أسفرت أزمة الطاقة التي فجرتها الحرب في أوكرانيا عن تأثير مدمر من الناحية الاقتصادية على العالم أجمع- حيث تواجه أوروبا احتمال تراجع الصناعة ، وإعادة تشغيل مصانع الفحم ، وعدم استطاعة دول جنوب العالم تحمل أسعار الغاز الطبيعي المسال في الأسواق وهلم جرا ، ورغم ذلك من المتوقع أن يستمر تزايد الطلب على الطاقة، حسبما يرى الباحث الأمريكي تود رويال .
وقال رويال ، مستشار الطاقة الجيوسياسية ومؤلف الكتاب الذي صدر العام الماضي بعنوان ” طرق استغلال الطاقة النظيفة”، إن أسعار الطاقة المرتفعة تنعكس على جميع قطاعات الاقتصاد ، ويمكن القول إنه أينما ترتفع أسعار النفط ، ترتفع أسعار كل شئ نظرا لأن أكثر من ستة آلاف منتج يومي يعتمد على المشتقات البترولية .
وفي ظل هذا الوضع ، هناك شيئ واحد واضح للغاية : وهو أن الطاقة النووية فقط هى الخالية من الكربون، والقادرة على تلبية دعوات الولايات المتحدة المتزايدة للتحول للطاقة الكهربائية، والاحتياجات العالمية للنمو الاقتصادي الأساسي.
ويضيف رويال في التقرير الذي نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، أن الطاقة النووية تقلل من الاعتماد على النفط والغاز ، نظرا لأنها وفيرة وكثيفة الطاقة ويمكن أن تكون أداة ضد الآليات الجيوسياسية الشرق أوسطية التي يتم استخدامها ضد أي رئيس أمريكي كائنا من كان.
فالطاقة النووية تأتي الآن في مقدمة الوسائل الآمنة والموثوقة والخالية من الانبعاثات لإنتاج الكهرباء والطاقة الحرارية . ووفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية ،هناك قرابة 70 مفهوما للمفاعلات المعيارية الصغيرة قيد البحث والتطوير حاليا.
وللأسف ، يتم شيطنة الطاقة النووية ويعتقد كثيرون أنه يجب محاربتها مهما كان الثمن . وليس هناك شىء أبعد من ذلك عن الحقيقة. فقد توفي 200 شخص تقريبا نتيجة الاشعاع من حوادث نووية على مدار أكثر من ستين عاما.ويشمل هذا العدد من لقوا حتفهم في حوادث تشرنوبل وثري مايل ايلاند وفوكوشيما .
وبحساب حالات التشخيص بالسرطان بين الأشخاص الذين تعرضوا للاشعاع من هذه الحوادث ، يعد الضرر من محطة للطاقة النووية مقارنة بتأثيرات التلوث الناجم عن استخدام الفحم أو انبعاثات غاز الميثان من محطات للطاقة تعمل بالغاز الطبيعي دليلا قاطعا على أن الطاقة النووية أفضل خيار للحصول على الطاقة والكهرباء عندما يتم وضع كل العوامل في الحسبان.
وإذا تحدثنا عن الفحم ، فإنه رغم الوعود العالمية ، شهد عام 2022 نمو أسطول الفحم بمقدار 5ر19جيجاوات ، وهذه الكمية كافية لإنارة نحو 15مليون منزل .
وتم إضافة محطات جديدة للفحم بشكل رئيسي في الصين والهند ،ثم إندونيسيا وتركيا وزيمبابوي. ولو كان قد تم استخدام الطاقة النووية بدلا من الفحم ، لكانت الانبعاثات العالمية قد تراجعت بدلا من زيادتها في الولايات المتحدة وخارجها.
ومن الخطأ القول إن الطاقات المتجددة خالية من الكربون مقارنة بالطاقة النووية. والأمر المثير للدهشة هو أن 90% من كل المواد من محطة للطاقة النووية يمكن إعادة تدويرها – مقارنة بمنصات الرياح والطاقة الشمسية التي تولد ملايين الأطنان من النفايات.
وبالطبع تتطلب محطات الطاقة النووية نفسها كميات ضخمة من الصلب وحديد التسليح والخرسانة وشبكة أسلاك ومواد بلاستيكية ، ومواد أخرى . ولكن أي محطة للطاقة النووية تؤدي على نحو موثوق به وليس بصورة متقطعة أو متغيرة.
وكمثال ، يتطلب تشغيل أي توربين رياح نموذجي “900طن من الصلب و2500طن من الخرسانة و45طنا من البلاستيك غير القابل للتدوير.
ويتطلب توليد الطاقة الشمسية أيضا المزيد من المعادن والأسمنت والصلب والزجاج.
وللطاقة المتجددة استخدامات في تطبيقات غير متصلة بشبكات وفي بعض الشبكات الصغيرة والتطبيقات عن بعد ، ولكن بناء عدد كاف من توربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية لتوفير نصف الكهرباء الضرورية للاستهلاك العالمي على الأقل، سوف يتطلب ميلياري طن من الفحم لإنتاج الخرسانة والصلب إضافة إلى ملياري برميل من النفط لتصنيع الشفرات المركبة .
ويتم تصنيع أكثر من 90 % من الألواح الشمسية في العالم في آسيا في شبكات كهربائية تعتمد بشكل مكثف على الفحم لتشغيلها.
ولا تتعرض محطات الطاقة النووية لظروف الوقود الأحفوري الشديدة أو تحتاج لاستبدالها في فترة تتراوح ما بين عشر إلى عشرين عاما مثلما تحتاج مزارع الرياح والطاقة الشمسية الصناعية في ظل التكنولوجيا الحالية.
ولا تحتاج أي محطة للطاقة النووية تقريبا مساحة الأرض التي تشغلها مصادر الطاقة المتجددة ، وهنا تكمن الميزة الأكبر . وفي الحقيقة، لا تتطلب محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والغاز الطبيعي أيضا مساحات كبيرة من الأرض.
ولكن قضية استخدام الأرض هى التي تعد حاسمة بالنسبة لقدرة الطاقة النووية على حل مشاكل الطاقة العالمية والبيئية . وسوف تلعب الطاقة النووية دورا بارزا في تخفيف تأثيرات مصادر الطاقة المتجددة ذات الاستخدام المرتفع للأراضي على الشبكة ، وبالنسبة لحصول عدد متزاد من السكان في الهند وأفريقيا وآسيا على كهرباء خالية من الكربون وفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
واختتم رويال تقريره بالقول إن القطاع النووي في الولايات المتحدة يواجه طريقا شاقا ، ولكن العقبة الأكبر أمام إحراز تقدم في صنع مفاعلات متقدمة وحدوث أنبعاثات أقل وتحقيق استقر ار جيوسياسي تتمثل في حركة المناخ الحديثة