الصــدارة سكــــاي: خاص
يعد ملف الاغتيالات السياسية التي طالت الكثير من القيادات العسكرية والأمنية والسياسية في جنوب اليمن، من أشرس دورات العنف السياسي التي شهدها اليمن خلال ثلاثة عقود ونيف من الزمن ولم تكن وليدة مرحلة ما بعد حرب العام 2015.
وشكلت الاغتيالات العنوان البارز للحقبة السياسية الممتدة من مطلع التسعينات حتى اليوم، وهي الحقبة التي أعقبت مشروع الوحدة بين الشطرين وبدأت فصولها قبيل انطلاق حرب اجتياح الجنوب في العام 1994م.
وتولدت قناعة لدى كثيرون في جنوب اليمن بأن التنظيم الإرهابي بشكله وطبيعته وحتى أيديولوجيته صار منذ زمن رهينة حسابات قوى سياسية في الشمال ولعبة بيدها، وهي تلك التي لا يروق لها، وليس من مصلحتها استقرار الوضع الأمني في الجنوب، الحافل بأرقام هائلة من الاغتيالات السياسية والعسكرية الغامضة التي استهدفت قيادات عسكرية كبيرة وشخصيات سياسية مهمة فيه، وفي كل مرة كانت أصابع الاتهام موجهة نحو القوى السياسية والدينية في الشمال.
مؤخرًا عاد هذا الملف للبروز مرة أخرى على خلفية التقرير الاستقصائي الذي بثته قبل قناة BBC الناطقة بالعربية تحت عنوان “حرب اليمن السرية” والذي أثار الكثير من الجدل في الأوساط السياسية اليمنية في الجنوب والشمال على السواء، وصار حديث الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي.
واستعرض التقرير عددًا من الاغتيالات التي جرت في العاصمة عدن خلال الفترة التي تلت تحرير المدينة من الحوثيين في العام 2015م، مركزة على ما قالت أن الإمارات العربية المتحدة تقف وراءها.
وفي حين هلل للتقرير نشطاء مناهضين للمجلس الانتقالي الجنوبي ودولة الإمارات، شكك مراقبون جنوبيون بمصداقية ما أورده التقرير عن حالات الاغتيال، والذي خلى من أي إشارة لجملة الاغتيالات التي طالت شخصيات عسكرية وسياسية وإعلامية واجتماعية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وبعضها مقربة من دولة الإمارات العربية المتحدة، وأورد معلومات مغلوطة وغير دقيقة بحسب رأيهم.
وأوردت القناة في تقريرها مقاطع من مقابلة لها مع اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، والتي جرى اجتزائها بما يخدم توجه الصحفية التي أجرت المقابلة بحسب مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي.
هل سقطت مهنية BBC ؟
خلال فيلمها الاستقصائي تطرقت القناة لعملية اغتيال قائد المقاومة الجنوبية بعدن أحمد الإدريسي الذي قال التقرير أنه رفض تسليم الميناء للقوات الحكومية، وهو أمر مجافي للواقع ويسيء لشخص الشهيد احمد الإدريسي بحسب ناشطين جنوبيين.
وحصلت “الصدارة سكاي” على تأكيدات من أعضاء في مجلس المقاومة الذي كان يرأسه الإدريسي تفيد بأن عملية الاغتيال أتت فورًا بعد تسليم الإدريسي الميناء لقوات الأمن الحكومية الأمر الذي يتنافى مع ما أوردته القناة في تحقيقها.
وأشار أعضاء في مجلس المقاومة إلى أن الإدريسي كان يصر على تسليم مؤسسات الدولة لقوات الأمن التي تشكلت حديثًا حينها، رغم معارضة عدد قليل من أعضاء المجلس لهذا الأمر كما أن الشهيد الإدريسي كان على علاقة طييبة مع الإماراتيين.
وابتدأت القناة تحقيقها بحديث ومداخلات لاثنين ممن قالت بأنهم مرتزقة أمريكيون يتبعون شركة تُدعى spaer المتخصصة بالاغتيالات، وجرى استقطابهما إماراتيًا، لتنفيذ اغتيالات ضد سياسيين ونشطاء في عدن وفقًا للقناة.
