الصــدارة سكــــاي: القسم السياسي
يدخل القرار الذي أصدرته الولايات المتحدة الأمريكية، بإعادة تصنيف جماعة الحوثي إلى قائمة الجماعات الإرهابية، حيز التنفيذ يوم أمس الجمعة وفقما أكد المتحدث الرسمي لبعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، نيت إيفانز، في منشور على منصة “إكس” لمكتب التواصل الإعلامي التابع لوزارة الخارجية الأميركية.
ومنذ أشهر صوب العالم أنظاره صوب ما يشهده البحر الأحمر من توترات، تهدد حركة الملاحة الدولية برمتها، بعدما شنت مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، هجمات على سفن الملاحة المملوكة للكيان الإسرائيلي وتلك المتجهة إليها، والتي جاءت كامتداد للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
تلك الهجمات الحوثية، اعتبرتها الولايات المتحدة، ودول غربية أخرى تهديدًا لحرية الملاحة الدولية في البحر الأحمر، الأمر الذي نتج عنه تشكيل تحالف دولي من ثمان دول بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وشنت الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها بريطانيا – رفيقة غزوات الأميركيين أينما غزوا – سلسلة هجمات وغارات جوية استهدفت مواقع عسكرية عدة للجماعة في عدة محافظات تخضع لسيطرة المليشيات.
تلك الهجمات شكك متابعون ومحللون كثر من جدواها، ومدى الضرر الذي لحق بالجماعة بسببها خصوصًا وأن وسائل إعلام مختلفة كانت قد تناقلت من مصادر عسكرية أمريكية قبل الضربة الأولى بساعات ماهية بنك الأهداف المحتملة لتلك الضربة بل وموعد انطلاقها.
وزاد تعزيز هذه الشكوك بجدوى وقوة تأثير الضربة الأولى – التي يفترض أن تكون الأكثر تأثيرًا من لاحقاتها – ما كشفت عنه لاحقًا “رويترز” ووكالات أنباء عالمية بأن الضربة سبقها تحذير أميركي للجماعة لإخلاء المناطق المستهدفة قبل الضربة بساعات.
“وبحسب مراقبون فحتى الآن لا توجد أي ضربات مؤثرة على الحوثيين تستهدف مثلا ميناء الحديدة أو مناطق انطلاق الصواريخ، بل هي مقتصرة فقط على ضرب مواقع عسكرية في الصحراء والجبال ومطارات ومخازن سبق وأن استهدفت.
ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية، تتعامل بحذر مع جماعة الحوثي، وتتردد في اتخاذ إجراءات صارمة، أو ذات تأثير حقيقي عليها، بل وتلقى اتهامات عديدة من مراقبين بعدم جديتها في إنهاء تأثير الجماعة والحد من سيطرتها، وهي التي أوقفت قبل أعوام القوات الحكومية عن تحرير ميناء الحديدة الذي تتخذه الجماعة منطلقًا لتحركاتها.
جماعة إرهابية.. تصنيف أمريكي جديد للحوثيين؟!
لم يكن التحرك العسكري الأمريكي هو الوحيد ضد الجماعة، فقد أعادت الولايات المتحدة، قبل شهر من الآن، إدراج جماعة الحوثي، على قائمة الجماعات “الإرهابية”، وذلك في أحدث محاولة من جانب واشنطن لوقف الهجمات التي تشنها الميلشيا المدعومة من طهران في اليمن، على مسار الشحن في البحر الأحمر.
وتسببت حملة الحوثيين في إحداث إرباك وتعطيل لنشاط التجارة العالمية، وأثارت القلق من التضخم، وعمقت المخاوف من أن تؤدي تداعيات الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة إلى زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط.
وقال مسؤولون أميركيون إن تصنيف الحركة المتحالفة مع إيران على أنها جماعة “إرهابية عالمية محددة بشكل خاص” يهدف إلى قطع التمويل والأسلحة التي استخدمتها لمهاجمة أو خطف السفن في ممرات الشحن الحيوية في البحر الأحمر.
