الصدارة سكاي – خاص
تشهد شبكة الكهرباء في العاصمة عدن استقرارًا جزئيًا بعد انهيار هو الأشد منذ سنوات، مع تحذيرات بوقوع كارثة وشيكة، مع النفاد المتكرر لكميات الوقود اللازمة لتشغيل المحطات وتوليد الكهرباء.
وقبل نصف شهر أعلنت مؤسسة كهرباء عدن، حدوث خروج كلّي للمنظومة، بسبب عدم توافر الوقود اللازم لتشغيل محطتي الحسوة والرئيس “بترومسيلة” قبل أن تحدث انفراجة بسيطة، مع وصول باخرة وقود، ليصل إجمالي الانطفاء المتكرر للكهرباء، بنحو 12 ساعة، مقابل ساعتين فقط للتشغيل.
ويتوقع محللون أن تتزايد أزمة الكهرباء في العاصمة عدن والمحافظات المجاورة، مع غياب الحلول الناجعة لأزمة الكهرباء المستمرة منذ سنوات، فضلًا عن عدم تمكّن الحكومة من توفير شحنات فورية من الوقود للمحطتين، إذ من المتوقع أن تستغرق شحنات الوقود أيامًا عدّة للوصول إلى المحطات، وهي شحنات من المازوت لمحطة الحسوة، والنفط الخام لمحطة الرئيس.
وتعزي الحكومة أسباب الأزمة إلى عدم تمكنها من الحصول على المشتقات النفطية والوقود، بعدما توقَّف بيع النفط منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، بسبب هجمات الحوثيين على مواني التصدير.
ويأتي الانطفاء والظلام الدامس بالتزامن مع ارتفاع درجة الحرارة الشديدة، حيث وصلت إلى مستويات قياسية، بموجة حر هي الأعلى منذ مئة عام بحسب خبراء، متجاوزة الأربعين درجة مئوية، لتلقي هذه الظروف بوطأتها على الملايين ممن يقطنون العاصمة عدن والمحافظات الساحلية المجاورة، خصوصًا كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة، بالإضافة إلى المعاناة التي تلحق بالنساء والشباب والأطفال وطلاب الجامعات.
توطئة تاريخية :
في العام 1926م شهدت العاصمة عدن، تدشين أول محطة كهربائية في الجزيرة العربية، وذلك عندما أنشئت السلطات البريطانية أول محطة لإنتاج الطاقة الكهربائية في منطقة حجيف وهي عبارة عن محطة بخارية بطاقة 3م.و. بهدف تلبية احتياجات القاعدة العسكرية البريطانية ،ومع بداية الثلاثينات تم بناء محطة أخرى تعمل بوقود الديزل بطاقة 1م.و. لنفس الغرض إضافة إلى مد خطوط الشبكة للمواقع القريبة من محطات التوليد وللذين كانت دخولهم النقدية تسمح لهم بإمكانية الحصول على هذه الخدمة.
وفي نوفمبر من العام 1952م أنشأت شركة الزيت البريطانية (BP) مصفاة عدن رافقها بناء محطة لإنتاج الطاقة الكهربائية وهي عبارة عن محطة بخارية بطاقة 21م وبهدف تلبية حاجة المصفاة ومساكن الخبراء والعمال والأحياء السكنية في منطقة البريقاء وهي محطة لا زالت تعمل حتى يومنا هذا.
وفي العام 1953م بناء محطة بخارية في منطقة حجيف بطاقة 16م ثم تم في العام 1960م بناء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية في منطقة التواهي تعمل بوقود الديزل بطاقة 6م.و. أعقبها في العام 1961م بناء محطة أخرى في منطقة خورمكسر تعمل بوقود الديزل بطاقة 4.5م.و .
ثم في العام 1966م تم بناء محطة غازية بطاقة 13م.و. في منطقة حجيف حيث تم مد أنبوب غاز من مصافي عدن في منطقة البريقاء لتصل إجمالي القدرة المركبة في عدن عشية الاستقلال 63.5م وفيما بلغت القدرة المتاحة 34م.و .
شهدت الفترة اللاحقة 1975م ــ 1990م نموا متسرعا في مشاريع الكهرباء حفاظا على استقرار تموين النشاطات الاقتصادية والاجتماعية بالطاقة الكهربائية،ً وتلخص هذا النمو بالشكل التالي:-
– بناء محطة خورمكسر لتوليد الطاقة الكهربائية بقدرة 25م.و. في العام 1975م.
– بناء محطة المنصورة لتوليد الطاقة الكهربائية بقدرة 64م.و. في العام 1982م.
– تشغيل 3 مولدات بطاقة 75م.و. من أصل 125م.و. في محطة الحسوه البخارية في الأعوام 1986م، 1987م، 1989م.
– تقوية وتوسيع شبكة عدن خلال الأعوام 1975م ،1987م ، 1977م وذلك بمد كابلات جهد 33 ك.ف. بالإضافة إلى زيادة قدرات محطات التوزيع الرئيسية والفرعية بالإضافة إلى بناء محطة حجيف التحويلية الرئيسية في العام 1985م.
ولم تشهد فترة ما بعد قيام الوحدة بناء أو تأسيس محطات جديدة، غير ما سمي بأكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية حينها والمتمثل في تركيب مولدات محطة الحسوه البخارية بطاقة 50 ميجاوات وتركيب قطع غيار وصيانة في محطتي المنصورة وخورمكسر، لكن المحطات الموجودة حافظت على إنتاجها بشكل مستمر مع انطفاءات قليلة.
وزاد معدل أحمال الطاقة الكهربائية في عدن مع التوسع العمراني والكثافة السكانية الكبيرة، حيث أن إجمالي الطاقة التي تحتاجها عدن برأي خبراء يصل إلى 570 ميغاواط، بينما تنتج المحطات أقل من 150 ميغاواط يوميا أي ما يقارب 30 في المئة فقط من الطلب.
وتضررت شبكة إمدادات الكهرباء بشكل كبير خلال سنوات الحرب منذ 2015، والتي جعلت المواطنين يعيشون مشاكل بالإضافة إلى معاناتهم مع نقص الغذاء والدواء مع شح السيولة النقدية من الأسواق والتراجع التاريخي لقيمة الريال أمام الدولار.
“الكهرباء” ثقب أسود يبتلع المليارات
في تصريح سابق، قال محمد اليحيا نائب مدير عام البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن في عدن إن إجمالي قيمة منح المشتقات النفطية التي قدمتها المملكة العربية السعودية لليمن بلغ أربعة مليارات و200 مليون دولار.
وشكك مراقبون في دقة هذه الأرقام التي تحدث بها المسؤول السعودي، والكفيلة بإنشاء أكثر من محطة لإنتاج الكهرباء بما يكفي العاصمة عدن والمحافظات المجاورة، ووفق مواصفات ومعايير عالمية حديثة.
تصريح المسؤول السعودي، جاء في نهاية يوليو/ تموز من العام الماضي، خلال استقبال دفعة جديدة من منحة مشتقات نفطية مقدمة من السعودية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا ووصلت حينها إلى ميناء الزيت بالعاصمة عدن.
وقبل أسبوعين، وفي مقابلة صحفية قال الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس الحكومة، أن ترليون وعشرة مليار ريال يمني، أنفق على الكهرباء في العام الماضي، موضحًا أن ما نسبته 35% من إيرادات الدولة تستهلكها الكهرباء في مجال شراء الوقود ونسبة لا تكاد تذكر من هذه الأموال في الصيانة والاستثمار.
وكشف بن مبارك عن حجم الفساد الموجود في شراء المشتقات النفطية، حيث أشار إلى أنه كان يجري في الأعوام الماضية، شراء المشتقات النفطية بلا مناقصات، بمبلغ 1200$ للطن الواحد، بدلًا عن763$ للطن الواحد المعمول به حاليًا بعد تفعيل لجنة المناقصة.
وبحاسب رياضي سريع لتصريح بن مبارك فإن 36% من المبالغ المخصصة لشراء الوقود يتقاسمها أرباب الفساد طوال السنوات الماضية، ولأن المتوسط العام لمبالغ شراء الوقود (الخاص بكهرباء عدن فقط) يتراوح بين 60 إلى 65 مليون دولار شهريًا فإن حجم الأموال التي تذهب للفاسدين تصل ما بين واحد وعشرين مليون وثمانمائة وأربعين مليون دولار إلى ثلاثة وعشرين مليونًا وستمائة وستين ألف دولار شهريًا، وهو ما يعني أن مئتين واثنين وستين مليونًا وثمانين ألف دولار إلى مئتين وثلاثة وثمانين مليونًا وتسعمائة وعشرين ألف دولار تذهب سنويًا إلى جيوب الفاسدين، فقط من خلال احتكار استيراد المشتقات النفطية والوقود لكهرباء عدن.
وفي شهر يونيو من العام الماضي قدمت لجنة مناقصات شراء وقود الكهرباء، استقالة جماعية، بسبب تصرفات رئيس الحكومة، معين عبدالملك حينها، وتجميد وإغفال اللجنة، لصالح الاستحواذ على مهمة توفير الوقود من قبل تجار بعينهم بالاتفاق مع رئيس الحكومة.
وتشير تقارير دولية، إلى أن اليمن ينفق سنويا قرابة 1.2 مليار دولار على واردات الوقود لتوليد غيغاواط واحد من الطاقة الكهربائية لعموم اليمن، وهو ما يعني أن أربعمائة واثنين وثلاثين مليون دولار تذهب سنويًا للفاسدين من باب احتكار استيراد المشتقات النفطية والوقود بعيدًا عن المنافسة ولجنة المناقصات.
فساد على المكشوف ووعود لم ترَ النور
وسابقًا كشفت وثائق مسربة تم تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي عمليات فساد تخص كهرباء عدن، وتظهر إحدى الوثائق أنه في شهر يوليو 2021 ارست رئاسة الوزراء مناقصة لشراء طاقة مشتراه بواسطة شركة أولاد الصغير بقدرة استيعابية 100 ميجاوات وبقيمة 120 مليون دولار.
في يناير 2022 وبعد مرور 6 أشهر من فكرة إنشاء محطة الكهرباء العائمة تم سداد المبلغ مقدما للشركة ومر عامان ولم ير المشروع النور حتى اليوم.
وتبين وثيقة أخرى أن عام مر ولم تنجز شركة أولاد الصغير عملها بعد ارساء صفقة التوصيلات الكهربائية الخاصة بمحطة الرئيس عليها، والذي من شأن هذا العمل في حالة ما تم انجازه أن يرفع من القدرة التوليدية لمحطة الرئيس من 80 ميجاوات إلى 264ميجاوات.
في وقت سابق في ظل حكومة (بن دغر)، قال أمين عام مجلس الوزراء الأسبق حسين منصور: إن الحكومة اعتمدت عشرة ملايين دولار لصيانة محطات التوليد المتهالكة ورفع قدرتها الإنتاجية من الطاقة وتعاقدت مع شركات الطاقة المستأجرة لتوفير 100 ميجاوات لعدن.
وفي عهد رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر قدمت قطر لعدن محطة بقدرة 60 ميجاوات، تركت للإهمال، ولم تر النور.
وفي عهد رئيس الوزراء السابق معين عبدالملك قدمت أبوظبي منحة بـ100 مليون درهم لإنشاء محطة كهرباء في عدن بقدرة 50 ميجاوات، ولم تر النور كذلك.
وصرح معين عبدالملك بأن الحكومة ستولد 264 ميجا بالغاز في منطقة الحسوة لدعم استدامة الطاقة في عدن ولم تر هذه الوعود النور أيضا.
آخر الوعود هو وعد معين عبد الملك، حين وعد أبناء عدن بكهرباء بقدرة 100 إلى 150 ميجاوات محمولة على متن سفن أو بواخر عائمة في البحر ولم تر النور أيضا.
حرب ممنهجة أم فساد ممنهج!
أكثر سؤال يراود الناس في عدن، هو هل هناك سياسة ممنهجة، تمارسها جهات ما في موضوع الكهرباء، أم أن الفساد وحده سبب كل المعاناة!
وتبرز الإجابة بشكل واضح، عند النظر لما قُدم من مليارات الدولارات من قبل دول التحالف العربي، لشراء الوقود اللازم لتشغيل المحطات، وهي مبالغ ضخمة كان يمكن أن يتم بها إنشاء محطات توليدية للكهرباء بأحدث المواصفات وبما يحقق الاحتياج الكلي من الكهرباء ليس لعدن وحدها بل ولباقي المحافظات.
ويرى مراقبون بأن الفساد عاملًا مساعدًا في انهيار ملف الخدمات عمومًا والكهرباء بشكل خاص، لكن هناك ما هو أكبر من موضوع فساد، وبإجماع المراقبين فهذا الملف، بات سلاحًا فعليًا يسلط ضد الجنوبيين والمجلس الانتقالي بشكل خاص، كلما تطلبت مجريات الأحداث ومسارات السياسة التلويح بعصا الضغوطات، خاصة من قبل الشريك الأكبر المحتمل في الحرب ضد الحوثيين (المملكة العربية السعودية) وجهات عليا في الدولة اليمنية العميقة.
ويسعى المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى الموازنة بين الموقف السياسي، وبين مواجهة هذا الملف الشائك، وهو ما حذى برئيسه لعقد أكثر من اجتماع مع وزراء المجلس في الحكومة، والمعنيين بالأمر، ووضع مصفوفة قرارات سيتم العمل بها في قادم الأيام.
وتشير مصادر مؤكدة “للصدارة سكاي” بأن رئيس المجلس ترأس اجتماع استثنائي للحكومة، فور عودة رئيسها أحمد عوض بن مبارك، لمناقشة وضع حلول مستدامة لملف الخدمات وفق الإمكانيات المتوفرة.
وتضيف المصادر، بأن مصفوفة القرارات التي تحدث عنها رئيس المجلس، تشمل أن يقوم كل وزير بتحديد فترة مزمنة لإنجاز الحلول، وطرح الاحتياجات المطلوبة لإنجازها، من ضمنها ملف الكهرباء، وإعادة تشغيل مصافي عدن.
بإمكنيات تكفي لتغطية احتياجات عدة دول .. دراسات تكشف إمكانيات عدن العظمى لتوليد الكهرباء
وقبل ثلاث سنوات كشف المهندس احمد جميل الحاصل على أعلى درجة في كلية الهندسة جامعة عدن، في منشور له على صفحته بالفيسبوك، إمكانيات عدن العظمى في مجال الطاقة الشمسية – وهو مهندس من عدن متخصص مقيم في بريطانيا –
وقال في منشوره حينها: قبل ما أعطيكم رقم يبين لكم الإمكانيات والفرصة الذهبية لأي مستثمر في عدن في مجال الكهرباء، في رقم لازم تفهموه ، هو ‘الإنتاج المميز’ ‘Specific Production’ وهو كم كمية الطاقة السنوية (kWh) الذي ينتجها كل كيلووات واحد من المحطة الشمسية، [الوحدة للأرقام التالية هي kWh/kWp/year].
وأضاف: في بريطانيا خلال خبرتي بأكثر من الف مشروع في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والسدود (في عملي السابق) شاهدت أن ‘الإنتاج المميز’ لمشاريع الطاقة الشمسية يتراوح بين 750 إلى 1070 من شمال بريطانيا إلى جنوبها، للمشاريع الموجودة والمشاريع الذي نقوم بعمل محاكاة لها بطلب من المستثمرين. فإذا وصل هذا الرقم إلى أكثر من 900, يتسابق المستثمرين على المشروع لكمية الربح الذي ينتجه.
وأشار إلى أنه قام بعمل أكثر من محاكاة لعدة مناطق في عدن، وتبين أن ‘الإنتاج يصل إلى 1800!!!
وأوضح أنه في حال كانت المحطة عائمة كما في الصورة (مثلا في خط الجسر) بسبب برودة المياه وبسبب قرب المحطة الشمسية من محولات الاستهلاك فالرقم يكسر حاجز الـ 1900!!
واختتم منشوره بالقول: شيء مذهل، والله أعدت المحاكاة أكثر من مرة بسبب صدمتى من كمية الإنتاج الضخمة، وعدن لازالت بدون كهرباء، #جريمة!
وفي وقت سابق قالت هيئة المساحة الجيولوجية في عدن، إن مضيق باب المندب وبالتحديد المنطقة الواقعة مابين جزيرة ميون وحصن مراد، يوجد فيها تيار مائي قوي للغاية. يأتي من المحيط الهندي والبحر العربي.
وكشفت الدراسات العلمية بأن هذا التيار يمكن عمل توربينات كهربائية بقدرة إنتاجية تصل الى 50،000 ميجاوات، وهو مايعادل11 مرة من قوة توليد سد النهضة في إثيوبيا.
وتشير الدراسات الى ان مشروع كهرباء واحد في منطقة جزيرة ميون بامكانه تغطية عدة دول من الكهرباء وتوفير دخل بمليارات الدولارات غير ان حكومات اليمن السابقة رفضت التعاطي مع نتائج تلك الدراسات
الخلاصة.. الحلول..