تحدث الرجلان “المرتزقة” عن إحدى محاولات الاغتيال الفاشلة ضد القيادي في حزب الإصلاح أنصاف مايو ثم مداخلة لأنصاف مايو نفسه.
خلال الحديث بدا واضحًا وجود تناقظ في سردية قصة محاولة اغتيال أنصاف مايو بين ما أورده هذان الرجلان وما ورد على لسان الشخص المستهدف في محاولة الاغتيال هذه (أنصاف مايو).
كشف الرجلان عن خوض المجموعة (اشتباكات ضارية) وتعرضوا لإطلاق نار كثيف لحظة وصول المجموعة إلى مكان تنفيذ العملية الأمر الذي يتعارض مع سردية أنصاف مايو نفسه الذي قال أنه سمع الانفجار ولم يكن يعرف أنه المستهدف إلا بعدما نشر أحد المواقع الإخبارية خبر يفيد باغتياله، مبديًا استغرابه من تواصل أصدقائه به وحديثهم عن محاولة الاغتيال كونه لم يكن يعلم بعد أنه المستهدف.
لم تكن جزئية أنصاف وحدهما ما يثير الشكوك بشأن حيادية التقرير، فبرأي مراقبين فقد أغفل التقرير الاستقصائي الذي بثته قناة BBC عمدًا أي حديث عن الاغتيالات التي طالت الكوادر العسكرية والسياسية الجنوبية، التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، ولم تحاول الوصول لأي معلومات من الجهات الأمنية المعنية في العاصمة عدن.
وبخصوص ناصر الشيبة الذي أوردته القناة في تقريرها كمتهم بتدمير البارجة الأمريكية USS Cole)) فقد طالعت “الصدارة سكاي” أسماء المتهمين بالتخطيط لتفجير المدمرة وتبين أنهم كلًا من: عبدالرحيم محسن الناشري، جمال احمد البدوي، فهد محمد القصع، مأمون احمد محمد سعيد، علي محمد صالح المرفدي، مراد صالح وجرى محاكمتهم بشكل علني فيما كان المنفذين كلًا من حسن الخامري وإبراهيم الثور اللذين لقيا حتفهما أثناء التفجير.
وسخر ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي من التقرير إذ من غير المنطقي أن يتم استجلاب مرتزقة بعشرات الملايين من الدولارات لكل واحد من أجل اغتيال أشخاص لا يمتلكون أي حراسات أو تحصينات كأنصاف مايو وهدى الصراري.
ولاقت الطريقة التي أجرت فيها القناة مداخلة للواء الزبيدي انتقادات واسعة، حيث تم تجزئة المقابلة واقتصاصها وتصوير جوانب من الحديث الجانبي ما قبل اللقاء الرسمي واعتبارها جزء من المقابلة فضلًا عن التلاعب بالإضاءة واللوكيشين في مداخلة الزبيدي، لتعمد إظهاره وكأنه في غرفة تحقيق، ما اعتبر عمل مسيء وغير لائق بحق قناة عالمية بحجم بي بي سي عربية.
ويقول الصحفي ماجد الداعري بهذا الخصوص: بأن ما جرى من نشر مشاهد ولقطات ماقبل التصوير وبطريقة مهينة يظهر فيها شخص يمر لثلاث مرات أمام الكاميرا لمحاولة التمويه بأن الكاميرات لم تبدأ التصوير بعد، والتلاعب بالإضاءة و استقدام إشارة لقطة بداية التسجيل الرسمي للحوار وكأنها كانت فعلا تمهيدا لبدء حديث الزبيدي ورده الاستغرابي من جرأة اسئلتها، والكثير من الأمور الغير مهنية وردت في التحقيق، لا تمت للحقيقة ولا تليق برسالة الإعلام وقيم العمل الاستقصائي وشرف العمل التحقيقي عموما.
ويرى الداعري بأن الزبيدي وسكرتيره الإعلامي وقعا ضحية حسن الثقة بقناة عالمية كالبي بي سي، حيث قال لا شك أن الزبيدي وسكرتيره الاعلامي قد أكلا المقلب بكل مرارته ولا يحتاج اي منهما لتبرير موقفه، بقدر مانحتاج جميعا إلى أن نضع أنفسنا في موقفهما والكل يعرف إمكانيات قناة اخبارية عالمية بمستوى إمكانيات وعلاقات بي سي سي حينما توجهها دولة عظمى لخدمة هدف ما، او للقيام بمهمة تحقيقية موجهة لتصفية حسابات مع جهة او دولة ما.
ويضيف: إن الزميل الهدياني، صحفي بلغ العالمية بكل جدارة وشرف وكفاءة واقتدار عمل ونشر تقاريره في صحف عالمية باللغة الإنجليزية التي يجيدها بكل براعة وإتقان ووجوده ضمن فريق الزبيدي مكسب للأخير لا يقدر ثمنه ويعرف قدره احدا أكثر منه كمستفيد منه وليس العكس.
وأكد الداعري أنه سبق وأن وقع جهابذة الإعلام ووزراء وكبار طحاطحة مساعدي زعماء وملوك وامراء، ودفع بعضهم حياته ثمنا لذلك، وليس مجرد خيانة زميلة استغلت حسن الثقة فيها ففجرت كعادتها في محاولة استعراض وقاحة أسئلتها وخروجها عن كل قيم المهنة وسياقات العمل الاعلامي وليس موضوع ذلك الحوار الذي أجرته في يونيو 2023 بلندن ولم تنشره القناة حتى اليوم.
وأشار إلى أن الهدف من اللقاء كان مقتصرا على تلك الجزئية المفخخة لمحاولة الصاق تهمة او علاقة له وكيان سياسي يترأسه بجرائم اغتيالات، بجريرة أنه مدعوم من دولة تحاول القناة البريطانية الموجهة استخباراتيا تصفية حسابات قذرة معها، وعلى حساب الجنوب المحكوم واقعيا منه ودون أي اعتبار لمكانته كشخصية حكومية بمستوى نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الحاكم للجمهورية اليمنية باعتراف المجتمع الدولي.
ويعتقد مراقبون بأن القناة قد حادت عن المهنية في تقريرها، وخانت شرف المهنة، وسقطت في وحل تزوير الحقائق، باستعراض معلومات خاطئة في تقريرها وتجييرها لاستهداف طرفًا معينًا دون منحه الحق في الرد على ما ورد من معلومات.
تاريخ الاغتيالات في الجنوب… السلاح الأخطر للخصوم
بعد إعلان الوحدة اليمنية، وقبيل حرب اجتياح الجنوب، برزت عمليات تصفيات واسعة ضد كوادر الحزب الاشتراكي اليمني، واستمر المسلسل بعد الفترة التي أعقبت حرب صيف أربعة وتسعين، بل أخذ الأمر بالتصاعد خصوصًا بعد انطلاق الحراك السلمي الجنوبي الذي تعرض الكثير من نشطاؤه وقياداته للتصفية على أيدي قوات أمنية أو مسلحين مجهولين.
استمر مسلسل الاغتيالات بعد إسقاط نظام صالح وسيطرة الإخوان المسلمين على السلطة، وجرت عمليات تصفيات ممنهجة لقيادات ونشطاء جنوبيون، واستمر الأمر بعد مرحلة سيطرة الحوثيين على صنعاء ومحاولات تقدمهم صوب الجنوب.
في كل مرحلة من هذه المراحل دفع الجنوب فاتورة كبيرة من قياداته وكوادره، ولم تكن هناك مرحلة قد خلت صفحاتها من عشرات أو مئات من أسماء قيادات جنوبية جرى تصفيتها بطريقة أو بأخرى.
أولى فصول الاغتيالات:
بدأت أولى فصول الاغتيالات التي طالت الكوادر العسكرية والسياسية الجنوبية بعد أشهر قليلة من إعلان الوحدة، وزادت حدتها بعد استيعاب “النظام اليمني بعض الشخصيات الجهادية ضمن هيكليته في الحكومة والجيش حينذاك، وقادت معه الحرب على الجنوب عام 1994، باعتراف من رئيس الوزراء اليمني في حينه عبدالكريم الإرياني، وشهادات أطلقتها لاحقًا قيادات من تنظيم ما كان يعرف بالأفغان العرب”.
ومن أبرز الشخصيات التي تمت تصفيتها في تلك الفترة – فترة ما بعد الوحدة وما قبل حرب 1994م – اغتيال السياسي الجنوبي حسن الحريبي ومستشار وزير الدفاع وعضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي ماجد مرشد، كما تعرض كبار القادة الجنوبيين لمحاولات اغتيال بدءا من علي سالم البيض مرورًا بحيدر العطاس وياسين سعيد نعمان وسالم صالح محمد، وأنيس يحيى، وعلي صالح عباد (مقبل).
وبحسب مصادر رسمية فقد بلغ عدد الذين تعرضوا للاغتيال في تلك الفترة التي سبقت اجتياح الجنوب، أكثر من 160 من الشخصيات السياسية والعسكرية الجنوبية المنتمية للحزب الاشتراكي اليمني.
الاغتيالات ما بعد حرب صيف 1994
سلسلة الاغتيالات المنظمة تلك شهدت موجة ثانية أعقبت اجتياح الجنوب، تعرض خلالها العشرات من الضباط الجنوبيين لاغتيالات غامضة، تم تحميل مسؤوليتها للتنظيمات الإرهابية مثل القاعدة ولكنها لم تخل يوما من الأبعاد السياسية، وشاب الكثير منها الغموض والغرابة، كاغتيال الدكتور “عبدالعزيز السقاف” عام 1999 بدهسه في شارع حدة بصنعاء.
ورغم مرور ما يقارب ثلاثة عقود على بعضها، ورغم تبدل الحكومات والأنظمة، فإنّ تفاصيل الكثير من عمليات الاغتيال لا تزال طي الكتمان، وغير معروفة تفاصيلها – خاصة تلك التي استهدفت قيادات عسكرية جنوبية كانت على هرم السلطة – وقيّد ملفات الكثير منها ضد مجهول فتتوقف معها لجان التحقيق عن البحث والتحري، وتتحوّل إلى فعاليات للتأبين وتعديد لمناقب الضحية”.
كما تم التخلص من الكثير من القيادات العسكرية الجنوبية بينهم قيادات ألوية ومحاور عسكرية، عن طريق زجهم في حروب صعدة الستة، وهي الحروب التي عكست التنافس على السلطة بين علي صالح وعلي محسن الأحمر الذي سعى كل واحد منهما لاستنزاف الآخر بها، وذهبت الكثير من القيادات الجنوبية وقودًا لهذا الصراع.
وقد بلغت عمليات الاغتيالات التي نفذتها قوات النظام اليمني السابق وأجهزتها الاستخباراتية ما بين عام 1995 إلى 2007، ضعف عدد من تم اغتيالهم ما قبل حرب 1994.”
الاغتيالات في حقبة الحراك السلمي
لم يقف مسلسل الاغتيالات عند استهداف القيادات العسكرية والسياسية المعروفة كما جرت العادة قبل حرب غزو الجنوب صيف أربعة وتسعين وبعده، بل تعدى ذلك لاغتيال ناشطين سلميين، وشباب الحراك السلمي الجنوبي، وأخذ مسلسل الاغتيالات طابعًا جديدًا هذه المرة، وأكثر عنفًا وكثافة، إذ كانت معظم عمليات الاغتيال تتم في وضح النهار، بعضها ينجح والآخر يفشل.
بحسب إحصائيات لمنظمات مستقلة فقد بلغ عدد الاغتيالات للضباط العسكريين والأمنيين خلال الفترة الممتدة من عام 2009 إلى 2013، 126 حالة اغتيال نفذت بحق ضباط عسكريين وأمنيين جنوبيين، ومنهم ضباط كبار يشغلون مناصب عسكرية مثل العميد الركن فضل محمد جابر الردفاني قائد منطقة ثمود العسكرية بحضرموت الذي تم اغتياله في وضح النهار أمام بوابة وزارة الدفاع بصنعاء في ديسمبر 2012.
