كشفت الأحداث الجارية على الساحة الفلسطينية والمتمحورة في الحرب العدوانية على قطاع غزة الفلسطيني، كشفت الغطاء عن حالة الزيف الممنهج الذي بنيت وتُبنَى عليه السياسات الغربية (الديمقراطية) وإعلامها القائم على التضليل والكذب والزيف وغسيل الأدمغة، وما لعبه كل ذلك في عملية بناء وعي مشوه لدى الشعوب الأوروبية والأمريكية على مدى قرون من الزمن من خلال تكييف مفردات الثنائيات الأخلاقية والإنسانية والسياسية : كالخير والشر، الحق والباطل، الظلم والعدل وأخيراً (وليس آخر هذه الثنائيات) الإرهاب والدفاع عن النفس ضد الإرهاب، وتبين أن ترجمة مفردتي كل ثنائية من هذه الثنائيات ومثيلاتها من ثنائيات القيم الأخلاقية والإنسانية، لا يعبر إلا عما يخدم مصالح وأهواء وأهداف مُلَّاك تلك (الديمقراطيات) المُدَّعاة وممولي وسائل إعلامهم القائمة على التضليل والتزييف. كل من يتابع تحركات الساسة الغربيين بدءًا بالرؤساء ورؤساء الوزراء مروراً بوزراء الخارجيات والدفاع وغيرهم وأخيراً سفراء وموظفي السفارات التابعة لتلك الدول وكذا مؤسساتهم ومراكزهم الإعلامية كثيرة العدد يكتشف مدى الغي والفجور الذي يتبعه هؤلاء الذين يحكمون عشرات الملايين من السكان ويتحدثون باسمهم ويواصلون سياساتهم المنحازة إلى القتلة والمجرمين والمتحاملة على ضحاياهم من الأطفال والنساء والعجزة والمشردين من الفلسطينيين. تتركز سياسات هؤلاء القادة ودولهم ومراكزهم الإعلامية ومروجي سياساتهم على ما حدث يوم 7 أوكتوبر الجاري في المعسكرات والمستوطنات المقامة على ما يسمى بــ”غلاف غزة”، ولا حديث لهم غير تلك (الجناية) ويتجاهلون عمداً ما عداها مما سبق وما لحق هذه العملية من جرائم العدوان الإسرائيلي التي تتجاوز في نوعها وعددها وبشاعتها، ما جرى صبيحة 7 أوكتوبر بمئات وربما بآلاف المرات، ولم نسمع سياسياً واحداً ولا مركزاً إعلامياً ولا متحدثاً رسمياً يمثل هؤلاء يلتفت ولو إلى العنوان لواحدة من جرائم الدولة الصهيونية القائمة على العنف والعدوان والإرهاب والإجرام منذ يوم تأسيسها. لقد انكشف الغطاء عما تدعيه دول أوروبا وأميركا من أقاويل وتنظيرات عن الحضارة والمدنية والعدالة والديمقراطية والحريات العامة وحقوق الأنسان وكرامته وأمنه، وتبين أن كل هذا الهراء لا يعني سوى رمادٍ يذره الساسة الغربيون ومراكزهم الإعلامية على عيون شعوبهم وشعوب العالم ، وهراوة من هراوات الابتزاز على الحكام الضعفاء أمام الغرب والمستشرسين أمام شعوبهم. لقد كشفت أحداث العدون على غزة تلك الشيزوفرينيا المسيطرة على العقليات السياسية الغربية، لكن أصحاب هذه العقليات نسوا أن الأجيال الجديدة الناشئة في زمن الثورة الرقمية والإعلام الجديد قد تمردت على سياساتهم الإعلامية وهي اليوم تصرخ في وجه مرضى الشيزوفرينيا السياسية كي يتوقفوا عن دعم القتلة وإدانة الضحايا. أحداث غزة أيقضت ضمائر الشعوب وكشفت عن الموت السريري لضمائر الحكام والإعلاميين الغربيين، وقد تغدو عود الثقاب الذي سيشعل الحرائق تحت أقدام الحكام (الديمقراطيين) الطغاة. قال الشاعر العربي طرفة ابن العبد: سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً وَيَأتيكَ بِالأَخـــــبارِ مَن لَم تُزَوِّدِ وَيَأتيكَ بِالأَخـــبارِ مَن لَم تَبِع لَهُ بَتاتاً وَلَم تَضرِب لَهُ وقت موعد