الصدارة سكاي – آراء واتجاهات / من صفحته على فيسبوك
الفكرة الارهابية تنتج بالضرورة الأدوات الارهابية الجديرة بحملها . تحصن حسن الصبّاح ، زعيم جماعة الحشاشين ، في قلعة آلموت ، بالقرب من أصفهان في بلاد فارس بعد أن غدر بصاحب القلعة الذي استضافه كداعية لجناح من أجنحة الدولة الفاطمية المتنازعة . في هذه القلعة المهيبة ، التي تحولت إلى خازوق في جسم الخلافة الاسلامية ، أخذ حسن الصباح ينتج أدواته الارهابية التي حملت دعوته إلى كثير من الأقطار المجاورة ، ومنها الادعاء بأنه يمتلك مفتاح الجنة الذي يؤهل بواسطته “المختارين” لتنفيذ الاغتيالات ضد خصومه ، ومن بينهم الوزير نظام الملك ، صديقه القديم ، وبعض سلاطين السلاجقة وغيرهم من العلماء والقادة العسكريين. مع الزمن ، اشتدت وطأة ارهاب جماعة الحشاشين ، وفشلت حملات السلاجقة في اقتحام القلعة ، وبدا أن الخازوق أخذ يغور في عمق الخلافة المهترئة يومها بنفوذ الدويلات التي راحت تتشكل على هامش الخلافة في بغداد بدوافع عرقية أكثر من أي دوافع أخرى ، بما في ذلك الدعوة الفاطمية التي كانت قد نُخرت من داخلها بسبب تدخلات الوزراء المتنفذين في البلاط في قرارات توريث الحكم والمفاضلة بين الأبناء حسب النسب. في هذا الجو الكئيب والمحبط كان هناك شاعر مبتسم للحياة ، غير متفائل كثيراً بتدابير الغيب ، يقرأ الظاهرة على أنها نتاج لعلة ما ، وبسبب هذا التلازم بين الظاهرة وعلتها فإنه لا يمكن معالجة الظاهرة دون الغوص في معرفة أسبابها . كان ذلك الشاعر هو عمر الخيام ، وكان صديقاً لحسن الصباح ونظام الملك في أيام الصبا . لكنه حينما رأى كيف أن السلطة ، من مواقعها المختلفة ، قد جعلت كل من نظام الملك والصباح يتآمران لقتل بعضهما ، أدرك أن للحياة وجه آخر ، أجمل وأعذب ، لا يراه إلا أولئك الذين يرون الناس أحراراً ، يحبون دون إكره ، ويتكلمون دون خوف ، يقرضون الشعر بتوريةٍ واستعارات تكسبه عذوبة ولا تعقد معناه ، يحاورون النص بمفاهيم الواقع الذي يعيشونه ، ومعه يرتقون بمعاناتهم الى المكان الذي تستقر فيه روح عرّفَها الخالق بأنها من أعظم من كرمهم من خلقه . استدعى السلطان عمر الخيام يناقشه في موضوع حسن الصباح ، فقال له الخيام باختصار لن تُكسر دعوة الصباح إلا بفكرة الدولة وأدواتها من جيش وعلوم وسياسة وأمن ومعيشة وحب الناس للدولة . كان ذلك أبلغ ماقيل حتى اليوم ، وظل شاهداً على أهميته وقيمته حينما أخذ حسن الصباح يتكرر في التاريخ الاسلامي وحتى اليوم .. الدولة : فكرة وأدوات . حاصل جمعها هو حب الناس للدولة لا للحاكم . حب الحاكم ملحق لحب الدولة . الحاكم الناجح هو الذي يحمي الدولة من نفسه أولاً ، وهي التي سيخوض بها معارك الحياة وتحدياتها وتقلباتها . لنقارن ما نحن عليه اليوم ، لندرك ما الذي تعنيه الدولة حينما يتعين علينا أن نتغلب على التحديات التي كسرتنا والتي لن نغادرها الا متكئين على فكرة الدولة والعمل على خلق أدواتها. هذا ما يمكن استخلاصه بتفاؤل من نشاط الدولة الذي تشهده عدن هذه الأيام . ولن يكون ذلك بجديد على عدن مهد الدولة وعنوانها البارز والمعادل التاريخي والوطني لها .