هذا فيما يخص العسكريين والأمنيين في تلك الفترة، أما نشطاء وكوادر الحراك السلمي الجنوبي فقد طالت عمليات الاغتيال الكثير منهم، في وضح النهار من قبل الأجهزة العسكرية والأمنية الرسمية، المنتشرة في مدن ومناطق الجنوب، واستهدفت الاغتيالات بشكل ممنهج نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، وقيادات ميدانية، وشخصيات مؤثرة في الحراك السلمي الجنوبي على امتداد جغرافيا الجنوب.
ومنذ اندلاع شرارة الاحتجاجات السلمية في الجنوب وتأسيس فصائل الحراك السلمي الجنوبي، فقد راح ضحية السياسات القمعية للنظام اليمني، أكثر من 5 آلاف مواطن جنوبي ، بين مدني وعسكري، تعرضوا للتصفية الجسدية عبر تبني العديد من عمليات الاغتيال التي كانت تدار من قبل أجهزة السلطة لمواجهة المسيرات السلمية لشباب الحراك السلمي الجنوبي، وجرى اغتيالهم بالرصاص الحي تارة ، أو بتسيير دراجة الموت، التي يقودها مجهولون يوزعون رصاصاتهم تجاه كوادر عسكرية في عدن وحضرموت، أو مظاهرات سلمية في الضالع ولحج و شبوة ، في مشهد دموي اجرامي ، يحترف “صناعة الموت” لتقيد الجريمة ضد مجهول .
اغتيالات ما بعد حرب 2015 .. تخادم الحوثيين والإخوان
منذ تحريرها من الحوثيين في 2015، شهدت عدن موجة تاريخية من أعمال العنف والاغتيالات التي طالت قيادات أمنية وعسكرية، ورجال دين، وشخصيات مدنية.وتصدرت عمليات الاغتيال مشهد العنف في مدينة عدن، كان أبرزها اغتيال محافظ عدن الأسبق اللواء الركن جعفر محمد سعد، في 6 ديسمبر 2015، بسيارة مفخخة استهدفت موكبه غرب المحافظة.
وعلى مدى الأعوام اللاحقة شملت القائمة اغتيال عدد كبير من القيادات العسكرية والأمنية، وشخصيات سياسية، وقيادات في المقاومة الجنوبية.وأخذت الاغتيالات في هذه الفترة وحتى اليوم أشكالًا مختلفة، وتعددت الجهات التي أشيرت نحوها أصابع الاتهام، كما تعدد المتبنين لها، بينما اتفقت جميعها على استهداف القيادات العسكرية والسياسية الجنوبية، ومحاولة إفراغ الجنوب من كوادره.
وتورط الحوثيون بشكل واضح في الكثير من هذه الاغتيالات، واستخدمت الطائرات المسيرة والصواريخ في تنفيذها، حيث استهدفت عدد من القيادات العسكرية في منصة قاعدة العند بطائرات مسيرة أثناء إقامة عرض عسكري، وراح ضحيتها عدد كبير من القيادات العسكرية الجنوبية البارزة يتقدمهم اللواء صالح الزنداني، نائب رئيس هيئة الأركان العامة، واللواء محمد صالح طماح مدير الاستخبارات العسكرية، وعدد آخر من القيادات العسكرية.
كما تبنى الحوثيون استهداف القيادي البارز منير اليافعي المعروف بأبي اليمامة، قائد اللواء الأول دعم وإسناد، بصاروخ متوسط المدى استهدفه شخصيًا أثناء إقامة عرض عسكري لقواته، وراح ضحية الاستهداف عدد كبير من القيادات والجنود.وتمكنت القوات الأمنية من القبض على عدد من منفذي عمليات الاغتيال بمفخخات، بينما لاتزال بعضها غامضة حتى الآن.
وكشفت التحقيقات تورط أحد أبرز القيادات العسكرية الموالية لحزب الإصلاح أمجد خالد قائد لواء النقل بشكل رئيسي بالكثير من عمليات الاغتيال، وفقًا للاعترافات التي نشرت للمهتمين الذين تم القبض عليهم.
