الصدارة سكاي/متابعات
أثار الارتفاع المتسارع في درجات حرارة المحيطات حول العالم مؤخراً قلق العلماء، خوفاً من أن يزيد ذلك من آثار الاحتباس الحراري.
وسجل المؤشر العالمي لقياس درجة حرارة سطح البحر أرقاماً قياسية جديدة هذا الشهر، حيث لم تصل حرارة مياه البحر إلى هذا السخونة من قبل بهذا التسارع، دون أن يملك العلماء تفسيرات وافية حول أسباب ما يحدث.
ويشعر العلماء بالقلق من أن تصل درجة حرارة العالم إلى مستويات جديدة بحلول نهاية العام المقبل، نتيجة هذا التسارع في ارتفاع درجات الحرارة بالإضافة إلى إمكانية حدوث ظواهر جوية أخرى.
و يعتقد الخبراء أنه من المتوقع أن يشهد العالم خلال الأشهر المقبلة آثار ظاهرة النينو المناخية، التي تؤدي لتسخين مياه المحيط.
ويمكن أن تؤدي زيادة حرارة المحيطات إلى قتل الحياة البحرية فيها، وأن يصبح الطقس فيها أكثر قسوة، وترتفع مستويات سطح البحر، فيما تصبح مياهها أقل كفاءة في امتصاص الغازات المسببة للاحتباس الحرارة.
ففي مارس/آذار، كانت درجات حرارة سطح البحر قبالة الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية وصلت إلى 13.8 درجة مئوية مرتفعة بذلك عن المتوسط الذي تم تسجيله في الفترة بين أعوام 1981-2011.
وقالت كارينا فون شكمان، المعدة الرئيسية للدراسة الجديدة، وعالمة المحيطات في مجموعة الأبحاث ميركاتور أوشن إنترناشونال إنه حتى الآن لم يتم إثبات سبب حدوث هذا التغيير السريع والهائل في درجات الحرارة.
وتضيف: “لقد تضاعفت الحرارة في النظام المناخي خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، لا أود أن أقول إن هذا تغير مناخي، أو إنه تقلب طبيعي أو مزيج من الاثنين معاً، نحن لا نعرف حتى الآن. لكن بإمكاننا أن نرى آثار هذا التحول”.
ويعتبر إنخفاض مستويات التلوث الناجمة عن حركة الشحن، واحدا من العوامل التي يمكن أن تؤثر على مستوى الحرارة القادمة إلى المحيطات، وهو الأمر المثير للاهتمام.
ففي عام 2020، وضعت المنظمة البحرية الدولية لائحة لتقليل محتوى الكبريت في الوقود الذي تحرقه السفن، وكان لهذا أثر سريع، حيث قلّت جزئيات الهباء الجوي المنبعثة في الغلاف الجوي.
لكن الهباء الجوي الذي يؤدي إلى تلوث الهواء، يساعد من جهة أخرى في عكس الحرارة إلى الفضاء، وقد يسبب تقليل جزئيات الهباء الجوي في دخول المزيد من الحرارة إلى المياه.
ما هو أثر ارتفاع درجة حرارة المحيطات؟
إرتفع متوسط درجة حرارة سطح البحار في العالم بحوالي 0.9 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل المرحلة الصناعية، فيما ارتفع المتوسط 0.6 درجة مئوية في الأربعين سنة الماضية وحدها.
وتعتبر هذه الارقام أقل من الارتفاعات التي طرأت على درجات حرارة الهواء فوق الأرض، إذ ازدادت الحرارة بأكثر من 1.5 درجة مئوية عن مرحلة ما قبل المرحلة الصناعية، ويعود هذا إلى أن تسخين المياه يحتاج إلى طاقة أكبر بكثير من الأرض، ولأن المحيطات تمتص الحرارة بعيداً عن سطحها.
وحتى هذه الزيادة المتوسطة التي تبدو صغيرة لها عواقب كبيرة في العالم.
-
فقدان الكائنات الحية: تؤدي موجات الحر الأكثر تكراراً وشدة في البحار، إلى نفوق جماعي للحياة البحرية، وهذا يضر بشكل خاص بالشعاب المرجانية.
-
طقس أكثر قسوة: زيادة الحرارة في الجزء العلوي من سطح المحيط تعني أن الأعاصير المدارية والعواصف يمكن أن تكون أكثر قوة، ما يعني أنها تصبح أكثر كثافة وتدوم لفترة أطول.
-
ارتفاع مستوى سطح البحر: تشغل المياه الأكثر دفئاً مساحة أكبر- ما يُعرف باسم التمدد الحراري – ويمكن أن تسرّع بشكل كبير ذوبان الأنهار الجليدية في منطقة الغرينلاند والقارة القطبية الجنوبية وثم تتدفق إلى المحيطات، وهو ما يرفع مستويات البحار العالمية، ويزيد من مخاطر الفيضانات الساحلية.
-
قدرة أقل على امتصاص ثاني أكسيد الكربون: تستهلك المحيطات حالياً حوالي ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وتتمتع المياه الأكثر دفئاً بقدرة أقل على امتصاص ثاني أكسيد الكربون. وفي حال استهلكت المحيطات كمية أقل من ثاني أكسيد الكربون في المستقبل، فإن ذلك سوف يؤدي إلى مراكمة المزيد من هذا الغاز في الغلاف الجوي، ما يؤدي إلى زيادة سخونة الهواء والمحيطات.
وهناك عامل مهم آخر يثير قلق العلماء، وهو الظاهرة المناخية المعروفة باسم تذبذب النينو الجنوبي ” El Niño Southern Oscillation”
فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، كانت هذه الظاهرة الطبيعية تحدث عبر مراحل أكثر برودة، وتسمى النينيا، و ساعدت في إبقاء درجات الحرارة العالمية تحت السيطرة.
لكن الباحثين يعتقدون الآن أن ظاهرة النينيو القوية، والأكثر سخونة، تتشكل حالياً، وسيكون لها آثار كبيرة على العالم.
يتفق مكتب الأرصاد الجوية الاسترالي بقوة مع اعتقاد الباحثين حول تشكّل ظاهرة النينو الجوية، يقول هيو ماكدويل الموظف في الأرصاد الأسترالية: “تشير كل النماذج المناخية أننا نتجه إلى حدث قوي عبر هذه الظاهرة المناخية”.
حذر ماكدويل من أن التوقعات في هذه المرحلة من العام أقل موثوقية.
لقد نشأت ظاهرة النينيو الساحلية بالفعل قبالة شواطئ بيرو والإكوادور، ويعتقد الخبراء أن حدثاً مكتمل التكوين ستتبعه تداعيات على درجات الحرارة العالمية.
وقال الدكتور جوزيف لوديشر، من معهد بوتسدام لأبحاث المناخ: “إذا ظهرت ظاهرة النينيو الجديدة، فمن المحتمل أن نشهد ارتفاعاً إضافياً في ارتفاع درجات الحرارة العالمية بمقدار 0.2-0.25 درجة مئوية”
ويضيف لوديشر “سيخف التأثير على درجة الحرارة بعد أشهر قليلة من ذروة أي ظاهرة نينيو، ولهذا السبب من المحتمل أن يكون عام 2024 هو الأكثر دفئاً على الإطلاق، لكن قد نكون قريبين من 1.5 درجة مئوية يوماً لمرحلة مؤقتة”.
ومن المحتمل أن تؤدي ظاهرة النينيو إلى اضطراب أنماط الطقس في جميع أنحاء العالم، وإضعاف الرياح الموسمية والتهديد بالمزيد من حرائق الغابات في أستراليا.
ولكن هناك مخاوف أساسية أكثر، إذ من المتوقع أنه مع دخول المزيد من الحرارة إلى المحيط، قد تكون المياه أقل قدرة على تخزين الطاقة الزائدة. بالإضافة لمخاوف من أن الحرارة الموجودة في المحيطات لن تبقى هناك.
تردد العديد من العلماء الذين تم الاتصال بهم للتعليق حول هذا الموضوع، من الحديث عن الآثار المترتبة على هذه الارتفاعات في الحرارة. لكن أحدهم عبّر عن “قلقه الشديد والتوتر الكبير”.
أظهرت بعض الأبحاث حدوث قفزات في مستويات درجة حرارة العالم، حيث حدثت تغيرات طفيفة على مدى سنوات، ثم حصلت قفزات مفاجئة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور ظاهرة النينيو.
وفقًا لكارينا فون شكمان، هناك بعض الأمل في هذا السيناريو بأن تنخفض درجات الحرارة مرة أخرى بعد انحسار ظاهرة النينيو.
وقالت لبي بي سي نيوز: “لا تزال لدينا نافذة يمكننا من خلالها التصرف، وعلينا استخدامها لتقليل العواقب”.
المصدر: BBC