اللورد الذي أبلغ موسكو باليورانيوم المخصّب

محمد قواصكاتب سياسي لبناني
محمد قواص
كاتب سياسي لبناني

 

 

 

 

 

كان بإمكان بريطانيا أن تزوّد أوكرانيا بدبابات “تشالنجر 2” التي وعدت بها وذخيرتها من دون الاستغراق بالتفاصيل التقنية، لكنها لسبب ما فعلت غير ذلك. فماذا يقف وراء الحكاية؟

وفّر إعلان لندن عن أن ما سترسله من قذائف لتلك الدبابات يحتوي على اليورانيوم المنضّب الذريعة المناسبة لتبرير استعداد موسكو القديم الجديد للردّ النووي الذي ما برحت تلوّح به وتهدد بخياره منذ الأيام الأولى لبدء “العملية العسكرية الخاصة” التي أمر بها الرئيس فلاديمير  بوتين.

تولى الرئيس الروسي ووزير خارجيته سيرغي لافروف والناطقة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا وعدد من منابر موسكو السياسية التحذير من “الإثم” الذي سترتكبه لندن محذّرين جميعا من ردّ روسي يكون ندّاً وربما أكبر من اليورانيوم المخصّب الذي ستدخله بريطانيا إلى ساحة المعركة. أعلن بوتين تهديده بالردّ في حضور ضيفه الزعيم الصيني شي جين بينغ وبدا أنه يستقوي به. أكمل رئيس بيلاروسيا الكسندر لوكاشينكو هذه الحملة المنسّقة والمشددة مؤكدا أنه حالما تنفجر الذخيرة البريطانية في مواقع القوات الروسية “فإن الردّ سيكون فظيعاً، ودرساً لكوكب الأرض بأسره”.

لم تنتظر موسكو الإعلان البريطاني لكي تهدد باستخدام السلاح النووي. تكررت التهديد مناسبة بعد أخرى حتى باتت جزءا من بروباغندا ملتبسة تخلط بين الجدية والتهويل واللفظي. ويعود أول تهديد رسمي وعلني بعد 4 أيام فقط من بداية العملية العسكرية في أوكرانيا (24 شباط 2022)، حين أمَر بوتين، في اجتماع نقل وقائعه الإعلام الروسي، وزيرَ الدفاع، سيرغي شويغو، ورئيسَ هيئة الأركان العامّة للقوات المسلّحة، فاليري غيراسيموف، بوضع أسلحة الردع الاستراتيجي، ومن بينها الأسلحة النووية، على أهبة الاستعداد.

لم تكن بداية المعارك تستحق وضع تلك الأسلحة في حالة تأهب واستعداد، ولم تكن المنظومة الغربية قد حسمت أمرها في شأن تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا الذي وصل إليه هذه الأيام. وإذا ما فوجئ المراقبون برفع الرئيس الروسي لمستوى الصراع، فإنهم في الوقت عينه استنتجوا تكتيكا يُراد منه ردع الدول الغربية وحلف الناتو حينها عن القيام بما يؤخر انتهاء “العملية العسكرية الخاصة”.

 وفي ذهنه سؤال مُلحّ عاجَلَ به وزارة الدفاع ليعرف الخصوصيات التقنية لذخيرة الدبابات التي سترسل إلى أوكرانيا. وإذا ما ردّت الوزيرة المعنيّة على سؤال اللورد المكتوب بردّ مكتوب بعد 14 يوماً، فإن ما يفترض أيضا أن يكون تمرينا إداريا داخليا ينظّم علاقة الحكومة بغرفة تشريعية، وجد طريقا إلى العلن الذي عثرت فيه موسكو على مناسبة نادرة لردّ الصاع “المخصّب” بالصاع النووي الشامل.

سيصعب الاقتناع بتلك الشفافية المفرطة التي

 أفصحت عنها تلك المراسلات المنضبطة بين اللورد والوزيرة. حتى في توخيّ الوضوح في سلوك الحكومات الديمقراطية، فإن ما يعرف بـ Raison d’état يتيح كتم ما يجب كتمه في ظروف صراع تنخرط بها حكومة جلالة الملك. لم يحصل ذلك. وهنا تكمن حلقة مفقودة في هذه الحكاية المركّبة، أمر قد لا نعرف عنه شيئا إلا بعد سنوات عديدة من هذه الحرب التي لا نعلم لها نهاية حتى الآن إلا وعيد الربيع وما بعده.

المنشور التالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *