كشفت العديد من المؤشرات والمعطيات حجم الضغوطات التي تعرضت لها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا من أجل التنازل عن مكاسب معركتها الاقتصادية ضد ميليشيا الحوثي الإرهابية.
وتفاجأ الشارع اليمني الثلاثاء، بإعلان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ عن اتفاق الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وميليشيا الحوثي الإرهابية على أربع نقاط أهمها إلغاء كافة القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين واستئناف رحلات الخطوط الجوية اليمنية بين صنعاء والأردن وزيادتها إلى ثلاث رحلات يومية وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يوميا أو حسب الحاجة.
وجاء هذا الاتفاق بعد أيام من طلب تقدم به المبعوث الأممي إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي بشأن تأجيل تنفيذ قرار سحب تراخيص البنوك التي لا زالت مراكزها في صنعاء إلى أغسطس القادم.
وما أثار دهشة الشارع هو موافقة الحكومة على الالتزام بالامتناع مستقبلاً عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة، على الرغم من معرفتها بعدم التزام الطرف الآخر بأي اتفاق إلا فيما يخص مصلحته.
هذا الاتفاق أثار استياء الشارع العام في المناطق المحررة ووضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع الشعب الذي أعلن رفضه تأجيل تنفيذ القرارات، فكيف يتم إلغاؤها كما في الاتفاق.
لكن إشادة بيان المبعوث بدور السعودية في إنفاذ الاتفاق وتصريح ناطق الميليشيات بأن الاتفاق كان مع السعودية، أظهر بجلاء حجم الضغوطات التي تعرض لها مجلس القيادة الرئاسي والحكومة وقيادة البنك المركزي الموافقة على هذا الاتفاق الذي تضمن صراحة الموافقة على مطالب الميليشيات الحوثية.
هذا الأمر أشارت له صحيفة العرب الدولية استنادا للعديد من الدوائر السياسية التي استبعدت أن تكون الشرعية اليمنية قد أقدمت على الخطوة التصالحية عن طيب خاطر، خصوصا وأن المحتوى المعلن عنه للاتفاق يصب بالكامل في مصلحة جماعة الحوثي ولا يلبي أي مطلب للشرعية وخصوصا شرطها المطروح سابقا بكف يد الجماعة عن عرقلة تصدير النفط الذي كان يشكّل المورد الرئيسي للحكومة المعترف بها دوليا.
واعتبرت تلك الدوائر أنّ الاتفاق يصنّف ضمن سلسلة أطول من التنازلات للحوثيين قدمتها السعودية أو دفعت الشرعية لتقديمها في سبيل جلبهم لطاولة الحوار والتفاهم، ومن ذلك قبول الرياض بمحاورتهم مباشرة وإيفاد ممثلين لها إلى صنعاء واستقبال ممثلين للجماعة في عاصمة المملكة، وأيضا تقديم امتيازات مالية واقتصادية لهم من خلال خارطة الطريق التي أعلنت الأمم المتحدة في وقت سابق عن التوصل إليها بمباركة من السعودية.
بالشأن نفسه تحدثت الباحثة في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن ندوة الدوسري، التي كتبت على منصة إكس أنّ “القرار اتخذ نتيجة للضغوط السعودية على مجلس القيادة الرئاسي”. وأضافت “يسعى السعوديون بشكل عاجل إلى توقيع اتفاق خريطة الطريق بين الحوثيين ومجلس القيادة الرئاسي قبل الانتخابات الأميركية 2024”.
ولعل ما ذكره مركز صنعاء للدراسات في تقريره الذي أعده نيد والي، الباحث في الوحدة الاقتصادية بالمركز، خفف حدة الانتقادات التي وجهت لمجلس القيادة والحكومة بسبب هذا التنازل.
وكشف تقرير المركز نقلا عن مصادر قولها، إن السفير السعودي محمد آل جابر الذي يقود المفاوضات بين المملكة والحوثيين بذل قصارى جهده لإجبار الحكومة اليمنية على التراجع عن تلك الإجراءات، مشيرا إلى أن جهوده لم تفلح في تغيير موقف محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب، الذي ظل صامدا رغم التهديدات والإغراءات.
وأظهر التقرير أن آل جابر بعد ذلك وبوضوح استخدم قبضة الرياض الخانقة على مجلس القيادة الرئاسي، حيث استدعى أعضاء المجلس إلى اجتماع وهدّد بقطع التمويل تماما عن الحكومة بمعنى إلغاء منح الوقود والودائع النقدية والمساعدات التنموية ما لم يتم التراجع عن إجراءات البنك.
كما ألمح السفير السعودي إلى أن الحكومة ستواجه مصيرها بمفردها في حال لجأ الحوثيون للانتقام عسكريا، وفق تقرير المركز.