أكد تحليل نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أن تصعيد مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، هجماتها في البحر الأحمر تحت غطاء نصرة غزة، قطعَ الطريق على الجهود الأممية والدولية لإحلال السلام، ومثل فرصة ضائعة جديدة لإنهاء الأزمة اليمنية، خصوصا عقب إعلان المبعوث الأممي أواخر سبتمبر 2023 مسوّدة خارطة طريق. وسارع الحوثيون إلى الانخراط في معركة بحرية جنوب البحر الأحمر بدعوى إسناد الفلسطينيين في غزة، وربطها بتوقف الحرب في القطاع. إلا أن التعهدات الحوثية بدعم إيران في أية مواجهة إقليمية يسقط فرضية توقف الهجمات البحرية مع توقف الحرب في غزة.
وقال التحليل: ” الحوثيون تعهدوا بدعم إيران في أية مواجهة إقليمية، وهو ما أكدته الجماعة أكثر من مرة. ففي أعقاب تلويح قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، في 7 مايو 2024، بنقل التهديد إلى شرق المتوسط، أعلن الحوثيون إمكانية تطوير هجماتهم لاستهداف السفن في البحر المتوسط. أعد التحليل الباحث أحمد عليبة، رئيس وحدة الاتجاهات الأمنية في مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، وحمل عنوان “تشابكات معقدة: معضلة “اليوم التالي” في اليمن وتحديات التسوية السياسية”. وأكد أن التحدي الفعلي في الأزمة اليمنية يتمثل في إجراء عملية تسوية سياسية شاملة، ولكن في ظل الوضع الحالي لا يزال وجود مشروع وطني جامع للقوى السياسية غائباً، وحتى لو تم الاتفاق على إطار سياسي برعاية الأمم المتحدة وفي سياق الحل الإقليمي، فإن فرص تنفيذه على أرض الواقع ستظل غير ممكنة على الأقل في المدى المتوسط. فصل الملفات
ومع كل تصعيد عسكري حوثي، تبرز الدعوات التي تطلقها قيادات الجماعة بشأن استئناف “عملية السلام” في اليمن. وهذا التناقض يكشف حقيقة أن الجماعة تحاول فصل الملفات للوصول إلى صفقات منفصلة تحقق لها أهدافها ورغباتها.
وأشار التحليل إلى أن الجماعة الحوثية، دعت في مارس الماضي، السعودية إلى استئناف “عملية السلام” في اليمن، وهو ما يبدو معه ظاهرياً أن الجماعة تراجعت خطوة إلى الوراء أو أنها بصدد فصل الملفات، لكن عملياً كانت هناك دوافع لذلك، منها أن تلك الدعوة جاءت عقب دخول التصنيف الأمريكي للحوثيين “ككيان إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص”، حيز التنفيذ، وزيادة العقوبات والقيود الاقتصادية على الجماعة. وأعقب ذلك متغير الموقف الإيراني كمحرك رئيسي للسلوك الحوثي في ظل إجراء واشنطن وطهران جولة تفاوض جديدة في مايو الجاري في سلطنة عُمان، ومن المتوقع انعكاس تأثيرها في الملفات الإقليمية، ومنها الهجمات الحوثية على الملاحة في جنوب البحر الأحمر.
وأكد التحليل أن التطورات اللاحقة تشير إلى فصل الأدوار عن الأهداف الفعلية لكل ساحة من الساحات التي تلعب فيه أذرع ووكلاء إيران في المنطقة؛ إذ يتم التفاوض في كل ساحة على قضايا مختلفة للتوصل إلى صفقات بالقطعة ليس لها علاقة بالحرب في غزة. وبشكل عام، توظف إيران كل هذه الصفقات لإبرام صفقة أكبر، فقد اتجهت طهران بعد استهداف إسرائيل لأصفهان في 19 أبريل الماضي، إلى إعادة ترتيب أوراقها، والاهتمام بقدراتها النووية. وفي هذا الإطار، كشفت تقارير أمريكية عن أن السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، بدأ مساعي المفاوضات مع واشنطن، ثم تحولت المحادثات بين البلدين إلى عُمان.
صفقات متعددة
بحسب أحمد عليبة، رئيس وحدة الاتجاهات الأمنية في مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، فإن كل ساحة من الساحات الإقليمية التي تلعب فيها إيران حققت مطالب منفصلة، ففي العراق تراجع تصعيد المليشيات العراقية ضد القوات الأمريكية، في ضوء رد الفعل الأمريكي على الهجوم على قاعدة “البرج 22″، والتفاوض بين بغداد وواشنطن حول مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في العراق. في سوريا، تراجع مستوى التصعيد على الساحة السورية في المرحلة التي تلت الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل في أبريل الماضي، وتقريباً لم تُسجل هجمات من المليشيات على القواعد الأمريكية في سوريا. وعلى الرغم من تأكيد حزب الله اللبناني على ربط التصعيد ضد إسرائيل بدعم غزة، فإنه من الواضح أن معادلة الصراع مع إسرائيل تتعلق حالياً بالتفاوض حول “منطقة عازلة” ستحدد مستقبل تحولات الصراع وقواعد الاشتباك بين الطرفين.
بالنسبة لليمن، تكشف دورة التصعيد الحوثي في جنوب البحر الأحمر والممتدة على مدار نحو ستة أشهر، عن أهداف مختلفة؛ يأتي في مقدمتها الضغط الإيراني على القوى الغربية، مع ملاحظة أن هذه القوى التي تشارك بمهام عسكرية سواء مع الولايات المتحدة أم بشكل مستقل كانت أطرافاً في الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015.
وعلى الجانب الآخر، لدى إيران طموحات جيوسياسية في الوجود في البحر الأحمر كنقطة انطلاق إلى أعالي البحار، ودلالة ذلك تحرك السفينة “مهدوي” التابعة للحرس الثوري في رحلة بحرية هي الأولى من نوعها في المحيط الهندي جنوب خط الاستواء انطلاقاً من خليج عدن.
وأكد التحليل أن السياسة الإيرانية قد تكون على أعتاب يوم تالٍ في أعقاب حادث سقوط طائرة الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية أمير حسين عبداللهيان ورفاقهما يوم 19 مايو الجاري، والإعلان عن وفاتهم. وعلى الأقل، فإن التحركات التي كان يقوم بها وزير الخارجية الإيراني الجديد، علي باقري كني، في ملف المفاوضات مع واشنطن قد تتأجل بعض الوقت لحين تجاوز طهران هذه الأزمة. وبالتبعية ستكون أولوية السياسة الإيرانية هي الملف الداخلي الذي سيحظى بالاهتمام الرئيسي على الأقل في الأشهر الثلاثة المقبلة لحين ترتيب البيت الداخلي وإعادة تشكيل السلطة التنفيذية بعد وفاة رئيسي. نتائج كاشفة
في إحاطته الأخيرة حول اليمن في مجلس الأمن يوم 13 مايو الجاري، أدلى نائب السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، روبرت وود، بشهادة لافتة تُلخص نتائج المواجهة مع الحوثيين في البحر الأحمر. فقد كشف وود عن أن عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية إلى اليمن متواصلة بشكل غير مسبوق، مع أن أحد أهداف تحالف “حارس الازدهار” في البحر الأحمر هو وقف عمليات تهريب السلاح. وأكد تحليل مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن السفن الإيرانية كانت تتحرك من بندر عباس إلى الصومال ثم الساحل الغربي في اليمن من دون قيود، بزعم أن العديد منها يحمل مواد بناء، وهي حمولات لا تخضع للتفتيش لعدة اعتبارات؛ منها أن اتفاق التهدئة يتضمن تخفيف القيود على ميناء الحديدة الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية، ولا تخضع مواد البناء للعقوبات الأمريكية. فضلاً عن الحذر الأمريكي من استهداف سفن إيرانية؛ إذ لا تريد واشنطن التصعيد مع طهران.
ووفقاً للتحليل، يعكس مؤشر أداء المهام البحرية الدولية في البحر الأحمر تراجعاً في العمليات الهجومية والاستباقية، ويمكن القول إن تحالف “حارس الازدهار” تحول إلى عملية روتينية تقتصر على الدفاع. في وقت لجأ الحوثيون للقيام بعمليات حفر وتوسيع أنفاق وكهوف في الجبال؛ بهدف تأمين مخازن للأسلحة. وخلال العمليات الهجومية الأمريكية والبريطانية لاستهداف المنظومات العسكرية الحوثية، كان بإمكان القوات المشاركة في “حارس الازدهار” استهدافها على قمم وسفوح الجبال، لكن وجود هذه المخازن يسمح للحوثيين بالمناورة السريعة وإعادة الأسلحة مرة أخرى إلى المخازن. وبطبيعة الحال، سيكون لهذه المخازن أهميتها في تأمين الأسلحة الحوثية في مواقع مختلفة من اليمن حالياً ومستقبلاً.
وقال الباحث أحمد عليبة، رئيس وحدة الاتجاهات الأمنية في مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إن إخضاع البنية الأمنية والعسكرية في المنطقة لصفقات سياسية دون إظهار القدرة على الردع النشط ضد العدائيات التي تهدد المنطقة البحرية؛ يشكل فجوة في الأهداف الفعلية للانتشار الأمريكي في الإقليم، وربما تتعين إعادة تقييم هيكل هذه البنية في مقابل التهديدات والمخاطر في ضوء ما يجري منذ اندلاع حرب غزة. استحقاقات التسوية تشير الجماعة الحوثية إلى “عملية سلام” وليس “خارطة طريق” في اليمن في تصريحاتها المتكررة، وبحسب رئيس وحدة الاتجاهات الأمنية في مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة فإن هناك فارقاً بين الحالتين، فالأولى قد تتعلق بالمفاوضات الحوثية على المستوى الثنائي مع الرياض، بينما تشير الثانية إلى عملية تسوية سياسية شاملة مع مختلف القوى اليمنية؛ وهي نقطة لا تزال بعيدة نسبياً في المرحلة الحالية، وفقاً لإحاطة المبعوث الأممي غروندبيرغ في مجلس الأمن يوم 13 مايو الجاري.
وأوضح التحليل، أن الجماعة الحوثية لا تريد الالتزام بترتيبات داخلية في المرحلة الحالية، فالهجمات الأخيرة على العديد من الجبهات في اليمن (مأرب وشبوة والجوف)؛ تكشف أن الجماعة قد تعود إلى تحويل فائض استخدام القوة من البحر الأحمر إلى الداخل لإعادة صياغة موازين القوى قبل الانخراط في عملية تسوية سياسية يكون لها استحقاقات مختلفة.
وحول استحقاقات التسوية الشاملة وجود سلطة موحدة، فإن ذلك تحدٍّ كبير في ظل أزمة الهوية مع تكريس المشروع الأيديولوجي الحوثي، بحسب التحليل، مضيفاً إن هذا أمر ضروري من الناحية الإجرائية بالنظر إلى أن وحدة السلطة تعني احتكار الدولة لأدوات القوة؛ ومن ثم القرار السيادي، فلا يمكن استمرار الحوثيين في الانفراد بقرار الحرب. ومن هنا تأتي إشكالية رئيسية أخرى تتعلق بالتعامل مع السلاح الحوثي، ويصعب من الناحية العملية أن تشاركه الجماعة مع باقي الأطراف.
وأكد التحليل أنه مع كل تفاوض على أساس التوصل إلى “خارطة طريق”، تقيم الجماعة الحوثية عرضاً عسكرياً، الهدف منه التأكيد على عدم التفاوض على سلاحها، بل توظفه كورقة في عملية التفاوض ووفق رغباتها المستقبلية دون إخضاعه لمؤسسات الدولة الشرعية، وقد يعني ذلك أن من حق باقي القوى والتيارات الأخرى الاحتكام إلى سلاحها.