الصدارة سكاي / متابعات
تتفاقم الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إلى مستويات خطيرة مع تخطي الدولار الأمريكي عتبة 2000 ريال يمني خلال شهر أكتوبر الجاري. وهذه هي أدنى قيمة تاريخية للعملة التي بدأ تداولها بعد إعلان قيام الجمهورية اليمنية عام 1990.
ويهدد هذا الانهيار الجديد في قيمة الريال اليمني بمضاعفة أسعار السلع الغذائية الأساسية في الأسواق، وهو ما قد يدفع الملايين نحو الفقر المدقع، إلى جانب الملايين الذين يعيشون بالفعل مستويات وخيمة من الجوع والفقر كما تقول تقارير الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية.
الحكومة تتحدث عن مؤامرة
تنكر الحكومة اليمنية أن يكون الانخفاض غير المسبوق في قيمة العملة المحلية عائد لأسباب اقتصادية. وخلال اجتماع مع قيادة البنك المركزي في عدن يوم 16 أكتوبر، تحدث رئيس الوزراء اليمني أحمد بن مبارك عن “مؤامرة” تستهدف الاستقرار الاقتصادي.
وزعم بن مبارك أن “التدهور الحاد وغير المبرر في سعر صرف العملة الوطنية يشكل تهديدًا وجوديًا للاقتصاد الوطني، ويوازي في خطورته التحديات الأمنية التي تواجه البلاد”. وقال إن انهيار الريال اليمني “ليس نتيجة عوامل اقتصادية طبيعية، ولا يتوافق مع حجم الكتلة النقدية المتداولة”.
ويوم الأحد (20 أكتوبر)، اجتمع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي برئيس الحكومة بن مبارك والفريق الاقتصادي لمناقشة المستجدات الاقتصادية وانهيار قيمة العملة المحلية.
وشدد الاجتماع على حزمة من الإجراءات والتدابير اللازمة لمحاصرة عجز الموازنة العامة، وردع المضاربين بالعملات، وترشيد فاتورة الاستيراد والسيطرة على العرض النقدي ومراقبته، وتفعيل أجهزة الضبط وسلطات إنفاذ القانون”.
ويوم الاثنين (21 أكتوبر)، دعا مجلس الوزراء اليمني المجتمع الدولي، خاصة التحالف بقيادة السعودية والإمارات، لدعم جهود اليمن في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في ظل توقف صادرات النفط.
أوضاع إنسانية وخيمة
في بداية عام 2024، كان سعر صرف الدولار حوالي 1584 للشراء و1594 للبيع، واستمر هذا التراجع في القيمة. واليوم، فقد الريال اليمني 25% من قيمته مقارنة بما كان عليه في يناير الماضي. على مدى عشر سنوات، انخفضت قيمة الريال اليمني بأكثر من 800% مقابل الدولار الأمريكي، حيث كان سعر الصرف حوالي 214 ريالًا.
ورغم أن أسعار الصرف ظلت مستقرة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين لسنوات، حيث يتم تداول الدولار الأمريكي عند 533 ريالًا للشراء و535 للبيع، فإن الوضع الإنساني لا يزال مروعًا في جميع أنحاء البلاد. وبالرغم من انهيار العملة المحلية والارتفاع غير المسبوق في أسعار المواد الغذائية، لا تزال رواتب موظفي الحكومة تُدفع بنفس المعدلات كما كانت قبل الحرب. يبلغ راتب المعلم في أفضل الأحوال 50 دولارًا شهريًا.
وفي 26 يونيو، أفاد تقرير صادر عن البنك الدولي أن إجمالي الناتج المحلي في اليمن انكمش بنسبة 1% في 2024 بعد انكماش بنسبة 2% في 2023. كما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي بنسبة هائلة بلغت 54% منذ عام 2015.
وفي 20 يوليو، أشار تقرير صادر عن برنامج الغذاء العالمي إلى أن نسبة الأسر التي تعاني من استهلاك غذائي غير كافٍ في اليمن بلغت 64% في أغسطس 2024، مع ارتفاع الحرمان الشديد من الغذاء في شمال اليمن حيث يسيطر الحوثيون إلى 37%.
في 11 أغسطس، قال تقرير صادر عن البنك الدولي إنَّ معدل الفقر في اليمن ارتفع إلى 74% بسبب الصراع، مما أدى إلى تدهور الاقتصاد وارتفاع أسعار السلع.
