بالرغم من محاولات مليشيا الحوثي -ذراع إيران في اليمن- تلميع صورتها بالتضامن مع القضية الفلسطينية ومساندة الفلسطينيين في مقاومة العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، إلا أن العالم لا يخلو من المراقبين والنشطاء الذين يعملون على تذكير الشعوب بحقيقة هذه المليشيا التي لا تخجل من تناقضاتها وانكشاف حقيقتها الدموية والانتهازية.
يرى مراقبون إقليميون ودوليون أن ربط مليشيا الحوثي هجماتها على السفن المرتبطة بإسرائيل ومؤخرا السفن الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر، حيلة دعائية لجأت إليها الجماعة التي لم تحظ باعتراف دول العالم عدا إيران، وأن الحوثيين يتعاملون مع حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة كونها فرصة ذهبية لتسجيل حضور إقليمي ودولي لعل اعترافا بهم يأتي من أي دولة. لكن حتى في ظل هذا الدأب المستميت من قبل الجماعة الحوثية وراء تحقيق مكاسب سياسية وقبول شعبي بها في المنطقة والعالم، يظل سجلّها الإجرامي بحق اليمنيين عصياً على المحو.
انكشاف ومحاولات بائسة للتميّز
يقول الباحث في الشأن اليمني بمنظمة هيومن رايتس ووتش، نيكو جافرنيا، إن ارتفاع الدعم الشعبي للمليشيا الحوثية لدى المتضامنين مع القضية الفلسطينية إقليمياً ودولياً قد يمنحها الغطاء لارتكاب المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان ضد الشعب اليمني. وتطرق جافرنيا إلى جرائم وانتهاكات الحوثيين وسلطتهم في مناطق سيطرتهم، وهي انتهاكات موثقة ومنها استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح ضد معارضيها، وتجنيد ونشر الآلاف من الجنود الأطفال، وقمع حرية التعبير والحركة النسائية، مذكّراً بحكم الإعدام الذي أصدرته محكمة حوثية في ديسمبر الماضي على الناشطة في مجال حقوق المرأة، فاطمة العرولي، بتهمة “تجسس” ملفّقة.
وأضاف جافرنيا الذي تحدث الجمعة، لمجلة فاينانشال تايمز: “لا أحد ينتبه إلى حقيقة أنه بينما يزعم الحوثيون حماية الفلسطينيين من إسرائيل، فقد حاصروا ثالث أكبر مدينة يمنية، تعز، لمدة تسع سنوات”.
أما الباحث في الشأن اليمني بمعهد الشرق الأوسط للدراسات، إبراهيم جلال، فيرى أن الحوثيين أظهروا منذ فترة طويلة أنهم “بارعون” في الدعاية، وأن الطريقة التي ربطوا أنفسهم بها مع غزة “لم تكن استثناءً”.
وقال جلال: إن الحوثيين استفادوا من هجماتهم على السفن المرتبطة بإسرائيل، ومؤخراً على السفن البريطانية والأمريكية من خلال تصوير أنفسهم كمدافعين عن القضية الفلسطينية، وحاولوا إبراز أنفسهم كـ”جهة فاعلة مزعجة وتحظى بشعبية كبيرة”، مشيراً إلى أن محاولتهم ادعاء التميز على الدول العربية التي لجأت إلى الدبلوماسية بدلاً من استخدام القوة العسكرية، تبدو واضحة ومكشوفة.
لاجدوى من التدخل الأمريكي البريطاني
وفي حين تستمر الضربات الأمريكية البريطانية على المواقع العسكرية للمليشيا الحوثية ردا على هجمات الأخيرة على سفن واشنطن ولندن، يذهب الكثير من المحللين السياسيين إلى أن هذه الضربات غير مجدية. حيث يزعم المسؤولون العسكريون الأمريكيون أن ضرباتهم المستمرة منذ 12 يناير الجاري دمرت ما نسبته 25 -30% من قدرات الحوثيين العسكرية، إلا أن استمرار الهجمات الحوثية على السفن التجارية والحربية لأمريكا وبريطانيا يدحض تلك الادعاءات. كما أن استمرار المليشيا الحوثية في تحدي واشنطن ولندن يدفع بالكثير من المراقبين إلى التشكيك بجديتهما في توجيه ضربات رادعة لها تشل قدرتها ليس فقط على شن هجمات ضد السفن، بل وتقضي على ترسانة السلاح التي تشكل تهديداً على الملاحة الدولية وعلى مستقبل التسوية السياسية في اليمن بشكل عام.
يقول المحلل السياسي اللبناني محمد قواص يقول في أحدث مقالاته إن “العالم يدرك أن واشنطن لا تستخدم قدراتها الحقيقية، وخصوصا العسكرية، من أجل فرض إرادة “تحرير” مضيق باب المندب وممرات الملاحة في المنطقة”، وأن هذا ما يمنح الحوثيين “هامش مناورة” واسعا في الاستمرار في شن الهجمات وتهديد الملاحة البحرية والجوية في اليمن. ويرى قواص بالمقابل، أنه لا يوجد قرار أميركي-بريطاني لـ”اجتثاث” المليشيا الحوثية، “ولا أجواء دولية توحي بفتح ملف اليمن برمته وقلب موازين القوى”.
ويضيف: “استنتجت الجماعة في اليمن، وإيران من ورائها، أن ربط العبث بأمن البحر الأحمر بالحرب في غزّة كان له أثر لدى دوائر إقليمية ودولية في الإحجام عن الانضمام إلى تحالف “حارس الازدهار” الذي أنشأته الولايات المتحدة في ديسمبر الماضي. كما أن قيادة واشنطن للتحالف كان سبباً إضافيا للرفض والتحفّظ”.
لكن وبرغم هذا الانكشاف للداخل والخارج، إلا أن المليشيا الحوثية ما زالت تقامر بمصلحة اليمن ككل وتضر بمصالح الدول الأخرى بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وتبتز الداخل والخارج بالقضية الفلسطينية، دون أن تقوم الأطراف المحلية والإقليمية المناهضة للجماعة بأي إجراءات لاستغلال هذه الأخطاء الفادحة وقلب المعادلة لتحرير اليمن من قبضة أسوأ نظام حكم عرفته البلاد عبر تاريخها الطويل.