وكانت حادثة اغتيال اللواء الركن/ثابت مثنى جواس قائد محور العند في 23 مارس 2022م بسيارة مفخخة استهدفته في منطقة المدينة الخضراء شمال العاصمة عدن ، واعتراف الخلية المنفذة للعملية بتنفيذها الاغتيال بناءً على أوامر أمجد خالد المقرب من حزب الإصلاح، قد أكد مدى صحة ما يتردد عن تخادم إخواني حوثي لتنفيذ الاغتيالات في الجنوب، فالرجل ظل المتهم الأول بمقتل زعيم جماعة الحوثي حسين بدر الدين الحوثي في عام 2004م حيث قاد حينها كتائب الجيش اليمني الميدانية في الهجوم على معقل الحوثي، وكان أبرز مطلوب للجماعة الحوثية.
وبحسب مراقبين فإن استهداف القيادات العسكرية الجنوبية في منصة العند، واستهداف العميد أبو اليمامة – الذي احتفل باغتياله ناشطو حزب الإصلاح والحوثيون على السواء – ما كان لها أن تنجح لولا وجود تخادم بين الجماعتين، وتقديم إحداثيات للجماعة لتسهيل عملية الاستهداف.
وبحسب الاحصائيات فقد ذهب ضحية هذه الاستهدافات أكثر من أربعمائة شخص تصدرت القيادات العسكرية والأمنية قائمتها، بينما لم يسلم منها الصحفيون كالصحفي نبيل القعيطي الذي تم اغتياله بجانب منزله، وناشطون على وسائل التواصل مناهضون للأفكار الدينية المتطرّفة كعمر باطويل، وشخصيات دينية بارزة كالشيخ عبدالرحمن العدني والشيخ رواي وغيرهما.
واستمر مسلسل الاغتيالات التي استهدفت قيادات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، حتى بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في السابع من أبريل من العام 2022، لعل أبرزها كان حادثة اغتيال قائد الحزام الأمني بمحافظة أبين العميد عبداللطيف السيد، بل وتصاعدت وتيرتها أكثر ما اعتبره مراقبون مؤشرًا على الأبعاد السياسية لتلك العمليات التي تستهدف إفراغ الجنوب من الضباط المحترفين والقيادات وتحاول خلط الأوراق وإرباك المشهد وهي أمور لم تستعرضها البي بي سي في تحقيقها.
أرقام:
وتكشف إحصائيات لمنظمات حقوقية عن أكثر من (160) شخصية قيادية جنوبية استهدفهم “نظام صنعاء في المرحلة التي أعقبت الوحدة وسبقت غزو الجنوب (90 – 94)، فضلًا عن محاولات اغتيال أخرى فاشلة.وقد لقي 21 ضابطاً جنوبياً حتفهم في العام 2010م، ومع انشغال أطراف الصراع في صنعاء بأحداث 2011 انخفض معدل الاغتيالات قليلًا إلى (13) ضابطاً جنوبيا العام 2011 ولم يستمر هذا المعدل بالانخفاض بل عادت الاغتيالات بشكل أكثر وأسرع وتيرة، ليصل عدد من تم اغتيالهم خلال العامين 2012م و 2013م فقط، ما يقارب 90 جريمة اغتيال أودت بحياة كوادر أمنية وعسكرية وشخصيات أكاديمية واجتماعية وقبلية ودينية.
وتعددت الطرق والأساليب التي لقي بها ضحايا الاحتجاجات والاغتيالات مصرعهم، فالشاب عمر علي بازنبور، استقرت رصاصة في رأسه، أثناء مظاهرة شعبية بمدينة المكلا نهاية العام 2013م .
وفي نفس العام أصابت طلقه من سلاح “دوشكا” تابع لقوات الأمن المركزي الشاب محمد أحمد المشجري، واستقرت في رأسه أيضاً، بينما دهس طقم عسكري الشاب أحمد سلمان الهجري، وهو على متن دراجته النارية، برفقه زميلين له، ليفارق الحياة على الفور .
