير بيت المقدس –فرع داعش الذي يعمل في محافظة سيناء المصرية.
وهذه الجماعات في غزة مسؤولة عن عدد قليل من الهجمات على إسرائيل، بما في ذلك هجوم مثير للدهشة ضد معبر حدودي إسرائيلي في عام 2009. ولكنها استهدفت في الأغلب حماس، التي تنتقدها لعدم فرضها الشريعة الإسلامية.
حماس أبقت الجهاديين تحت السيطرة وباعتبارها اللاعب الأقوى في غزة، تمكنت حماس منذ فترة طويلة من إبقاء الجهاديين السلفيين تحت السيطرة ومراقبة العديد من الفصائل المسلحة الأخرى للحفاظ على القانون والنظام.
وأظهرت حماس أنها يمكن أن تلجأ للقوة لمواجهة أي محاولة لإقامة إمارة سلفية بغزة مثلما فعلت مع عبد اللطيف موسى زعيم جماعة سلفية تدعى “جند أنصار الله”، أعلنت قيام إمارة إسلامية بغزة عام 2009.
وقبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، عملت حماس أيضاً على منع الهجمات على إسرائيل كجزء من وقف إطلاق النار المتكرر على مدى العقد الماضي. وفي نهاية المطاف، رأت في ذلك فخاً سعى إلى استمالتها لإدارة الاحتلال الإسرائيلي نيابة عنها، حسب الصحيفة البريطانية التي تقول ولكن هذا يظهر أن الحركة قادرة على التفاوض والالتزام بالاتفاقيات مع إسرائيل، وفرضها على الجماعات المسلحة الأخرى، عندما ترى أن ذلك في مصلحتها ومصلحة القضية الفلسطينية.
كانت هذه الديناميكيات الداخلية الفلسطينية واضحة بالكامل خلال اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، والذي تعقد بسبب أن مجموعات أخرى مثل لجان المقاومة الشعبية والجهاد الإسلامي قد أخذت أسرى إسرائيليين في 7 أكتوبر/تشرين الأول. ومع ذلك، تمكنت حماس في النهاية من فرض الشروط الاتفاق عليها، مما أدى إلى إطلاق سراح عدد من الأسرى كانوا لدى حركة الجهاد الإسلامي.
إخراج حماس من المعادلة قد يغرق غزة إن إخراج حماس من المعادلة -وهو ما تسعى إليه إسرائيل- قد يُنظر إليه على أنه رد على هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول. ولكن هذه النتيجة تهدد بإغراق غزة في حالة من الفوضى المطولة، نظراً للافتقار المستمر إلى أي خطة قابلة للتطبيق لمرحلة ما بعد الصراع، والدور المهم الذي تلعبه حماس في مجال الحكم والأمن في مختلف أنحاء قطاع غزة.
وبدون قيام حماس بتطويق مقاتلي القطاع للتوصل إلى اتفاق آخر لوقف إطلاق النار، فإن إسرائيل تخاطر بالتورط في معركة طويلة الأمد دون وجود إستراتيجية خروج واضحة -وهو بالضبط ما تريد تجنبه. من شأن أي تمرد أن يؤدي أيضاً إلى تعقيد الخطط الدولية لدفع المسار السياسي لتحقيق الاستقرار في غزة وإعادة السلطة الفلسطينية إلى السلطة.