شهدت الأيام الماضية تراشقات إعلامية بخصوص ملف الكهرباء، وهو كما يبدو الملف الأهم الذي عجزت الحكومة منذ أربع سنوات أن تضع له معالجات حقيقية ومنطقية يحد من الانقطاعات المتكررة للتيار في العاصمة عدن والمدن المجاورة، والذي يكتوي بناره المواطنين في ظل حرارة الصيف المرتفعة بصورة غير مسبوقة هذا العام.
واعتقد أنه من حيث أراد بيان الحكومة تفنيد اتهامات وحجج محافظ العاصمة عدن الذي دفعته إلى إيقاف توريد إيرادات المحافظة للبنك المركز قبل أن يتراجع عن ذلك، وتبرئة ساحة الحكومة فإنه في الواقع قد كشف عن فساد كبير في هذا القطاع الحيوي الهام لم يكن يعلمه الناس من قبل،ووضع الحكومة في موقف مخز والصق بها التهمة لوحدها من خلال الأرقام المالية المهولة التي وردت في بيانها المذكور، ليؤكد أن ممارسة الفساد تتم بصورة غير محتشمة، ولا يضير أولئك الفاسدين أن كشفوا بعد ذلك فسادهم للناس دون خجل أو وازع من ضمير.
المعلومات متضاربة فيما تنفقه الحكومة من مبالغ على تشغيل الكهرباء في عدن ولمدة ثمان ساعات في اليوم فقط، يعني ساعتين تشغيل مقابل اربع ساعات طافي، فبينما يقول بيان الحكومة أنها تنفق 55 مليون دولار في الشهر على كهرباء عدن، قال نائب وزير الكهرباء عبدالله هاجر الاثنين على قناة اليمن، أن المبلغ يصل إلى 60 مليون دولار في الشهر الواحد، بمعنى أن الإنفاق اليومي يصل إلى اثنين مليون دولار،وهو يزيد على المبلغ الذي ذكره بيان الحكومة بميتين الف دولار فقط، إذ قالت الحكومة أن إنفاقها في اليوم الواحد على تشغيل كهرباء عدن يصل إلى مليون وثمان مية الف دولار، ولمدة ثمان ساعات فقط، ايا يكن الأمر فإن هذا الرقم المالي مهول جدا ولايكاد يصدق، حيث فند كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأرقام، مؤكدين أنه لا يعقل شراء وقود لمحطات الكهرباء في اليوم الواحد بنحو مليارين ونصف المليار ريال ولمدة ثمان ساعات تشغيل فقط، الا أن يكون هناك فساد كبير يلتهم هذه الأموال دون حسيب أو رقيب.
بعد يوم واحد من بيان الحكومة قدمت لجنة مناقصات وقود الكهرباء استقالتها الجماعية، وقالت في بيان الاستقالة أن ما دفعها لذلك هو عدم التزام الحكومة بشراء الوقود عبر المناقصات،وانما يتم ذلك بالأمر المباشر ومن تجار محليين وليس من الخارج، وبالتالي فإن وجود اللجنة لم يعد له لازما في هذه الحالة، مشيرة إلى أن شراء الوقود بالأمر المباشر دون مناقصات يعد باب فساد كبير.
الكذبة الأخرى الذي وقع فيها بيان الحكومة هو حديثه عن أن 80بالمئة من الخام الذي يغذي محطة الرئيس في عدن يتم جلبه من محافظة مأرب، لياتي بيان من السلطة المحلية بشبوة الاثنين ليكذب ذلك، ويؤكد بأن 95بالمئة من الخام الخاص بالمحطة المذكورة هو من نفط شبوة وليس من مأرب، وسرد ارقام عديدة تتعزز ما جاء في البيان.
اذن استقالة لجنة المناقصات وبيان سلطة شبوة صفعتان توجه للحكومة، لتكشف مدى الفهلوة والأكاذيب التي يمارسها رئيس الحكومة وفريقه على الناس، وبدلا من أن يفتح البيان الحكومي باب التحقيق في الأرقام التي أوردها، يقوم المجلس الرئاسي بالضغط على محافظ عدن بإعادة توريد إيرادات المحافظة للبنك المركزي، في صورة تكشف مدى الحماية التي يحظى بها الفساد المتغول في قطاع الكهرباء وغيرها من القطاعات، دون رقابة أو محاسبة تذكر.
اتذكر اننا خرجنا في العام 2017 في مظاهرات ضد رئيس الحكومة السابق احمد بن دغر مطالبين بإقالته، وكان يومها الدولار ب350 ريال او اكثر من ذلك بقليل، و الكهرباء في وضع أفضل من الان، والحالة الاقتصادية مستقرة مقارنة بما هو عليه اليوم، مع ذلك خرجت الناس تتظاهر واستمرت اسابيع تجوب شوارع كريتر وامام قصر المعاشيق، واليوم ونحن في هذا الوضع المزري يكشف لنا أن بن دغر كان رجل دولة وكان ارحم بنا مما نحن فيه الآن في عهد معين عبدالملك، الذي يقود البلد من فشل إلى فشل، ومع ذلك الناس ساكتة والقوى السياسية ابتلعت السنتها وكان الامر لم يكن.
لو كنا في دولة محترمة، وبها قوى سياسية حية ووطنية، كان الان معين وفريقه في قفص المحاكمة، فالبيان الذي أصدره بخصوص الكهرباء يكفي لإدانته، أيعقل أن تصرف ستين مليون دولار في الشهر، ما يقارب سبعين مليار ريال على وقود كهرباء لا تعمل الا لسويعات معدودة ، تحولت معها عدن إلى فرن عظيم، وما خفي كان اعظم.