44 بالمئة قالوا “لا” لأردوغان.. ما الأسباب التي أنهت لأوّل مرّة “تميمة الفوز” الحاسم “للطيّب” بالرئاسة وهل إظهاره ثقة الفائز من على شُرفته ستحسمه “رئيساً” بعد أسبوعين؟.. كليتشدار وموانع لقب “الرئيس الثالث عشر” وخياره الأخير للفوز عند باب “صانع المُلوك” فمن هو وما شرطه
لم يستطع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، حسم الجولة الأولى كما كرّر أمام ناخبيه في حملاته الانتخابيّة، وبات ذلك رسميّاً، مع إعلان رئيس اللجنة العُليا التوجّه إلى جولةٍ ثانية، لحسم منصب الرئاسة، ولكن الرئيس ظهر أمام أنصاره من على شرفته الشهيرة فجر الاثنين، واثقاً بالفوز، ومُرحّبًا بجولة ثانية إذا أراد الشعب ذلك، وبطبيعة الحال احتكاماً لصناديق الاقتراع، الأمر الذي رحّبت به المُعارضة، والتي شكّكت بداية الأمر بالأصوات، وفرزها، ما يعني أن المُعارضة ومُرشّحها سلّمت بالنتائج النهائيّة التي أظهرت تقدّم أردوغان، وعدم حسمه فيها للجولة الأولى، وتستعد الآن لجولةٍ ثانية.
قد يكون الرئيس أردوغان فشل في الحسم من الجولة الأولى، يرى البعض في ذلك بأن شعبيُته قد تراجعت لصالح المُعارضة، فيما يرى آخرون بأنه تفوّق بالنهاية على مُنافسه “العلماني”، ووفقاً لقانون للانتخابات لم يتمكّن من تعدّي عتبة 50 بالمئة، ولكنه نجح، كما تمكّن حزبه من الحفاظ على الأغلبيّة في الانتخابات البرلمانيّة، بحُصوله (تحالف الجمهور) على 321 مقعدًا، مُقابل 213 مقعدًا لتحالف الأمّة، ما يضمن له أغلبيّة، ولكن تجدر الإشارة إلى أن مقاعد حزب العدالة والتنمية تراجعت عن انتخابات 2018، فقد حصل في الأخيرة على 295 مقعدًا، بينما حصل في انتخابات 2023 على 266، فيما حصلت الحركة القوميّة على 50 مقعدًا، ما ضمن للتحالف الحاكم الأغلبيّة.
وحول حالة التحريض على اللاجئين السوريين التي راجت في الإعلام، لا يبدو أن ثمة حالة إجماع تركيّة على ترحيل اللاجئين السوريين، حيث فقد رئيس حزب النصر اليميني المعادي للاجئين في تركيا، أوميت أوزداغ، مقعده في البرلمان، بعد النتيجة المتدنية التي حصلت عليها في الانتخابات، وحصل حزب النصر، على 2.25 بالمئة من الأصوات، في الانتخابات، وبذلك لم يصل إلى النسبة التي تخوله دخول البرلمان، وهي 7 بالمئة، الأمر الذي دفع أوزداغ الاعتذار عن عدم قدرته على ترحيل اللاجئين.
وبحسب وسائل إعلام محليّة تركيّة، يبدو أن دعوات الطمأنة لجذب الناخبين السوريين الحاصلين على الجنسيّة التركيّة المسموح لهم بالانتخاب، قد نجحت في جذبهم، فقد أشارة تقارير صحفيّة إلى توجّه آلاف السوريين الحاصلين على الجنسية التركيّة إلى مراكز الاقتراع في مختلف الولايات، للإدلاء بأصواتهم في انتخابات رئاسية وبرلمانية “مصيرية” لم تشهد البلاد مثلها مُنذ عام 2002، ولكن المُعارضة التركيّة أشارت إلى أن أعداد اللاجئين الذين صوّتوا كانت أكبر من عدد المُسجّلين.
وبغض النظر عن الخوض طويلاً في موازين الربح والخسارة للرئيس أردوغان، والانقسام حول رغبة الشارع التركي بين الاستقرار والتغيير، فإن الجولة الأولى قد انتهت بدون حسم اسم الفائز الرئاسي، وعلى المُرشّحين المُتنافسين التحضير للجولة الثانية، التي يحسم الفائز فيها وينتزع عرش تركيا دون الحاجة لتخطّي عتبة 50 بالمئة.
ثمّة تساؤلات مطروحة حول الجولة الثانية التي من المُفترض أن تجري بعد أسبوعين 28 أيّار/ مايو، حول ما إذا كانت ستكون بذات الزخم، والإقبال الشعبي، حيث عادةً ما يكون الإقبال في جولات الإعادة أقل جماهيريّة، حيث شهدت الجولة الأولى إقبالاً بنسبة 88.75 بالمئة بالداخل، و51.92 بالمئة بالخارج، حصل فيها أردوغان بحسب رئيس الهيئة العُليا للانتخابات على 49.51% ولمُنافسه كليتشدار أوغلو 44.8% من أصوات الناخبين، ولكن جولة الإعادة هذه تحصل لأوّل مرّة في تاريخ تركيا.
التساؤل المطروح الآن، سيكون بالأكثر أمام المُعارضة التركيّة التي بطبيعة الحال خسرت الأغلبيّة في البرلمان، وتبقّى أمامها الجولة الثانية، وماذا يُمكن أن تفعل لجذب الناخب التركي، فمُراهنتها على الحسم من الجولة الأولى لم تصل إلى تهديد عرش أردوغان، وولايات الزلزال كان لافتاً بأنها اختارت التصويت لأردوغان عدا ولايتين، ما يعني عدم تأثّرها بعدم الاستجابة، والواقع الاقتصادي من زيادة التضخّم إلى تراجع الليرة التركيّة أمام الدولار في ظل حُكم أردوغان، لا يبدو أن برامجها الانتخابيّة والاقتصاديّة قد أقنعت الناخب باختيار التغيير، والمُغامرة، على الأقل بالشكل الذي يضمن لكمال كليتشدار أوغلو أن يحمل لقب الرئيس التركي الثالث عشر.
العين في الأسبوعين القادمين، ستكون مُسلّطة على المرشح الثالث (القومي) سنان أوغان، الذي كان مُفاجأة الانتخابات، وحل ثالثاً، وحصل على 5.2%، تلك الأصوات يُمكن أن تقلب المُعادلة، لو وجّهها أوغان أو “صانع المُلوك” كما بات يُوصف، لصالح كمال كليتشدار أوغلو، ولكن الرجل اشترط بأنه لا يُمكن أن يدعم مرشح المعارضة كليتشدار أوغلو في جولة الإعادة إلا إذا وافق على عدم تقديم تنازلات لحزب مؤيد للأكراد، موضحاً بأنّ مُحاربة الإرهاب وإعادة اللاجئين “خطوط حمراء”.
يُمكن القول وأمام كُل هذا، وإن فشلت المُعارضة بالفوز، وثارت التساؤلات بين مسؤوليها إن كانت أصابت باختيار كمال كليتشدار أوغلو، وأن الأنسب كان اختيار رئيس بلديّة إسطنبول أكرم إمام أوغلو للمُنافسة، بأن الرئيس أردوغان والذي لم يُهزم في 10 انتخابات وطنيّة مُنذ العام 2003، بأن أكثر من 44 بالمئة من الأتراك قالوا لا له، واختاروا التغيير، ولم يحسم من الجولة الأولى، ما يطرح تساؤلات فيما إذا كان حزبه تنبّه لهذه المسألة، وسيعمل على تغيير بعض سياساته حال فوزه بالجولة الثانية، والأهم مُخاطبة الشباب والجيل الجديد، والذي لعلّه يُريد (الشباب) تجربة جديدة في الحُكم تمتد لخمس سنوات.
بكُلّ الأحوال، وبغض النظر عن الفائز بالرئاسة، والذي تأجّل لأسبوعين حاسمين، ستشهد فيهما البلاد مُهاترات، واتهامات كثيرة، نجحت تركيا بتنظيم انتخابات ديمقراطيّة، يحق فيها للمواطن اختيار زعيمه عبر صناديق الاختراع، وهذه تجربة تظل رؤى وأحلام في الدول المُحيطة بها، لم تعرف سوى أنظمة الحزب والرجل الواحد.