على الطريق إلى قصر قرطاج، خطا الرئيس التونسي خطوة «متوقعة» نحو إعادة ترشحه رئيسًا للبلد الأفريقي، لولاية جديدة، يأمل من خلالها استكمال مشروع دحر تنظيم الإخوان، وتطهير بلاده من آثار «العشرية السوداء».
خطوة قادت الرئيس التونسي لإعلان عزمه إعادة الترشح لرئاسيات تونس، في شهر يوليو/تموز الذي اعتبر المفضل لديه؛ ففيه انطلق السباق الرئاسي الذي قاده للفوز في عام 2019، إثر رحيل سلفه الباجي قائد السبسي، في 25 يوليو/تموز 2019.
ليس هذا فحسب، بل إنه بعد عامين من وصوله لقصر قرطاج وتحديدًا في 25 يوليو/تموز 2021، شق مسارًا لمحاسبة قادة الإخوان على جرائمهم في العشرية المنصرمة، مما زج بالعديد من قادة التنظيم وذراعه السياسية (حركة النهضة) في غياهب السجون، بعد ثبوت تورطهم في جرائم «إرهابية» عدة خلال العشرية التي تقلدوا فيها زمام الحكم في البلد الأفريقي.
وبعدها بعام، نظمت تونس في 25 يوليو/تموز 2022، استفتاء على الدستور، مهد لمرحلة جديدة في البلد الأفريقي، بعيدًا عن الإخوان.
فهل ينصفه أكتوبر؟
بالنظر إلى نتائج انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2019، لم يكن ذلك الشهر أقل حظًا للرئيس التونسي من يوليو/تموز؛ ففيه حقق قبل 5 أعوام، «فوزا ساحقا على منافسه نبيل القروي بنسبة تصويت قياسية، بلغت 72.71% مقابل 27.29%»، ليكتسب -بحسب مراقبين- «شرعية شعبية لم يسبقه إليها أي رئيس تونسي».
وفي مسعى منه لتكرار ذلك «الانتصار»، أعلن قيس الجمعة، ترشحه لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، متعهدا بأن تبقى بلاده موحدة وذات سيادة، داعيًا في الوقت نفسه إلى ضرورة الانتباه والحذر من اندساس الإخوان في مرحلة التزكيات الشعبية.
وفي إشارة لإخوان تونس، قال قيس سعيد: «بهذه المناسبة أدعو الجميع ممن سيقومون بالتزكية إلى الحذر من كل أشكال الاندساس.. البعض سقط عن وجوههم القناع والبعض الآخر سيسقط عنه القناع في قادم الأيام، وأدعو من سيتولون التزكية بأن لا يقبلوا أي مليم من أي جهة كانت ومن يقبل أي مليم أنا منه براء».
ومنذ الأسبوع الماضي، بدأ مسار جمع التزكيات، حيث يلزم القانون الخاص بنظام الانتخابات، كافة الراغبين في الترشح للرئاسة، بتجميع 10 آلاف تزكية على الأقل من الناخبين موزعة على 10 دوائر انتخابية تشريعية، على ألا تقل عن 500 تزكية في الدائرة الانتخابية التشريعية الواحدة، أو الحصول على تزكية 10 نواب من البرلمان أو من المجلس الوطني للجهات والأقاليم، أو 40 من رؤساء الجماعات المحلية.
وستكون هذه الانتخابات الرئاسية الثانية عشرة في تونس، ومن المنتظر أن يُنتخب فيها رئيس الجمهورية الثامن في تاريخ البلاد لولاية مدتها خمس سنوات بحسب الدستور.
هل يتكرر «الانتصار»؟
من جهة أخرى، قال عمر اليفرني المحلل السياسي التونسي، إن إعادة ترشح قيس سعيد للانتخابات كان متوقعا، مشيرا إلى أن الرئيس كان ينتظر تاريخا وطنيا بعينه حتى يعلن قراره.
وأوضح المحلل السياسي التونسي، أن اختيار 19 يوليو/تموز لإعلان إعادة ترشحه، يأتي لرمزيته السياسية والتاريخية والممثلة في أحداث بنزرت (19 يوليو/تموز 1962).
وأحداث بنزرت أو معركة الجلاء كما تسمى رسميًّا في تونس، تشير إلى المواجهة المسلحة التي دارت في يوليو/تموز 1961 بين القوات الفرنسية المرابطة قرب مدينة بنزرت والجيش التونسي الذي سانده أعداد من المتطوعين.
وأكد اليفرني أن «سعيد يمتلك حظوظا أوفر من غيره للنجاح، فهو الأول في استطلاعات الرأي، باعتباره استجاب لمطالب التونسيين وتطلعاتهم».
وأشار إلى أن طريق قيس سعيد نحو قصر قرطاج لولاية ثانية «معبد»، فـ«لا يوجد أي منافس جدي يستطيع هزيمته»، مضيفا أن «الانتخابات مفتوحة للجميع في إطار الدستور والقانون الجديد لكنها تقصي جماعة الإخوان المنخرطة بالجرائم».
ملفات الفترة الثانية
وحول ملفات الفترة الثانية، قال المحلل السياسي التونسي، إن قيس سعيد تعهد بألا يترك البلاد «لمن لا وطنية لهم»، في إشارة لإخوان تونس، مشيرًا إلى أنه (سعيد) «يدرك جيدا أنه في منتصف طريق تأسيس الجمهورية الثالثة، التي بدأها بتطهير الدولة من الإخوان وممارسات الفساد ومحاسبة الخونة».
وأكد أن قيس سعيد يجب أن يستكمل مشروعه السياسي المدعّم بإجراءات 25 يوليو/تموز 2021، التي أنهت عشرية حكم الإخوان.
بدوره، قال أحمد بن بريك الناشط السياسي التونسي، إن الرئيس قيس سعيد «خاض حربا طويلة مع الإخوان، كشف خلالها زيفهم وإجرامهم، مما دفعه للإطاحة بحكمهم الذي دام عشر سنوات في 25 يوليو/تموز 2021».
وأوضح الناشط السياسي التونسي، أن تونس تسير على «خطى ثابتة بقيادة الرئيس سعيد من أجل إقرار دولة القانون، ومحاسبة الفاسدين والمتورطين بدعم الإرهاب وتمويله وفي مقدمتهم حركة النهضة».
خارطة طريق
وبحسب بريك، فإنه إثر الإطاحة بالإخوان في 25 يوليو/تموز 2021، وضع الرئيس قيس سعيد «خارطة طريق انطلقت بتغيير دستور الإخوان لسنة 2014 عبر استفتاء جرى في 25 يوليو/تموز 2022، ثم انتخابات برلمانية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2023، فالانتخابات المحلية التي انبثق عنها مجلس الجهات والأقاليم».
وأشار إلى أن تونس «حققت نجاحات أمنية متتالية من خلال عمليات استباقية ضد الإرهاب، أحبطت خلالها مخططات إرهابية، ما قاد إلى استتباب الأمن في البلاد، مما أدى بدوره إلى عودة قوية للسياحة».
ليس هذا فحسب، بل إنه (قيس سعيد) فتح «أخطر الملفات التي يتورط فيها الإخوان وزج بزعيمهم راشد الغنوشي في السجن لمحاسبته على جرائمه، وصدرت بحقه مذكرات في قضية ترؤسه للجهاز السري للنهضة وفي قضايا التآمر والتخابر والإرهاب».
وأضاف: كما فتح خلال فترة حكمه، ملف الاغتيالات السياسية وحكم بالإعدام في حق جهة التنفيذ التي نفذت اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد (6 فبراير/شباط 2013) كما ينتظر النطق بالحكم في قضية اغتيال القيادي القومي محمد البراهمي (25 يوليو/تموز 2013).
وتابع: كما فتح القضاء التونسي خلال فترة حكم سعيد، ملف تسفير الإرهابيين إلى بؤر التوتر الذي تتورط فيه حركة النهضة الإخوانية.