مشكلات ضخمة
يرى الصحفي اليمني المتخصص في الشأن الاقتصادي، وفيق صالح، أن الاقتصاد اليمني يعاني من مشكلات هيكلية متفاقمة نتيجة عشر سنوات من الحرب التي شهدتها البلاد، وانقلاب مليشيا الحوثيين على مؤسسات الدولة. هذه المشكلات تضاعفت بمرور الوقت، ما جعل الأوضاع الاقتصادية أكثر تعقيدًا.
في حديثه لمركز سوث24، أوضح صالح أن أبرز المشكلات تمثلت في استنزاف مليشيا الحوثي للاحتياطي النقدي الأجنبي، وتعطيل الصادرات الوطنية، واستمرار سيطرتهم على موارد محلية كبيرة. كما أضاف أن الانقسام النقدي الذي أحدثته المليشيا أدى إلى استنزاف كبير للعملة الصعبة من المناطق الحكومية، حيث يتم تهريبها بشكل يومي إلى مناطق سيطرتهم عبر التبادل التجاري.
وأشار صالح إلى أن الوضع المالي للدولة يعاني من خلل عميق، حيث تواجه المالية العامة عجزًا كبيرًا في ميزان المدفوعات، وتراجعًا حادًا في الموارد المحلية للحكومة. في الوقت نفسه، تتزايد النفقات المالية، خاصة تلك المتعلقة بمدفوعات النقد الأجنبي، دون أي جهود ملموسة من قبل الحكومة لإصلاح الوضع الاقتصادي أو البحث عن بدائل لتعويض توقف الصادرات النفطية.
وأوضح أن الجمود يسيطر على أداء المؤسسات الإيرادية والمالية، مع غياب أي توجهات حكومية لتفعيل السياسة المالية أو إطلاق برنامج تقشفي لتقليص النفقات وتنمية الموارد العامة. هذه الأوضاع، بحسب صالح، تسببت في تكثيف المضاربة بالعملة الوطنية، ما أدى إلى زيادة الضغط على سعر الصرف.
على الجانب الآخر، يعتقد الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة حضرموت، الدكتور محمد الكسادي، أن أسباب التدهور في سعر العملة واضحة وتتمثل في تراجع قرارات البنك المركزي، التي كانت قد شكلت ضغطًا على الحوثيين. وأشار إلى أن الحكومة تواجه تحديات اقتصادية جسيمة، أبرزها توقف تصدير النفط والغاز، مما يزيد من تفاقم العجز في المدفوعات والميزان التجاري. ويعتقد الكسادي أن إعادة تصدير النفط والغاز هو الخيار الأكثر أهمية لإنقاذ الاقتصاد، ولكنه لا يكفي لحل المشكلة برمتها.
وذكر أن نقص العملات الأجنبية جعل من الاعتماد على صادرات ضعيفة أمرًا غير فعال. كما أظهرت الأرقام أن العجز في الميزان التجاري يتزايد، حيث تستورد اليمن حتى أبسط السلع مثل الشاي والمعكرونة، مما يعكس أزمة اقتصادية معقدة لا يمكن حلها إلا من خلال استئناف تصدير النفط والغاز.
فيما يتعلق بالمنح الاقتصادية والموازنات، يرى الكسادي أن المساعدات الخارجية حلًا مؤقتًا لا يعالج جذور المشكلة التي تعود إلى ما قبل الحرب. وأكد على ضرورة إصلاح قطاع الضرائب والجمارك لمعالجة الفساد والتدخلات البشرية في هذا القطاع، بهدف تحسين الإيرادات الحكومية.
وتطرق الكسادي إلى ضعف اهتمام الحكومة بالبعد الاجتماعي، مشيرًا إلى أن المواطن يعاني من الزيادات المستمرة في أسعار السلع الأساسية والمشتقات النفطية. كما انتقد استمرار وزارة الخارجية في الإنفاق على الوفود والزيارات دون أي تقليص، مما يزيد من عبء الإنفاق العام.
انتقد الكسادي أيضًا أداء البنك المركزي في عدن، مشيرًا إلى أن غياب الكفاءة في إدارته زاد من تعقيد الأزمة. وأضاف أن التنازلات التي قدمتها الحكومة للحوثيين بشأن بعض القرارات النقدية تثير تساؤلات حول استراتيجيتها، موضحًا أن الحكومة قد استسلمت لضغوط الوساطات الدولية بدلاً من اتخاذ إجراءات فعالة لتحسين الوضع الاقتصادي.
ختامًا، أكد الكسادي أن الوضع الحالي يتطلب إعادة هيكلة شاملة للبنك المركزي وضمان شفافية أكبر في إدارته، إلى جانب ضرورة تنفيذ إصلاحات عاجلة في السياسة المالية للحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.
عبد الله الشادلي
صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات