أوضح الدكتور محمد سالم أبو عاصي، أستاذ التفسير، عميد كلية الدراسات العليا السابق بجامعة الأزهر، الحكم الديني للغناء.
وخلال لقائه ببرنامج “أبواب القرآن”، قال محمد سالم أبو عاصي إن الدين الإسلامي جاء يلبي حاجة الإنسان، موضحا أن الإنسان ليس مادة فقط، بل روح ومادة، كما أنه مجموعة من العواطف والمشاعر والأحاسيس.
وأضاف أبو عاصي: “عند مراجعة القرآن الكريم، نجد أن القرآن مرة يخاطب العقل ومرات يخاطب المشاعر والأحاسيس، واللغة كما يقولون أمام المشاعر والأحاسيس عاجزة، ولذلك يقولون المعاني أكبر بكثير من اللغة ومن المباني”، مردفا: “أنت تجد ساعات إن الست بتجوز بنتها موطن فرح تبكي، وتجد واحد جاي من السفر أمه لا تملك أي كلام إلا أنها تبكي، ولهذا قال العلماء أن هذا البكاء في مواطن الفرح يكمل عجز اللغة، فقالوا الاستعارات في البلاغة الكنايات المجازات لاستكمال عجز اللغة”.
وأردف: “بعض العلماء يقولون أن الموسيقى جاءت تكمل عجز اللغة، ولهذا عندما يستمع البعض للموسيقى يجد مشاعره جياشة وتحرك بشكل تلقائي وغير إرادي، ويجد الشخص نفسه أنه في حالة من الفرحة والانبساط الشديد، لذا عند تحريم الفن والموسيقى كيف يمكن للإنسان أن يلبي احتياجاته الداخلية؟”
وأكمل العالم الأزهري: “الإسلام هو الذي عقد صلحا في تاريخ الفلسفة بين الروح والجسد، حيث هناك فلسفات أعطت للجسد ما يريد وهناك فلسفات روحية أفرطت في عالم الأرواح.. الإسلام جاء وسط، أي أنه يعطي الجسد ما يستحق حقه من مأكل ومشرب ونظافة ويعطي الروح أيضا ما تستحقه أو يعطي الروح غذائها أيضا من الذكر والحب والفرح والسرور، وذلك لأن الروح حبيسة في الجسد، ولهذا قال ابن سينا..”الروح هبطت إليك من المحل الأرفع وسكنت في الجسد”.. وهذا دليل على أن الروح سجينة الجسد وتنتظر اليوم الذي تخرج منه لأنها تحب الانطلاق والحرية، لذا الروح دائما في حنان وتحنان وشوق لتعود إلى الله رغم المعاصي، غذاء الروح والجسد”.
واستطرد محمد سالم أبو عاصي: “جاء رجل إلى النبي قال له متى الساعة؟ رد النبي..وماذا أعددت له؟ قال الرجل.. ما أعددت لها كثير، أنا لست صواما ولا قوامًا ولكني أحب الله ورسوله.. رد النبي..أنت مع من أحببت.. لذا يمكن القول أن الروح في اشتياق أن تخرج من هذا الجسم”.
وأوضح أبو عاصي قائلا: “عندما يذهب الإنسان إلى مكان للتنزه والترفيه عن النفس يجد روحه تغمرها السعادة والسرور”، مردفا: “بعض المتشددين يقولون إن غذاء الروح في الذكر، ولكن هنا نقول إنه لا يستطيع أي إنسان أن يذكر طوال أيام حياته بشكل متواصل ومستمر، والدليل على عدم المقدرة على المواظبة على الذكر دون وجود فواصل زمنية هو أن الصحابة اشتكوا للنبي فقال لهم “ساعة وساعة”، فلا يمكن أن تعيش على الذكر فقط والعبادة فقط الا إذا بلغت درجة الربانيين الكبار”.
وأشار العالم الأزهري إلى أن “الإسلام يقول للإنسان إنه هناك متع في الحياة ليس ممنوعا منها مثل الغناء، حيث أنه لا يوجد نص صحيح صريح في تحريم الغناء، وكل ما هو صريح في تحريم الغناء غير صحيح، وكل ما هو غير صحيح في تحريم الغناء لا يحمل أي دلالة، فاذا كان النص صحيح تجد الدلالة غير صريحة، وإذا كانت الدلالة صريحة تجد النص غير صحيح”.
وأكد أبو عاصي أن “أمر الغناء يعود كما يقول العلماء إلى المضمون، أي أنه إذا كان نص الغناء فيه نوعا من الرقي ويخاطب المشاعر بشكل سامي رفيع دون بذاءة فهنا لا يصح تحريم الغناء، وهذا عكس بذاءة المضمون الذي تحوله إلى التحريم، أي أن الأمر يتوقف على المضمون”.