أما شهداء الاغتيالات من الكوادر العسكرية والأمنية، فمعظمهم لقي حتفه عن طريق إطلاق الرصاص الحي مع استخدام كاتم الصوت في أغلب الأحيان وسط شوارع المدن في المحافظات الجنوبية والشرقية من قبل أشخاص ملثمين يستقلون في الغالب دراجات نارية، كما حدث مع الضابط في جهاز الأمن السياسي العقيد عبدالله سالمين الرباكي، أو عن طريق استخدام عبوات ناسفة، كما هو الحال في عملية اغتيال اللواء الركن عمر سالم بارشيد، مدير كلية القيادة والأركان بالأكاديمية العسكرية العليا، والعقيد عبد الرحمن باشكيل، مدير البحث الجنائي بوادي حضرموت، فيما اغتيل عدد آخر من الكوادر العسكرية عبر عمليات مدبرة، كعملية اغتيال مدير أمن حضرموت العميد علي سالم العامري، الذي استشهد مع عدد من رفاقه في مديرية العبر.
أما الاغتيالات بعد تحرير عدن والجنوب من قبضة الحوثيين في العام 2015 فقد تجاوزت الاغتيالات أكثر من أربعمائة حالة اغتيال ناجحة، توزعت بين قيادات عسكرية وأخرى أمنية وجنود عاديين، ورجال دين، وشخصيات سياسية، وقيادات في السلطات المحلية، وناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي.
تصفيات بشعة
لم تكن الاغتيالات محصورة في تنفيذها على قمع المسيرات والمظاهرات، ولكن جرت هناك العديد من عمليات الاغتيال بأسلوب بشع، ولعل أبرزها ما تعرض له الناشط في الحراك الجنوبي بالعاصمة عدن أحمد الدرويش الذي تم اقتياده إلى سجن البحث الجنائي بخور مكسر في شهر يونيو من العام 2010، وهناك تعرض للتعذيب ومن ثم التصفية، عبر حقنه بحقنة فارغة سببت له شلل نصفي استمر لساعات قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة وفقًا لما صرحت به منظمات حقوقية دولية ومحلية، ليتم التعامل مع القضية من قبل النظام بكل برود، وجرى توقيف المتهم الرئيسي بعملية الاغتيال، ليتم الإفراج عنه لاحقًا وتهريبه من عدن بعد أشهر من التوقيف.
ولم تكن حادثة الدرويش وحدها من هزت الرأي العام المحلي، والمنظمات الحقوقية، فلقد جرى بذات الأسلوب اغتيال القيادي في الحراك السلمي الجنوبي، خالد الجنيدي، الذي تعرض هو الآخر للملاحقة من قبل أطقم تتبع الأمن المركزي ونفذت بحقه عملية اغتيال ميدانية، الأمر الذي اعتبرته منظمة العفو الدولية إعدام خارج القانون وقالت حينها أنه يجب على السلطات اليمنية إجراء تحقيق في إعدام ناشط سياسي رميًا بالرصاص، كذلك جرت حالات تصفيات أخرى لا تقل بشاعة، كاغتيال القيادي في المجلس الوطني – أحد مكونات الحراك الجنوبي- محمد محسن كباس، الذي أصيب في اشتباك مسلح مع قوات الجيش التي شنت حملة عسكرية لاستلام مديرية جحاف، وتم بعدها اختطافه ومن ثم تعذيبه وتصفيته في إحدى معسكرات الجيش بالضالع وفقًا لما أفاد به ناشطون قبل أن يتم إعادته جثة هامدة إلى ذات المكان الذي أصيب به.
كذلك الناشط في الحراك الجنوبي علي صالح الحدي الذي تم محاصرة منزله ليلًا ومحاولة اقتحامه ليخوض معهم الحدي معركة غير متكافئة انتهت باستشهاده، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل جرى سحل جثته والتمثيل بها وتم إفراغ عشرات من طلقات الذخيرة في جثته، كذلك الناشط في الحراك الجنوبي سيف علي غالب، الذي جرى اغتياله في أحد شوارع الضالع، ولم يتم الاكتفاء بقتله، بل قامت فرقة الاغتيال بدهسه والمرور فوق جسده بالسيارة التي تمت بها عملية التصفية.
الخلاصة: