تواصل ميليشيات جماعة الإخوان في اليمن خروقاتها الحقوقية بحق المدنيين في مدينة تعز، وذلك منذ سقطت المدينة في قبضتهم، بينما ما تزال تعاني كغيرها من المدن اليمنية من حصار ميليشيات أخرى هي ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران. وتتعدد الانتهاكات الحقوقية التي وثقتها المنظمات المعنية بالوضع الإنساني والمدني، بين الاعتقالات التعسفية، وفرض الإتاوات، فضلاً عن الإخفاء القسري وحملات الاختطاف ومصادرة الممتلكات العامة والخاصة.
سيرة القمع باليمن
سيرة القمع والانتهاكات التي تتقاسمها جماعة الإخوان باليمن مع الحوثي لا تبدو جديدة أو استثنائية، فالمنظمات الحقوقية لديها سجل حافل من تلك الجرائم المشتركة، ففي مطلع العام وثق مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان وقوع حوادث تشمل انتهاكات بحق المدنيين تصل إلى (894) في تعز.
وفي التقرير الذي استعرض الجرائم خلال العام الماضي، لفت إلى أنّ الخروقات الحقوقية ترقى إلى أن تكون أعمالاً “ممنهجة”، وتتراوح بين القتل المباشر خارج نطاق القانون، والاعتداء على الأحياء السكنية، وتهجير السكان وقمع الحريات. وجاءت انتهاكات الحوثي في قمة السجل الحقوقي بواقع (753) انتهاكاً، بينما هناك (141) انتهاكاً اضطلعت بها ميليشيات الإخوان.
وقال التقرير: إنّ حوادث القتل بلغت (78) مدنياً منهم (22) طفلاً و(5) نساء، في حين نجم عن جرائم الحوثي مقتل (41) مدنياً بينهم (5) نساء و(15) طفلاً.
وكشف مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان وقوع إصابات بين (166) مدنياً بينهم (54) طفلاً و(13) امرأة، من خلال عناصر أو مجاميع مسلحة تابعة لحزب (الإصلاح) الإخواني. كما وثق التقرير من خلال فريقه الميداني عمليات نزوح قسرية وتهجير اضطراري بضغط الحوثي والإخوان وجرائمهما بفعل السرقات ومصادرة الممتلكات، وبلغت نحو (218) حالة نزوح.
ما تزال تعاني مدينة تعز كغيرها من المدن اليمنية من حصار ميليشيات أخرى هي ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران.
ربما لا يختلف الأمر كثيراً العام الحالي عن سابقه، فالمركز ذاته في تقريره مؤخراً ذكر أنّ الألغام الأرضية المتسببة في سقوط ضحايا بين المدنيين يبدو مستمراً، فضلاً عن شيوع الاغتيالات. وعنون المركز الحقوقي تقريره بـ “الحوثي واستمرار القتل في تعز”، وجاء فيه أنّ هناك تحالفاً مشبوهاً بين الحوثيين وميليشياتهم إلى جانب عصابات مسلحة تابعة للإخوان، وتم توثيق (23) حالة انتهاك في شهر آذار (مارس) الماضي. وتورط الحوثي في (19) حادثة بينما انتهاكات الإخوان تضمنت حالتين. وفي الشهر ذاته تم توثيق عملية اغتيال واحدة، وأيضاً حادثة اختطاف اضطلعت بهما عناصر ميليشياوية موالية لحزب (الإصلاح) الإخواني.
لا دولة في اليمن
في حديثه لـ (حفريات) يقول عضو مشاورات الرياض ومستشار وزير الثقافة اليمني الدكتور ثابت الأحمدي: إنّه حين يهتز “عمود الخيمة تترنح أطرافها”، وحين تسقط الدولة تظهر الميليشيات والفصائل المسلحة والقبائليات وجماعات ما قبل الدولة، ويتغول أمراء الحروب؛ لأنّ الحرب تخلق من الأشرار أكثر ممّا تقتل منهم.
ويردف: “لا دولة في اليمن في الوقت الحالي، بالمعنى العام لكلمة دولة، وإن كانت الشرعية هي سفينة نجاة اليمنيين اليوم جميعاً، بقيادة رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد محمد العليمي. وما يحدث من انتهاكات وتجاوزات غير قانونية من قبل البعض هو محل رفض تماماً، سواء في تعز أم في غير تعز”.
وقال الأحمدي لـ (حفريات): إنّ الانتهاكات التي نسمع عنها وتتواتر في تعز، والتي يمارسها نافذون، وبعضهم محسوبون على تيار بعينه، تأتي في إطار الفوضى التي تمر بها المدينة منذ اجتياح الحوثي لها في العام 2014، لافتاً إلى أنّ الحوثي في المحصلة النهائية هو من يتحمل “وزر هذا الانفلات، ليس في تعز فقط، ولكن في اليمن كله. فكلّ ما يحصل اليوم هو بسبب الحوثي، ويبدو أنّ عودة الدولة واستتباب الأمن مسألة طويلة كما تقول مؤشرات المرحلة، لأنّ بعض الميليشيات المسلحة استمرأت حالة الانفلات الجارية اليوم في أغلب مناطق اليمن، وبعضها على ارتباط مباشر بالحوثيين في صنعاء”.
بشكل عام كل الجماعات الإيديولوجية لا تقبل إلا نفسها فقط، ولا تقبل غيرها أبداً، بل لا تعترف به في الأساس، والحوثي أسوأ نموذج للجماعات العصبوية المؤدلجة النافية لغيرها، وفق الأحمدي. وقد نفذت جماعة الإخوان المسلمين خلال الفترة الماضية آلاف الاعتقالات التعسفية، بدون أيّ مسوغات قانونية، في مدينة تعز الخاضعة لهيمنتها، وذلك وفق تقرير مكتب حقوق الإنسان بالمحافظة، وأشار إلى حملات الاعتقالات التي تقوم بها ميليشيات الجماعة الإخوانية في اليمن، بينما تستهدف شخصيات اجتماعية ومواطنين من أبناء مديريات الحجرية بتهم كيدية.
وجاء في بيان لمكتب حقوق الإنسان بالمحافظة تحذيره من حالة التفلت الأمني، و”القلق البالغ إزاء التقارير المتكررة التي تفيد بقيام جماعة الإخوان المسيطرة على مدينة تعز وريفها الجنوبي والغربي بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في تلك المناطق”. وقال: إنّ “استهداف المواطنين بناء على ارتباطاتهم السياسية أو الفكرية أو المناطقية والعرقية يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، ويتنافى تماماً مع المعايير الدولية للعدالة والحريات الأساسية. فمرتزقة الإخوان يرتكبون جرائم وانتهاكات بحق مئات المدنيين في المحافظة، وآخرها ما شهدته مديريات المواسط والشمايتين خلال الـ (48) ساعة الماضية، من حملات واعتقالات واسعة طالت عشرات المواطنين الذين اكتظت بهم سجون المرتزقة في مدينة التربة مركز مديرية الشمايتين، ومنطقة العين مركز مديرية المواسط، ومنطقة النشمة مركز مديرية المعافر، ويتم إرسال المعتقلين إلى سجونهم في مدينة تعز”.
وطالب البيان إخوان اليمن بضرورة التوقف الفوري عن هذه الممارسات القمعية، وإطلاق سراح جميع المواطنين الذين تم اعتقالهم تعسفياً دون أدلة قانونية موثوقة، وحمّلهم المسؤولية القانونية الكاملة عن هذه الممارسات. وشدد على ضرورة إجراء تحقيق شفاف ومستقل في هذه الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها وفقاً للقانون الدولي والقوانين النافذة وعدم تكرار هذه الانتهاكات المروعة. وعاود الحديث عن ضرورة وجود إطار قانوني ومحاسبة ومساءلة شفافة للانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان في المحافظات المحتلة، وضمان حماية كافة الأفراد من التعسف والقمع، داعياً المجتمع الدولي إلى الوقوف بقوة ضد هذه الانتهاكات، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحيلولة دون استمرارها.