وأكد البيت الأبيض في بيان أن الخطوة جاءت “ردا على التهديدات والهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون”.
وأضاف البيان أن “هذا التصنيف يعد أداة مهمة لعرقلة تمويل العمليات الإرهابية للحوثيين، وزيادة تقييد وصولهم إلى الأسواق المالية، ومحاسبتهم على أفعالهم”.
وكان البيت الأبيض قد أكد في بيان سابق أن تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية يعد أداة مهمة لعرقلة تمويل العمليات الإرهابية للحوثيين، وزيادة تقييد وصولهم إلى الأسواق المالية، ومحاسبتهم على أفعالهم”.
ومن المقرر أن يدخل الإجراء حيز التنفيذ يوم أمس الجمعة الموافق 16 من الشهر الجاري بعد شهر على إصداره، لأسباب إنسانية تتعلق بإيصال المسعدات للشعب اليمني، وفقا للبيان.
البيان أكد أن الأجراء لن يؤثر على المساعدات الإنسانية والشحنات التجارية القادمة إلى الموانئ اليمنية التي يعتمد عليها الشعب اليمني في الغذاء والدواء والوقود.
كذلك لفت البيان إلى أن الولايات المتحدة قد تعيد النظر في تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، في حال أوقفوا هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنه “يجب محاسبة الحوثيين على أفعالهم، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب المدنيين اليمنيين”.
وأضاف أن “تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية يسعى إلى تعزيز المحاسبة على أنشطتها الإرهابية”.
ماذا يعني هذا التصنيف الأمريكي للحوثيين
أزالت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في الولايات المتحدة في فبراير 2021، بعد أسابيع من إدراجها ضمن هذه القائمة في الأيام الأخيرة من عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وفي ذلك الوقت، قال وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، بلينكن، إن القرار كان مدفوعا بمخاوف من أنه قد يعرض للخطر القدرة على تقديم المساعدات اللازمة للشعب اليمني.
ووفقا لوكالة أسوشيتد برس فإن إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة لن يتضمن عقوبات على تقديم “الدعم المادي” ولا حظر السفر وبالتالي لن يشكل عائقا كبيرا أمام تقديم المساعدات للمدنيين اليمنيين.
ويهدف التصنيف إلى منح وزارة الخزانة يدا أوسع لإصدار العقوبات والإشارة إلى الحكومات الأجنبية الأخرى أو الأشخاص أو الشركات بأنها قد تفقد إمكانية الوصول إلى النظام المالي الأميركي، إذا خالفت العقوبات.
محمد الباشا، كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة “نافانتي” الاستشارية الأميركية، قلل من الأثر المباشر للعقوبات على الحوثيين مشيرا إلى أن القطاعات التي ستتضرر في حقيقة الأمر هي “المؤسسات التي تتعامل بالدولار مثل البنوك وهيئة الطيران وموانئ الحديدة وكذلك شركات الاتصالات والنفط والغاز”.
الهجمات في البحر الأحمر
تختلف آراء المحللين والخبراء بشأن مدى فعالية الخطوة التي أقدمت عليها إدارة بايدن مثلما اختلفوا على جدوى الضربات العسكرية، وما إذا كانت ستساعد على كبح جماح الحوثيين والحد من هجماتهم على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن أم لا.
ويرى مراقبون بأن “تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية يمكن أن يشجع الحوثيين، ويجعلهم يعتقدون أن تكتيكاتهم في مهاجمة السفن نجحت إلى حد ما” الأمر الذي يؤيده هاردن، وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية خدم في إدارتي ترامب وأوباما، بحسب تصريحات نقلتها عنه صحف وقنوات غربية منها قناة الحرة.
ونُقل عن هارد قوله بأن الحوثيين لا يهمهم أنهم منظمة إرهابية أجنبية بموجب القانون الأميركي، بل على الأرجح سيحبون ذلك”.
ويؤكد هاردن أن الحوثيين “لا يتعاملون مع البنوك ولا يتسوقون ولا يسافرون ولا يشاركون في الاقتصاد الغربي.. إنهم ليسوا مثل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على سبيل المثال، فهؤلاء لا يؤثر عليهم ذلك، بل وسيعتبرنه وسام شرف لهم”. بحسب تعبيره.
لكن محللون آخرون يرون بأن “العقوبات الأمريكية مهمة في إطار تجفيف الأموال التي تصل للحوثيين، التي بدورها تسهم في استمرار آلة الحرب الحوثية.
ويُعتقد بأن “هناك بنوكا في تركيا وإيران ودول أخرى تحول الأموال للحوثيين، وبالتالي فإن فرض العقوبات عليهم سيؤثر على مصادر تمويلهم وقدراتهم العسكرية” وفقًا لهؤلاء المحللين.
ويجمع المراقبون والمحللون العسكريون والسياسيون، بأن “الحد من هجمات الحوثيين وإضعاف تأثيرهم يعتمد بالدرجة الأولى على مدى جدية واشنطن في التعامل معهم”.
وسابقًا وفي مقابلة صحفية أكد اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، بأن الضربات الجوية ضد الحوثيين ليست كافية لإيقاف هجماتهم وتهديدهم للملاحة الدولية.
وأشار اللواء الزبيدي على ضرورة أن تكون هناك عمليات برية بالتزامن مع الضربات الجوية مبديًا استعداد القوات الجنوبية للعب دور في تأمين الممرات الملاحية إلى جانب قوات التحالف مؤكدًا بأن هذه الهجمات التي يشنها الحوثيون لا تسهم في تخفيف معاناة أهل غزة بقدر ما تتسبب في الإضرار بالمواطنين في اليمن.
وتستمر هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر حتى بعد الضربات الأمريكية والبريطانية وبعد تصنيف الجماعة أمريكيًا كجماعة إرهابية، الأمر الذي يضع مصداقبة التصريحات الأمريكية بجدوى الضربات الجوية التي شنتها على مواقع عسكرية للجماعة على المحك.
وتعليقا على الخطوة الأميركية قال المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام لرويترز،، إن إجراء الولايات المتحدة ضد الجماعة لن يؤثر على عملياتها في البحر الأحمر.
وأكد أن العمليات “ستستمر في البحر الأحمر لمنع السفن الإسرائيلية والمتجهة إلى إسرائيل من المرور عبر البحر الأحمر والبحر العربي وباب المندب”.
كيف ترى السعودية القرار؟!
اندلعت الحرب في اليمن عام 2014 بعدما سيطرت المليشيات الحوثية على أجزاء صنعاء ومدن الشمال وفرضوا حكومة أمر واقع هناك وتقدمها صوب محافظات الجنوب.
وتدخلت السعودية عام 2015 عسكريا من خلال قيادتها لتحالف ضم دول عربية أخرى بهدف إعادة الحكومة الشرعية المعترف فيها دوليا للسلطة، إلا أن النزاع تفاقم وسقط مئات الآلاف من القتلى ودخل أفقر بلد في شبه الجزيرة العربية وسط أزمة إنسانية حادة.
وأدى اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة ودخل حيز التنفيذ في أبريل 2022، إلى انخفاض ملحوظ في الأعمال القتالية.
وانتهت الهدنة في أكتوبر من العام ذاته، غير أن القتال لا يزال معلقا إلى حد كبير حتى الآن باستثناء مناوشات تتكرر في عدة جبهات.
والشهر قبل الماضي، أعلنت الأمم المتحدة “خريطة طريق” لإنهاء الحرب المستمرة منذ عقد من الزمان، وهو إعلان لاقى ترحيبا واسعا من السعودية.
ويرى مراقبون أن “موقف السعودية يختلف حاليا عما كان عليه في السابق، باعتبار أنها تسعى لرسم خارطة سلام جديدة في اليمن، والحوثيون أبدوا استعدادهم للانخراط في هذه العملية، ما يجعل الموقف السعودي في الوقت الحالي تجاه ما يجري هو مراقبة الأحداث فقط، والوقوف على الحياد بعض الشيء”.
في ظل التوترات الإقليمية.. ما مصير فرص السلام في اليمن؟